FINANCIAL TIMES

لسنا في جائحة .. لدينا وباء تآزري

لسنا في جائحة .. لدينا وباء تآزري

واحد من بين أكثر من مليون شخص حول العالم أصابهم كوفيد ـ 19.

إليكم بعض الأخبار المبهجة: لم نعد في جائحة. هناك، للأسف، مشكلة: بدلا من ذلك نحن الآن عالقون في "وباء تآزري".
يشير الوباء التلازمي، أو التآزري إلى فكرة أن الفيروس لا يعمل وحده، مثل الشرير الوحيد الذي يوزع الالتهاب الرئوي وفشل الأعضاء بقسوة متوازنة بين السكان. بل لديه شركاء، مثل السمنة والسكري وأمراض القلب، التي تفاقم الضرر.
كل شريك هو بالفعل وباء مستقل وغالبا ما تسير هذه الأمراض المألوفة جنبا إلى جنب، مشكلة مافيا من الأمراض المشتركة. السمنة، مثلا، هي عامل خطر يؤدي إلى الإصابة بمرض السكري وأمراض القلب. لكن أقرن أيا منها أو كلها بكوفيد - 19، وسيهوي المريض في نطاق الوباء التآزري، حيث تؤدي العوامل المشتركة إلى تضخيم الخطر على المريض. خلصت ورقة بحثية حديثة في مجلة "أوبيستي ريفيوز" Obesity Reviews إلى أن الأشخاص الذين يعانون السمنة المفرطة كانوا أكثر عرضة للوفاة من الفيروس بنسبة 50 في المائة تقريبا من أقرانهم غير البدينين.
هذا التشابك الفوضوي للأوبئة المتفاعلة هو السبب في أننا يجب أن نعد كوفيد - 19 وباء تآزريا، وفقا لريتشارد هورتون، رئيس تحرير مجلة "لانسيت" الطبية، الذي يجادل في مقال افتتاحي حديث ضد السرد المتعلق بـ"البلاء" والطريقة التي يتم بها التعاطي بها معه.
قال لي: "التركيز على الفيروس وحده خطأ"، مشيرا إلى السعي الحثيث وراء علاجات ولقاحات كوفيد - 19 وحده. إن الأثر المميت للوباء "لا ينجم عن تأثير الفيروس بمفرده بل يتفاعل مع الأمراض المزمنة مثل السكري والسمنة وأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم - كل ذلك على خلفية من عدم المساواة والفقر. لا يمكننا السيطرة على العدوى بشكل كامل دون معالجة تلك العوامل".
ألا يؤدي تحول جائحة فيروس كورونا إلى وباء تآزري إلى اتساع المشكلة وإحداث شعور أكبر باليأس؟ يدعي هورتون عكس ذلك لأنه "يمنحك مجموعة كاملة من الإجراءات التي يجب تنفيذها في الوقت الحالي لحماية الناس بينما ننتظر اللقاح". وصفته الأساسية هي معالجة تلك الأوبئة المألوفة: خفض السمنة وتحسين علاج مرض السكري وأمراض القلب والسرطان، من بين أمراض أخرى. هذا يعني الانتباه إلى الحفاظ على أنظمة صحية سليمة لمواجهة ظروف وحالات أخرى.
كانت السمنة أحد عوامل الخطر بالنسبة لكل من رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والرئيس الأمريكي دونالد ترمب عندما أصابهما المرض. كشفت حكومة المملكة المتحدة عن استراتيجية جديدة للسمنة في تموز (يوليو)، مع وعود بإيقاف عروض الشراء المتعدد للأطعمة غير الصحية وتضييق الخناق على إعلانات الوجبات السريعة. لكن هذا يبدو وكأنك تعالج قيضا من فيض. المشكلة حددها هورتون، وعلى الأخص عالم الأوبئة مايكل مارموت: تأثير الفقر وعدم المساواة على الصحة.
في الدول مرتفعة الدخل، ينظر إلى السمنة بشكل متزايد على أنها مرض يصيب الفقراء. مرض السكري من النوع الثاني أيضا يصيب أفراد المجتمعات المحرومة. كوفيد - 19 يجد موطئ قدمه في الأماكن نفسها. في حين أن العمر هو أكبر عامل خطر - من بين أولئك الموجودين في المملكة المتحدة الذين ثبتت إصابتهم في الموجة الأولى، كان من المرجح أن يموت الأفراد الذين تزيد أعمارهم على 80 عاما أكثر 70 مرة من الذين تقل أعمارهم عن 40 عاما – الفقر عامل مهم. معدلات الوفيات جراء كوفيد - 19 في المناطق الأكثر فقرا في المملكة المتحدة أكثر من ضعف تلك على الأقل فقرا، وفقا لهيئة الخدمات الوطنية الصحية وهيئة الصحة العامة.
تشمل الأسباب المحتملة السكن الضيق، الذي يجعل العزل والحجر الصحي صعبا، زيادة التعرض للمهن التي تتطلب مواجهة الجمهور، مثل الرعاية الصحية والاجتماعية والتوصيل والبيع بالتجزئة، الاعتماد على النقل العام، وبطبيعة الحال سوء الحالة الصحية الموجودة مسبقا.
قارن ذلك بتجربة العاملين الأكثر ثراء الذين يعملون عن بعد على أجهزة الكمبيوتر المحمولة في منازل مريحة حتى ينجلي الوباء أو التحول إلى السيارات الخاصة للتنقل. لقد فصلتنا هذه الأزمة بشكل كبير إلى فقراء مكشوفين وأغنياء محميين. كوفيد - 19 يوسع ولا يسد الفجوات الصحية.
هذا يقلق هيلث فاونديشن، وهي مؤسسة خيرية بريطانية، لاحظت هذا الأسبوع أن أفقر السلطات المحلية عانت ضائقة مالية أشد إلى جانب ارتفاع معدلات الوفيات. تلك الضربة العنيفة، المزدوجة، للثروة والرفاهية أصابت بشكل خاص مجتمعات السود والآسيويين والأقليات العرقية. أطلقت المؤسسة الخيرية تحقيقا حول التباينات الصحية لكوفيد - 19، حسبما أوصى السير مايكل، سينشر التقرير خلال الصيف المقبل.
إحدى الشخصيات البارزة التي وافقت على حجة الوباء التآزري هي ميريل سينجر، عالمة الأنثروبولوجيا الطبية في جامعة كونيتيكت، التي صاغت الكلمة في التسعينيات وتعتقد أنها تجسد القوى الاجتماعية التي لها دور. "هذا يعني أنه يتعين علينا ألا ننظر فقط في القضايا البيولوجية، ولكن القوى الهيكلية الاجتماعية التي تدفع التفاعل مع المرض، وضعف السكان وعدم المساواة في الحصول على الرعاية الصحية، بما في ذلك، بعد حصولنا على لقاحات كوفيد - 19".
هناك الكثير من النقاشات حول إعادة ضبط الاقتصاد بعد الجائحة. دفع أجور أكثر إنصافا للعاملين الرئيسين من شأنه أن يساعد على معالجة المساوئ الصحية التي تنجم عن الفقر. لكن البروفيسورة سينجر تحذر من أنه ستكون هناك عقبة مألوفة تعترض طريق المساواة: "مصلحة راسخة في فوائد الوضع الراهن للأقلية الثرية".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES