FINANCIAL TIMES

لا للنظافة المفرطة .. بعض الميكروبات تستحق أن نحافظ عليها

لا للنظافة المفرطة .. بعض الميكروبات تستحق أن نحافظ عليها

الأربعاء، نظفت صوفي هينشليف حماما في منزلها في إسيكس بسائل هاربيك أكتيف فريش، ورشت لوح زرار صندوق الطرد اللامع بمطهر ديتول "الكل في واحد" (يقضي على نزلات البرد وفيروسات الإنفلونزا). ثم شاركت القصة مع 3.8 مليون متابع على إنستجرام.
هينش، كما تعرف، هي أفضل "مؤثري النظافة" في المملكة المتحدة والمؤلفة الأكثر مبيعا، التي تظهر نصائحها بالفيديو، مثل كيفية تنظيف الغسالة بجهاز تنقية الصوت والمطهر المعطر زوفلورا، لديها أتباع متحمسون. الآن، لديها رفقة من الناس المهتمين بالتنظيف الشامل للأسطح.
المطهر ليس منتجا مثيرا. تم اختراع أشهر العلامات التجارية منذ عقود – ديتول في 1933، وزوفلورا في 1922، وليسول في 1889 (أثبت ليسول قيمته خلال تفشي الكوليرا في هامبورغ في 1892 ومرة أخرى في جائحة الإنفلونزا الإسبانية في 1918). وفي حين تكاثرت الأصناف، إلا أن الصيغة الأساسية لم تتغير بشيء يذكر.
لكن النظافة رائجة الآن بفضل كوفيد - 19 والرغبة الملحة في التعقيم. الأسبوع الماضي أعلنت شركة ريكيت بنكيسر Reckitt Benckiser، التي تمتلك ديتول وليسول وهاربيك، زيادة بنسبة 13 في المائة في المبيعات على أساس سنوي في الربع الأخير، في حين أن شركة بروكتر آند جامبل، التي أطلق مؤسساها اللذين يحمل اسميهما صابون أيفوري سوب Ivory Soap في 1879، قالت إن مبيعات الرعاية المنزلية الفصلية ارتفعت أكثر من 30 في المائة.
بالنسبة لشركات اعتادت على النمو الفاتر، هذه مفاجأة مذهلة، لكن هل ستنتهي طفرة التنظيف عندما يتلاشى الخوف من العدوى؟ الشك الأعمق هو ما إذا كان كل هذا التعقيم المبالغ فيه ستكون له آثار سلبية. يحتوي سائل التنظيف على مواد كيميائية قوية وكان على الأطباء التحذير من سمية مادة التبييض بعد أن فكر الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في حقنها في الجسم لقتل الفيروس.
هناك أمور تجري أكثر من الاندفاع نحو تخزين المواد المعقمة في بداية الوباء: معدل نمو إيرادات شركة بروكتر آند جامبل في الفترة من تموز (يوليو) إلى أيلول (سبتمبر) كان أعلى منه في الربيع. التحول إلى النظافة صاحب مزيدا من الأجواء العائلية - ارتفعت مبيعات كبسولات غسالات الأطباق ومنظفات الغسيل في الوقت الذي يقضي فيه الناس وقتا أقل في تناول الطعام في الخارج وفي المكاتب.
عالم النفس أبراهام ماسلو كتب في 1943: "الشخص البالغ السليم والطبيعي والمحظوظ في ثقافتنا راض إلى حد كبير عن احتياجاته من حيث السلامة". كان يتمتع برفاهية أنه موجود في نيويورك وعدم تعرضه للقصف، لكنه كان محقا من زاوية معينة. كانت المدن تخضع للمراقبة الأمنية، وتم اكتشاف البنسلين، ولم تكن الأوبئة تشكل خطورة كبيرة.
