المناخ يزيد الضغط على أصحاب العقارات وشركات التأمين

المناخ يزيد الضغط على أصحاب العقارات وشركات التأمين
في فلوريدا يمكن للخسائر الناجمة عن الفيضانات أن تمحو 30 ـ 80 مليار دولار من قيمة المنازل المعرضة للخطر.

سكان بحيرة تشارلز، وهي مدينة تقع في جنوب لويزيانا، مروا ببضعة أشهر صعبة. في آب (أغسطس)، ضرب إعصار لورا المنطقة مع رياح تزيد سرعتها على 130 ميلا في الساعة، ما تسبب في أضرار بمليارات الدولارات. بعد ستة أسابيع فقط، زارها إعصار دلتا مع رياح قوية أكبر من قبل وتكاليف عالية أكثر.
كان موسم الأعاصير في المحيط الأطلسي هذا العام نشطا بشكل خاص، حيث تسببت سلسلة من العواصف في أضرار جسيمة. في الوقت نفسه، اجتاحت حرائق الغابات أجزاء أخرى من العالم. يقول خبراء المناخ إنها معا علامات مقلقة لما هو آت.
يقول روبرت موير وود، كبير مسؤولي الأبحاث في شركة آر إم إس لنمذجة المخاطر: "ما يفعله تغير المناخ هو أنه يفاقم المخاطر الموجودة مسبقا ويعمل على توسيعها". يضيف: "العقارات التي كانت بعيدة عن متناول الخطر من المحتمل أن يتم تضمينها. مخاطر الفيضانات ومخاطر حرائق الغابات هما اللذان يظهران أقوى المؤشرات على تغير المناخ في هذه المرحلة".
يقول خبراء النمذجة إن تغير المناخ لن يجعل العواصف أكثر انتظاما بالضرورة، لكنها ستكون أكثر شدة عندما تحدث فعلا، ما يتسبب في فيضانات واسعة النطاق. كما أن درجات الحرارة المتصاعدة تزيد احتمال نشوب حرائق الغابات من خلال تجفيف الغابات وتسهيل احتراقها.
وفقا لموير وود: "حرائق الغابات هي خطر معقد بعض الشيء. ما يحركها هو كمية الوقود الموجودة في المنطقة. أعوام الجفاف الماضية في كاليفورنيا قتلت أكثر من 100 مليون شجرة. الشتاء الأقصر والأكثر رطوبة ينتج مزيدا من الغطاء النباتي، في حين أن الصيف الأطول والأكثر جفافا والأكثر سخونة يعمل على تجفيف الغطاء النباتي المذكور ويحوله إلى وقود".
يضيف: "الصيف الأطول والأكثر جفافا يعني أيضا موسم حرائق أطول. سلسلة كاملة من العوامل ترتبط ببعضها وتزيد من المخاطر".
ظهرت مخاطر حرائق الغابات في الولايات المتحدة هذا العام. وبحسب شركة أون الاستشارية، فقد تم في آب (أغسطس) وأيلول (سبتمبر) من هذا العام تسجيل خمسة من أكبر ستة حرائق في كاليفورنيا منذ 1932.
في غضون ذلك، في أستراليا، من المرجح أن تكلف حرائق الغابات في نهاية 2019 وبداية 2020 شركات التأمين أكثر من 1.8 مليار دولار أسترالي (1.3 مليار دولار أمريكي)، وفقا لشركة بيرلز لتزويد البيانات.
في بعض الحالات زادت المخاطر التي تتعرض لها الممتلكات من تغير المناخ بسبب انتقال الناس نحو مناطق المشكلات بدلا من الابتعاد عنها. فلوريدا، مثلا، تواجه مخاطر الفيضانات المتزايدة لكن المتقاعدين الأمريكيين لا يزالون حريصين على الانتقال إلى الولاية. في الوقت نفسه، في كاليفورنيا تعني الشعبية المتزايدة للحياة الريفية أن الناس ينتقلون إلى مناطق الغابات حيث يوجد خطر أكبر لحدوث حرائق الغابات.
