لا تبالغوا في تقدير التعافي من الجائحة «1من 2»
نهض الاقتصاد العالمي من أعماق الانهيار الأولي الذي أحدثته جائحة فيروس كورونا كوفيد - 19. لكن التعافي كان فاترا، ومتقطعا، وهشا ومن المرجح أن يظل على حاله هذه في المستقبل المنظور.
لنبدأ بالأخبار السارة: انتعشت تجارة البضائع العالمية بقوة، بما يتفق مع المؤشرات الدالة على انتعاش الطلب الأسري على السلع في عديد من الاقتصادات، حتى رغم استمرار القيود على الصحة العامة ومخاوف المستهلكين في تقييد الطلب على الخدمات.
علاوة على ذلك، ظلت الأسواق المالية صامدة بدرجة مدهشة، حيث استعادت أسواق الأسهم في عديد من الدول مستويات ما قبل الجائحة أو تجاوزتها. ورغم أسعار الفائدة القريبة من الصفر تبدو الأنظمة المصرفية والمالية مستقرة معها إلى حد كبير. وساعد الطلبان الاستهلاكي والصناعي على انتعاش أسعار السلع الأساسية، مع تعافي أسعار النفط بعض الشيء، لكن كما تظهر أحدث مؤشرات بروكنجز "فاينانشيال تايمز" لتتبع التعافي الاقتصادي العالمي، لا يشهد عديد من الاقتصادات أي نمو، أو حتى انكماش، في الأساس. ومع استنفاد ثقة القطاع الخاص، وابتعاد النضال لاحتواء الفيروس عن تحقيق هدفه النهائي، تتعاظم مخاطر حدوث أضرار اقتصادية جسيمة ودائمة.
يصدق هذا حتى في الاقتصادات التي عادت إلى النمو، مثل الولايات المتحدة. من بعض النواحي، يبدو أن الولايات المتحدة تخطت الأزمة. فقد استعاد النشاط الاقتصادي وسوق العمل بعض الأرض المفقودة. كما يتجه معدل البطالة إلى الانخفاض، في حين ترتفع مستويات تشغيل العمالة. لكن تظل معدلات البطالة أعلى بشكل ملحوظ، ومستويات تشغيل العمالة أقل كثيرا مما كانت عليه قبل الجائحة. وتنذر الزيادة في البطالة طويلة الأمد، إلى جانب الارتباكات المستمرة في قطاع الخدمات بمسار صعب إلى التعافي الأكثر قوة واستدامة.
ما يزيد الطين بلة أن تدابير التحفيز المالي بلغت منتهاها إلى حد كبير، وانهارت المفاوضات بشأن حزمة إغاثة جديدة على نحو متكرر. ومع انحدار الدخل المتاح للأسر بعد سداد ديونها، تمكن الضعف من نمو الاستهلاك الخاص. على نحو مماثل، يستمر الاستثمار التجاري في الانكماش وهو اتجاه لا يبشر بأي خير للنمو المستدام.
حتى أسواق الأسهم التي شهدت انتعاشا حادا في وقت سابق من هذا العام، يبدو أنها الآن تأخذ استراحة. وربما يعكس هذا المخاوف بشأن استراتيجية احتواء الفيروس أو غياب هذه الاستراتيجية التي تلاحقها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب. في كل الأحوال، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في الشهر المقبل، من المرجح أن يؤدي عدم اليقين السياسي وغموض السياسات إلى الإبقاء على ثقة المستهلك والأعمال عند مستوى منخفض.
والحال أسوأ في منطقة اليورو. فلم تكتف الجائحة بالقضاء على النمو في الأمد القريب، بل أفضت أيضا إلى ظهور الانكماش الآن، ما يزيد من خطر الانكماش العميق طويل الأمد. ورغم انتعاش التصنيع في ألمانيا وأماكن أخرى، فإن ركود الخدمات المستمر، الذي تعزز بفعل قيود الصحة العامة المستمرة، يلتهم كل التأثيرات الإيجابية. على النقيض من هذا، شهد قطاع الخدمات في المملكة المتحدة انتعاشا قويا. ومع ذلك، يسهم ذلك المزيج من سياسات الإغلاق المتذبذبة والشكوك العميقة المحيطة بعملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في استمرار الانكماش الاقتصادي. في الوقت ذاته، على الجانب الآخر من العالم تحيط مخاطر اقتصادية جسيمة باليابان أيضا، رغم نجاحها حتى الآن في تجنب العودة إلى الانكماش... يتبع.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2020.