وقد يكون مع المستعجل الزلل
التدرج سنة من سنن الله في الكون فالإنسان يولد رضيعا فطفلا ثم شابا فشيخا. النبات ينمو من بذرة صغيرة إلى أن يصبح مع مرور الأيام غابة وارفة الظلال والأمثلة على سنة التدرج كثيرة. وعلى الرغم من أن كثيرا من الناس يدرك هذا الأمر ويتماشى مع مفهومه إلا أن هناك البعض ممن يستعجل ويحرص أن يكون في أعلى المناصب الوظيفية ضاربا بعرض الحائط أهمية التدرج، فهو لا يريد أن يصعد السلم درجة درجة، وإنما يريد أن يقفز للوصول بسرعة، فتكون النتيجة الحتمية هي التعثر والسقوط، وكما قيل "وقد يكون مع المستعجل الزلل". إن طلب الرزق أمر مشروع، ولكن يجب أن يكون مصحوبا بالقناعة «وفي السماء رزقكم وما توعدون»، «إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين». إن صدق التوكل على الله في الأمور كلها بما فيها الأمور المتعلقة بالرزق أيا كان هذا الرزق، سواء كان منصبا أو جاها أو مالا، يجعل الإنسان آمنا مطمئنا وسيساق إليه رزقه من حيث لا يحتسب:
لا تعجلن فليس الرزق بالعجل
الرزق في اللوح مكتوب مع الأجل
أذكر زميلا عاد للتو من البعثة فما لبث أن اشرأب عنقه للمناصب فما ترك بابا إلا طرقه ولا زميلا إلا توسط به وطلب منه الشفاعة، وهو في هذا ينطبق عليه قول شاعرنا العربي:
أوردها سعد وسعد مشتمل
ما هكذا تورد يا سعد الإبل
فكان من المفترض أن يدرك هذا الزميل وأمثاله أن الوصول إلى المناصب بسرعة سينعكس سلبا عليهم وسيفقدهم الثقة بأنفسهم وإمكاناتهم لافتقادهم الخبرة التي تكتسب بالتجارب وبتطوير الذات والإمكانات وصقل المهارات. والمنصب سيأتي لاحقا إن قدر ذلك ولكن بعد استكمال الجوانب المؤهلة للقيادة بما فيها الحرص على حضور الدورات التدريبية وبناء العلاقات مع الزملاء وطلب المشورة من أصحاب الرأي، وكذلك الصبر والجلد والتركيز على الأولويات، وحينها يكون النجاح له وللفريق الذي يعمل تحت إشرافه.
هون عليك فإن الرزق مقسوم
والعمر في اللوح محدود ومعلوم
وليعلم ذلك المتعجل أن استعجال الغنى فقر، وأن من تعجل المنصب قبل أوانه عوقب بحرمانه، وأن النجاح الطبيعي الذي أخذت فيه سنة التدرج هو ما سيحقق للإنسان السعادة والبهجة ويكتب له البقاء والديمومة.