«إينولا» .. نساء قادرات حتى على هزيمة شارلوك هولمز‬ ‬

«إينولا» .. نساء قادرات حتى على هزيمة شارلوك هولمز‬ ‬
بوستر العمل.
«إينولا» .. نساء قادرات حتى على هزيمة شارلوك هولمز‬ ‬
مشهد من الفيلم.

تأبى "نتفليكس" أن نشهد أفول عام 2020 بما حمله معه من كوارث ووباء ‏قاتل، دون أن تعيد عقارب الزمن إلى الوراء، وتنبش في أصقاع الماضي ‏السحيق، مبعثرة صفحات عائلة هولمز الغامضة، خالطة أوراق كتاب الكاتبة ‏نانسي سبرينجر الأول من سلسلة ألغاز إينولا هولمز، وتعيد إحياء تلك الشخصية ‏الخيالية الأشهر في عالم التحقيقات، شارلوك هولمز، وتعرضه علينا بصورة لم ‏نألفها من قبل، فلم يعد "مستر هولمز" هو المحور الرئيس لقصة الفيلم، بل ‏استبدلته الشبكة الشهيرة بـ"مس هولمز" بعد أن دفعت بشقيقته "إينولا" الذكية ‏إلى الصدارة في فيلم يحمل عنوان "إينولا هولمز".‬‏
‬رحلة البحث المستمرة‬‏
يبدو أنه لا تزال النجمة الصاعدة ميلي بوبي براون صاحبة الـ16 ربيعا لا ‏تعرف ما اسمها، وها هي تعود لتحقق وتحل الألغاز، باحثة عن نفسها أثناء ‏تصدرها البطولة في فيلم الغموض الأخير "إينولا هولمز"، استكمالا لبحثها ‏المتواصل الذي بدأته في مسلسلها الأشهر ‏Stranger Things، الذي جسدت ‏فيه شخصية فتاة تحمل اسم إيلفين.‬‏
وفي إطار درامي وتشويقي، في إنجلترا عام 1884، تدور قصة الفيلم الذي ‏يتمحور حول الأخت الصغيرة للمحقق الشهير شارلوك هولمز، إينولا، تلعب ‏دورها ميلي بوبي براون، التي تروي بنفسھا القصة التي تبدأ من لحظة ‏اكتشافھا في صبيحة عید میلادھا الـ16 اختفاء والدتھا، التي تؤدي ‏دورها النجمة ھیلینا بونھام كارتر، لتجد الأخت نفسھا تحت رعاية شقيقيها ‏شيرلوك، يؤدي دوره هنري كافيل، وميكروفت، يؤدي دوره سام كلافلين، ‏ويحاول كلاهما إرسالها إلى مدرسة للسيدات الشابات، لكنها ترفض ذلك وتبدأ ‏عملیة ھرب ذكیة إلى لندن، تلاحق خلالها عددا من الأدلة عبارة عن مجموعة ‏غريبة من الهدايا التي تركتھا أمھا.‬‏

قصتان في قصة واحدة‬‏
‏ يتضمن الفيلم المبني على رواية ‏The Case of the Missing Marquess‏ للكاتبة نانسي سبرينجر قصتين في الوقت نفسه، قصة إينولا ‏هولمز، التي تبحث عن أمها التي اختفت فجأة، فينجح جاك ‏ثورن كاتب السيناريو في سرد ماضي إينولا بطريقة كوميدية، وكيف انتهى بها المطاف مع والدتها ‏وحدهما، التي ربتها على الاستقلالية وحب العلم والفضول وحل الألغاز ‏والتلاعب بالكلمات والفنون القتالية، على عكس التقاليد الاجتماعية التي اعتادتها نساء تلك الحقبة من الالتزام بتعلم التطريز والآداب الاجتماعية سعيا إلى الزواج من ‏زوج مناسب صاحب لقب عريق. أما القصة الثانية فهي تتمحور حول شارلوك، ‏الذي يحاول بدوره أن يحقق ويبحث عن أخته، التي تبحث بدورها عن أمها.‬‏