تقرير صادر عن شركة ماكينزي الاستشارية نشِر في وقت سابق من هذا العام يكشف عن مدى تعرض مالكي العقارات لارتفاع التكاليف. في فلوريدا يمكن للخسائر الناجمة عن الفيضانات أن تمحو ما بين 30 و80 مليار دولار، أو 15-35 في المائة، من قيمة المنازل المعرضة للخطر.
في الجانب الآخر من العالم، في مدينة هو تشي مينه في فيتنام، تكلفة الأضرار المباشرة للبنية التحتية من فيضان يحدث مرة كل 100 عام يمكن أن ترتفع من 200 مليون دولار إلى 300 مليون دولار في الوقت الحاضر، إلى ما بين 500 مليون دولار ومليار دولار بحلول 2050.
تقول ماري لودجين، رئيسة الأبحاث العالمية في شركة هايتمان لإدارة الأصول العقارية، إن مالكي العقارات بحاجة إلى إعداد أنفسهم. الخطوة الأولى هي تقييم المخاطر المادية المباشرة على الممتلكات. "معلومات المخاطر المادية متاحة على نطاق واسع وليست مكلفة بشكل خاص. تغير هذا في الأعوام الخمسة الماضية".
بمجرد تقييم هذه المخاطر، من الممكن اتخاذ إجراءات لجعل العقارات أكثر قدرة على التحمل. مثلا، يمكن للمالكين تثبيت حواجز للفيضانات إذا كان المبنى قريبا من أحد الأنهار، أو نقل المعدات الحساسة إلى الطوابق العليا.
وفقا لبيلي جريسون، من معهد الأرض الحضرية، وهو مركز أبحاث، هذه الإجراءات يمكن أن تؤتي ثمارها حيث من المحتمل أن المباني القادرة على التحمل تستطيع تحصيل إيجارات أكثر من المباني الأكثر ضعفا.
يقول: "نرى أدلة على أن استراتيجية التحمل الجيدة يمكن أن تؤتي ثمارها من خلال الإيرادات العالية من الدرجة الأولى. هناك مستأجرون يهتمون بشدة باستمرارية الأعمال ومستعدون لدفع المزيد ليكونوا في مبنى يوفر لهم هذه الاستمرارية".
لكن المخاطر المادية ليست هي التهديد الوحيد للممتلكات. وفقا لجريسون، يحتاج الملاك أيضا إلى النظر في "مخاطر الانتقال". وتشمل هذه تكلفة التأمين وتوافره، وتكلفة الضرائب المحلية، والاستثمار الذي قد تحتاج الحكومات المحلية إلى القيام به للتخفيف من المخاطر. مثلا، تواجه المجتمعات الساحلية في الولايات المتحدة أكثر من 400 مليار دولار من التكاليف على مدار الـ20 عاما المقبلة للدفاع عن نفسها من ارتفاع مستويات سطح البحر، وفقا لـ"مركز نزاهة المناخ".
يقول جريسون: "على المدى الطويل، تشكل مخاطر الانتقال تهديدا ماليا أكبر لمزيد من المناطق".
منذ الآن، تبدأ بعض هذه التكاليف في الظهور. شركات التأمين التي دفعت مليارات الدولارات في الأعوام الأخيرة لتغطية تكاليف الفيضانات والعواصف وحرائق الغابات، تبدأ الآن في تعديل أسعارها لتكون دلالة على المخاطر الأكبر.
يقول مايكل جلور، قائد تغير المناخ في شركة سويس ري لإعادة التأمين: "تستثمر شركات التأمين في معرفة المخاطر لفهم المخاطر ووضع نماذج لها وتقييمها بشكل أفضل. في بعض الحالات يؤدي ذلك إلى تغيير في وجهات النظر بشأن المخاطر وأسعار التأمين عليها أو إعادة تأمينها".
ارتفاع الأقساط هو دلالة على عالم لا يعد فيه تغير المناخ احتمالا مستقبليا بل حقيقة واقعة. يقول جلور: "صناعة التأمين لا تقوم الآن باحتساب التأثير طويل المدى لتغير المناخ. صناعة التأمين مهتمة بمدى التأثير الذي يمارسه تغير المناخ منذ الآن على مشهد المخاطر".

الأكثر قراءة