جادل ماسلو بأنه بمجرد تلبية الضروريات مثل الحصول على ما يكفي من الطعام والوقاية من الحرب والطاعون، تصعد الاحتياجات البشرية هرما نحو الانتماء والإنجاز والتعبير عن الذات. هذه هي الطريقة التي تطور بها الاستهلاك – من الصابون إلى حبوب الفيتامينات، ومن النظافة إلى عضوية الصالات الرياضية ودروس اليوجا.
دفعنا الفيروس إلى أسفل هرم ماسلو نحو الأساسيات الفسيولوجية والنفسية. سنستأنف الذهاب إلى الأحداث الرياضية والذهاب إلى الدول الأجنبية في الإجازات والعطلات عندما نستطيع، لكن الرغبة في بناء منزل نظيف ومريح لعائلاتنا ستستمر.
هذا أمر جيد لشركات مثل بروكتر آند جامبل ويونيليفر، التي كان عملاؤها ينشقون عنها ويتجهون نحو علامات تجارية أحدث من التي تقدم مكونات عضوية وتفردا أكبر. في الاندفاع نحو الأمان، فإن تاريخ العلامات التجارية القديمة ومعرفة الناس بها هي من نقاط القوة.
لكن هذا يوقعنا في حلقة مفرغة عن مقدار التنظيف الكافي. قبل الوباء، العائلات التي لديها شريكان في العمل ووقت أقل للأعمال المنزلية كانت تتبنى أسلوب "المحافظة على النظافة" - أي التنظيف السريع قدر الإمكان بدلا من العمل المنزلي لمدة يوم كامل. في شباط (فبراير)، أطلقت بروكتر آند جامبل علبة رشاش تنظيف يسمى "مايكروبان 24" Microban 24 لذلك الاستخدام.
هينش لا تعد شاذة الآن من حيث امتلاكها لخزانة مليئة بسوائل التنظيف والحبيبات التي تسميها "نارنيا". هذا يعني أن المزيد من المواد الكيميائية القاتلة للفيروسات يتم رشها ورجها في جميع أنحاء المنزل. تقول عن جهاز كشط الغسالة: "أفعل هذا في كثير من الأحيان، لذلك لا تتراكم الرواسب كثيرا".
العنصر الفعال في زوفلورا وغيره هو كلوريد البنزالكونيوم، وهو واحد من مجموعة مواد كيميائية مطهرة تسمى QACs، أو quats. وهي شائعة منذ فترة طويلة لأنها فعالة - فهي تحتوي على ذرات الكربون التي تخترق الأغشية المحيطة بالفيروسات والبكتيريا وتقتلها.
أكثر من 200 منتج من أصل 420 منتجا توصي بها وكالة حماية البيئة الأمريكية ضد فيروس كورونا تشتمل على quats. لكنها يمكن أن تسبب الربو وحساسية الجلد، على الرغم من أن بعض الصابون المضاد للميكروبات لا يزال يحتوي عليها. يمكن لهذ المواد أن تثبط أيضا معالجة مياه الصرف الصحي ويخشى العلماء من أن الإفراط في الاستخدام قد يشجع مقاومة المضادات الحيوية.
وجدت إحدى الدراسات الأمريكية عن المنازل في ولاية إنديانا في حزيران (يونيو) أن مواد quats موجودة في أكثر من 90 في المائة من عينات الغبار ولاحظت أن التعرض كان أعلى في المنازل التي تنظف كثيرا. وخلصت إلى أن "زيادة استخدام المطهرات المنزلية وعوامل التنظيف الأخرى التي تحتوي على QACs خلال جائحة كوفيد - 19 هي مصدر قلق كبير".
الحماية من كوفيد - 19 من خلال المحافظة على النظافة الصحية هي استجابة معقولة وتلبي غريزة الإنسان للسلامة. لكن في حين أنه ليس هناك إنسان سليم العقل يحقن نفسه أو يبتلع مادة التبييض، فإن الغسل المفرط له مخاطره الخاصة. يبدو منزل هينش نظيفا بشكل مخيف، لكن بعض الميكروبات تستحق الحفاظ عليها.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES