Author

أشعة الـ MRI وتشخيص المنظمة

|
تشير ورقة علمية طبية إلى أن تطور تقنيات التصوير الطبي التشخيصية، مثل التصوير المقطعي والرنين المغنطيسي MRI، أسهمت بشكل مباشر في رفع معدل الأعمار. وهذا أمر منطقي ومشاهد، كلما تمكن الطبيب من التشخيص بشكل أفضل تمكن من علاج المرض بشكل أفضل. كيف سيتغير سلوك قادة المنظمات في الإصلاح وإعادة توجيه الدفة إذا تحسنت وتطورت قدراتهم التشخيصية. ماذا سيحصل لو امتلك أحدهم جهازا ثوريا يمكنه من تصوير المنظمة بشكل دقيق ومفصل من عدة جوانب كاشفا له الطبقات والشرائح التي توضح حقيقة ما يحصل في كل الزوايا؟ ماذا لو كشف له هذا الجهاز تضخما في أحد أجزاء المنظمة يعيقه عن القيام بدوره؟ أو بين له أن إجراء روتينيا بسيطا يؤخر تدفق المعلومات والقيمة من موقع إلى آخر، بالتأكيد سيقوم بإنهاء الخلل في وقت قياسي وسينتقل بكل ثقة إلى مرحلة جديدة تطيل عمر المنظمة وأداءها المتصاعد.
تطورت تقنيات التصوير الطبي بشكل كبير خلال العقود الماضية والشكر من البشرية جمعاء لعلماء الطب والفيزياء الذين أسهموا بجهودهم في ذلك "حصل العالمان مانسفيلد ولاوبرتر على جائزة نوبل في الطب عام 2003 لمساهماتهما في تطوير تقنيات التصوير بالرنين المغناطيسي". ومع تخفيض تكلفة هذه الابتكارات ورواجها تجاريا، ارتفعت قدرات الأطباء التشخيصية بشكل استثنائي فساعدتهم على اكتشافات الأورام السرطانية في مراحل مبكرة ومعرفة مواطن الضعف والخلل بشكل دقيق لم يعهد سابقا. ساعدت تقنيات التصوير الطبي في التعرف على عمل أعضاء وأنظمة في جسم الإنسان كانت لغزا كبيرا مثل الدماغ والنظام العصبي. وساعدت كذلك على تقليل الوقت الذي يقضيه المريض في عيادة الأسنان وتقليل عدد الزيارات بشكل كبير لأن الإصلاح بطريقة التجربة والخطأ لم يعد ضروريا. امتد استخدام هذه التقنيات اليوم في أعمال تشخيصية أخرى ليست طبية بالضرورة، مثل استخداماتها في تطبيقات الكيمياء الصناعية والأجهزة الأمنية ونراها حتى في تحليل الاكتشافات التاريخية كالمومياوات.
مع أن المنظمة أقل تعقيدا من جسم الإنسان الذي تتجلى فيه قدرة الخالق، إلا أن هناك عددا من الأسباب الذي يجعل ابتكار تقنية تعمل مثل الـ MRI للتشخيص داخل المنظمة مسألة صعبة جدا. أولها، أن الأعمال داخل المنظمة ليست منظمة بالضرورة، سواء كانت تصميما أو تطبيقا، إذ دائما ما يعتريها الخلل على عكس جسم الإنسان الذي يمثل الدقة والاتقان، فالله سبحانه وتعالى يقول: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم). ثانيا، هناك عدد كبير من العوامل غير المادية التي لا يحكمها نظام ولا تتبع أي انضباط، لكنها تنتشر وتؤثر بشكل كبير. ولأنها غير منظمة وغير منضبطة لا يمكن قياسها ولا تشخيصها بشكل علمي متقن، مثل ثقافة المنظمة والأجواء العامة والترسبات الفكرية والمؤثرات العاطفية. نعم يمكن إيجاد مؤشرات للتعرف على ملامح هذه التفاصيل أو تحضير أسلوب محدد للتأثير فيها أو توجيهها، لكن قطعا لا يمكن قياسها ورؤيتها بشكل مادي واضح.
معرفة مقدار العجز الإداري الواضح في القدرات التشخيصية للمنظمة ولقياديي المنظمة يوجب إعادة التفكير مرارا في أحكامنا التي نطلقها على المنظمات والأعمال والأشخاص. إذا كنا نعجز عن معرفة موطن الخلل أو فرصة التحسين بشكل جيد وواضح، فعلى أي أساس نبدأ خطة الإصلاح؟ هناك من يعتقد أن عمليات التقييم والمراجعة مثل تقييم الأنظمة أو مراجعة الأداء المالي أو تشخيص الإجراءات التشغيلية تكفي للخروج بخطة إصلاحية شاملة، هذه في الأساس عمليات محدودة النطاق ذات نتائج تعمل في العادة بأسلوب انتقائي ضعيف قائم على أخذ العينات أو المقابلات الشخصية أو مشاهدة العمل في ظروف ضيقة محددة. هي ليست إلا إشارة إلى - وأستعير بتصرف الجملة الشهيرة من تقارير مراجعي الحسابات - أن من قام بالفحص أو المراجعة "لم يرد إلى انتباهه ما يشير إلى وجود ما يستدعي الذكر"، كثيرا ما تشير هذه العمليات إلى وجود مشكلات في مناطق محددة وليس إلى أي حد توجد هذه المشكلات أو أين توجد المشكلات؟. الأدهى من ذلك، من يفترض أن العمل يسير بشكل جيد وهو لم يقم أصلا بأي عملية تشخيصية مدروسة أو من يقوم بالإصلاح بلا تشخيص.
وأعيد طرح السؤال "كيف لو أن هناك جهازا للرنين المغناطيسي لتشخيص المنظمة؟" بشكل آخر: هل تمثل الإمكانات التشخيصية اليوم المتاحة للمديرين والقادة داخل المنظمة ما يكفي للوصول إلى التشخيص السليم للقيام بالإصلاح؟ أعتقد أن القدرات التشخيصية حتى باستخدام أفضل الممارسات ضعيفة جدا. ومع ذلك، تظل الإجراءات التشخيصية المتاحة اليوم سواء على المستوى الاستراتيجي أو الإجرائي أفضل ما يمكن عمله للبدء في أي عملية تحسينية أو إصلاحية. بهذا، من لا يتمسك ويسعى بكل جدية للوصول إلى أفضل الممارسات التشخيصية ويطور منها باستمرار سيصل في نهاية الأمر إلى أحد ثلاثة: تشخيص غير دقيق وعلاج خاطئ، اكتشاف الحقيقة في مرحلة متأخرة، أو مشاهدة المنظمة المريضة وهي تموت والاكتفاء بالذهول وسرد القصة الحزينة لاحقا.
إنشرها