عندما ينكسر الحائط الرابع‬‏
رغم صغر سنها وحداثة تجربتها في عالم السينما والتمثيل، إلا أن ميلي بوبي ‏براون تألقت في دور إينولا هولمز وقدمت أداء تمثيليا رائعا من جميع النواحي ‏سواء الكوميدية أو الدرامية أو استعراض قدرتها كمحققة ذكية، أو حركات قتالية، ‏تمكنت من خلال كل ذلك من خطف الأضواء في الفيلم وتقديم أداء هو الأفضل، ‏كما أنها ظهرت متمكنة في المشاهد التي تقوم بها، المتعارف عليها بـ"كسر الحائط الرابع"، وتتحدث إلى المشاهدين أو تشاركهم تعبيرات وجهها ‏وانفعالاتها. ونظرا إلى الكاريزما التي تتمتع بها براون، تصبح معالجة خطوط ‏قصة الفيلم أكثر سلاسة، وتزيد قيمة العمل بفضل مونتاج آدم بوسمان وموسيقى ‏دانيال بامبرتون الحيوية.‬‏
من جانبه، يتألق النجم هنري كافيل بأدائه، فيقدم لنا شيرلوك بإطلالة جديدة ‏مرحة قليلا، بعيدة كل البعد عن أدائه الجاد والقاسي في أدواره الأخيرة مثل ‏الويتشر وسوبرمان، فيستمتع المشاهد بالمشاهد القليلة نسبيا التي يتشاركها مع ‏شقيقته الصغرى، التي تشبهه فيما تمتلك من دهاء وحب لحل الألغاز وعيش ‏إحساس المغامرات. كذلك يتألق سام كلافلين في دور الأخ الأكبر الثري، ويؤدي ‏دورا بعيدا عن أدواره السابقة مثل ‏Me Before You‏، فيظهر بصورة ‏الشخصية الأرستقراطية التي لا تهتم بشيء سوى بصورته وصورة عائلته ‏اللامعة. كما يضم الفيلم أيضا عديدا من الأسماء الشهيرة التي لم يتم استغلالها ‏حقا في الفيلم، مثل هيلينا كارتر التي تلعب دور والدتهم، وفيونا شاو التي تلعب ‏دور مديرة المدرسة الداخلية.‬‏
‬فيلم مليء بالرسائل والمضامين‬‏نجح المخرج هاري برادبير في إخفاء الركاكة التي تعتري سيناريو الفيلم، من ‏خلال استخدامه أساليب سرد جذابة، تجمع بين التعليق الصوتي للبطلة، ‏وعرض ذكريات تدور في خيال إينولا برسوم ولقطات توضيحية، وصورة ‏بصرية رائعة لأجواء لندن في القرن الـ19، كما أنه نجح في تحميل الفيلم ‏عديدا من المضامين والرسائل التي لشدة كثافتها كادت تطيح بالفيلم وتقلب ‏المعادلة وتشتت ذهن المشاهد، إلا أنه تمكن في اللحظات القاتلة من أن يعيد الحيوية إلى المشاهد وجذب انتباهه من جديد. وتمحور معظم رسائل العمل حول النساء ‏وقدراتهن، إذ إن خطوة إينولا ترتبط بقدرتها على تفسير الألغاز التي تركتها ‏أمها لها، وبالتالي ترتبط أيضا بكشف السبب الذي دعا والدتها إلى ترك المنزل، ‏الذي بدوره له علاقة بقوانين تتعلق بأحقية تصويت النساء في الانتخابات، ‏وتظهر هذه الرسالة بوضوح على لسان الشرطي في جهاز سكوتلانديارد ‏‏"جهاز الشرطة البريطاني"، وسؤاله الموجه إلى شارلوك هولمز "كيف سبقتك ‏شقيقتك في حل اللغز؟"، وفي ذلك رسالة واضحة حول قدرة النساء، وتأكيد أنهن قادرات على مقارعة شخص بالغ الذكاء والانتصار عليه. ببساطة يحاول ‏الفيلم تسليط الضوء على حركة المساواة بين الجنسين، التي بدأت في تلك الحقبة، ‏والهيمنة الذكورية على النساء.‬‏

استغلال لشخصية أشهر محقق بوليسي في تاريخ السينما‬‏الفيلم يصنف من الأفلام العائلية الممتعة، ومن أفلام المغامرات المليئة بالمرح ‏وحل الألغاز، التي تذكرنا إلى حد ما بأفلام ديزني، وهو مأخوذ عن رواية ‏حديثة مشتقة من عالم روايات شيرلوك، التي كتبها أرثر كونان دويل خلال ‏الفترة الممتدة ما بين نهاية القرن الـ19 وبدايات القرن الـ20، وهو ‏مقتبس من إحدى روايات سلسلة الروايات البوليسية للروائية نانسي سبرينجر ‏وتحمل عنوان "قضية الماركيز المفقود".‬‏
حصد الفيلم تقييما بلغ 6.7 على موقع ‏IMDb‏، المتخصص في الأفلام ‏السينمائية، كما تلقى الفيلم إشادة كبيرة من معظم النقاد، حيث حصل على معدل ‏‏68 من 100، بناء على 29 مراجعة في موقع ميتاكريتيك.‬‏
وكانت "نتفليكس" حصلت في أبريل الماضي على حقوق توزيع الفيلم الذي صدر ‏في 23 سبتمبر المنصرم. وأكد كل من المنتج والممثلة ميلي بوبي براون ‏والمخرج هاري برادبير نيتهم في تطوير جزء ثان للفيلم.‬‏
وفي الختام سؤال يطرح نفسه، طالما أن إينولا تملك كل المميزات، وهي ‏محور أحداث الفيلم، الذي تتجاوز مدة عرضه ساعتين، ألم يكن من الممكن أن ‏تكون إينولا مجرد فتاة ذكية ومغامرة وعنيدة، تعيش في أي حقبة زمنية ‏معاصرة، وليست الأخت للمحقق الشهير؟ ألم يكن إقحامها في عالم شيرلوك ‏هولمز مجرد استغلال لشخصية وعالم أشهر محقق بوليسي خيالي في تاريخ ‏الأدب والسينما؟‬‏

الأكثر قراءة