المداراة والمداهنة

هناك بعض المصطلحات لا يفرق بينها في بعض الأحيان بسبب عدم وضوح الفروق بينها والتباس ذلك على كثير من الناس، حيث تختلط هذه المفاهيم لديهم. ومن هنا اهتم بها العرب في مؤلفاتهم فألف الكرابيسي كتابا أسماه "الفروق" وبوب البحار في كتابه "الأدب" بابا كاملا أسماه باب المداراة مع الناس. كما عقد ابن القيم فصولا كثيرة في آخر كتابه الشهير "الروح" وضح فيها الفروق بين كثير من المتشابهات. ومن هنا فإن عدم تحديد المفاهيم والمصطلحات يعد مشكلة رئيسة لها أهميتها وخطورتها في ثقافة أي أمة من الأمم، إذ إن المصطلحات عبارة عن مفاتيح لأبواب المجالات المختلفة كالفن أو العلم، ولذا فإنه من نتائج عدم ضبط المصطلحات ما سنشير إليه في هذا المقال، وهو ما يقع عند كثير من الناس من خلط بين المداراة والمداهنة، فكم من شخص يداري اتهمه الناس بأنه مخادع أو منافق، وكم من مداهن متملق وصفه الناس بالحكمة وبعد النظر! ولعل السبب الرئيس في مثل هذا الخلط هو ما يشمل كلا الصفتين من التلطف والرفق، فلو نظرنا إلى المداراة لوجدناها صفة مدح على خلاف المداهنة التي تعد صفة ذم، والفرق بينهما أن المداري يتلطف بصاحبه حتى يستخرج منه الحق أو يرده عن الباطل، على حين أن المداهنة أن يتلطف به ليقره على باطله ويتركه على هواه، فالمداراة إذا لأهل الإيمان والمداهنة لأهل النفاق وشتان ما بينهما. وقد ورد في محكم التنزيل "فلا تطع المكذبين ودوا لو تدهن فيدهنون"، على حين ورد قوله سبحانه "ويدرأون بالحسنة السيئة"، كما ورد في الحديث "مداراة الناس صدقة". والمداراة لها فوائد كثيرة في علاج عديد من الأمور سواء على مستوى الأسرة أو الأقارب أو الأصدقاء أو زملاء العمل، فهي صفة أخلاقية حميدة. ولذا تجد الناس يحبون ويقدرون المداري لظروفهم والمتفهم احتياجاتهم على خلاف المداهن الذي يجامل الآخرين مجاملة بغيضة، وهو يرى منهم أو يسمع منهم ما لا يسعه السكوت عنه أو الرضا به، ولذا فإنه من الأهمية بمكان تحديد بعض المصطلحات التي ترد على ألسنة الناس حتى لا تلتبس الأمور، فالمداراة والمداهنة ضدان لا يجتمعان. ومن لا يصانع في أمور كثيرة
يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي