«أنت عينت الغوري» المنان
هناك بعض الصفات التي تجعل صاحبها امرأ ممقوتا مكروها، ومن أبشع تلك الصفات صفة "المن"، وقد ورد النهي عنها في الكتاب والسنة، وتستقبحها النفوس الطاهرة الزكية. يقول الحق سبحانه: "يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى.." ويقول سبحانه: "قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى"، وفي الحديث الصحيح أن المنان من الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم. إن الكرامة صفة إنسانية مشتركة بين جميع أطياف البشر على اختلاف أعراقهم وأديانهم وثقافاتهم. وليس المن في المال فقط، بل يشمل أي معروف يسديه شخص لآخر، ثم يمن به عليه. وأذكر في هذا السياق قصة حدثت مع أحد الأقارب ومنها جاء عنوان هذا المقال، وهي أن صاحبنا كان في نزهة خارج القرية، ومر بالقرب من صاحب أغنام؛ فدعاه وعمل له "غوري حليب"، أي إبريقا من الحليب، ثم إنه بعد أقل من أسبوع، وإذ بالرجل صاحب الغنم يطرق باب صاحبنا في القرية؛ فأكرم وفادته إلا أنه فوجئ بقول الرجل، "أنت عينت الغوري؟" أي ألا تذكر الحليب الذي قدمته لك حين مررت علي! وتكررت الزيارة والمقولة ثلاث مرات خلال شهر واحد، ما حدا بصاحبنا أن ينهر ذلك الشخص طالبا ألا يراه مرة أخرى. وفي الأدب العربي كثير من الأشعار التي تنتقد هذه الخصلة الذميمة:
أفسدت بالمن ما أسديت من حسن
ليس الكريم إذا أسدى بمنان
ويقول آخر:
لنقل الصخر من قمم الجبال
أحب إلي من منن الرجال
إن خصلة المن تعد إذلالا للناس، وكسرا لقلوبهم، واستعبادا لحرياتهم:
لا تحملن لمن يمن
من الأنام عليك منة
منن الرجال على القلوب
أشد من وقع الأسنة
هذا إذا كان بين أناس من مشارب مختلفة لا تربطهم علاقة قرابة أو محبة، فكيف إذا كان بين الزوجين مثلا؛ فهذا من أسوأ أنواع المنة، فتجد الزوج مثلا إذا غضب يظهر مَنُّه على زوجته فيما قدمه لها، علما أن ما قدمه واجب لا منة له فيه والعكس صحيح. إذن، الحذر كل الحذر من أن يكون الإنسان منانا، حتى لا يغضب ربه، وحتى لا يكون مكروها بين الناس.