الإحصاءات والأكاذيب والفيروس .. دروس مستفادة من الجائحة
هل سيكون هذا العام عام 1954 مرة أخرى؟ سامحوني، أصبحت مهووسا بعام 1954، ليس لأنه يقدم مثالا آخر على وباء (كان ذلك في عام 1957) أو كارثة اقتصادية (كان هناك ركود طفيف في الولايات المتحدة في عام 1953)، لكن لأسباب أخرى.
شهد عام 1954 ظهور رؤيتين متناقضتين لعالم الإحصاءات. رؤيتان عملتا على تشكيل سياستنا ووسائل إعلامنا وصحتنا. هذا العام يواجهنا بخيار مماثل.
تم تقديم الرؤية الأولى في كتاب "كيف تكذب باستخدام الإحصائيات؟" How to Lie with Statistics، من تأليف صحافي أمريكي يدعى داريل هوف. ولأنه كتاب مفعم بالحيوية وذكي وفكه، فهو معجزة صغيرة في التواصل العددي.
تلقى الكتاب مراجعات حماسية في ذلك الوقت، وأشاد به كثير من الإحصائيين على مر السنين، ويقال إنه الكتاب الأكثر مبيعا حول هذا الموضوع على الإطلاق. وهو أيضا تمرين على الازدراء: إذا قرأته، قد لا ترغب بتصديق ادعاء قائم على الأرقام مرة أخرى مطلقا.
هناك أسباب وجيهة للارتياب اليوم. ديفيد سبيجيلهالتر، مؤلف كتاب نشر العام الماضي، يأسف على بعض الرسوم البيانية للحكومة البريطانية الخاصة بفيروس كورونا وأهداف الاختبار لكونها "مسرحا للأرقام"، مع نشر "مروع، مخيف" للأرقام كأداء سياسي.
يقول سبيجيلهالتر، "هناك ضرر كبير يلحق بنزاهة صدقية الإحصاءات عندما تكون تحت سيطرة المتحدثين الرسميين". وهو على حق. لكن نحن المهووسين المختصين يجب أن نكون حذرين - لأن الضرر قد يأتي من جانبنا، أيضا.
بالنسبة لهوف وأتباعه، سبب تعلم الإحصاء هو كشف الكاذبين. تلك العقلية المتشككة أخذت هوف إلى مكان غير سار للغاية، كما سنرى. بمجرد أن تحل السخرية في الأذهان، يصبح من الصعب تخيل أن الإحصاءات يمكن أن تخدم غرضا مفيدا.
لكن يمكنها ذلك - وفي عام 1954، المنظور البديل تجسد في نشر بحث أكاديمي ألفه عالما الأوبئة البريطانيان، ريتشارد دول وأوستن برادفورد هيل. جمعا بعض الأدلة المقنعة الأولى التي تفيد بأن تدخين السجائر يزيد بشكل كبير من خطر الإصابة بسرطان الرئة.
البيانات التي جمعاها أقنعت كلا الرجلين بالإقلاع عن التدخين وساعدت في إنقاذ عشرات الملايين من الأرواح من خلال حث الآخرين على فعل الشيء نفسه. هذا لم يكن خداعا إحصائيا، بل كان مساهمة في الصحة العامة يكاد يكون من المستحيل المبالغة فيها.
آمل أنه يمكنك تقدير هوسي بهاتين الروايتين المتناقضتين للإحصاءات: واحدة كخدعة، وأخرى كأداة. نهج دول وهيل المتقن إلى حد كبير ينير العالم وينقذ الأرواح.
بديل هوف يبدو ذكيا لكنه المسار السهل: الكتاب مؤذ ويسبب الإدمان والمشاعر السيئة. الارتياب له دوره، لكنه يتحول بسهولة إلى السخرية ويمكن تحويله إلى سلاح أكثر حتى خطورة من ذلك.
وجهتا النظر العالميتان سرعان ما بدأتا تصطدمان. كتاب هوف "كيف تكذب باستخدام الإحصائيات" بدا أنه التوضيح المثالي للسبب الذي ينبغي أن يجعل الأشخاص العاديين الصادقين لا يهتمون كثيرا بالخبراء الماكرين المراوغين وبياناتهم المشكوك فيها.
سرعان ما أمسكت صناعة التبغ بمثل هذه الأفكار، مع استراتيجيتها اللامعة بشكل مظلم، المتمثلة في تصنيع الشك في مواجهة الأدلة مثل تلك التي قدمها دول وهيل.
كما وصف في كتب مثل "تجار الشك" Merchants of Doubt من تأليف إريك كونواي وناومي أوريسكس، أتقنت هذه الصناعة تكتيكات نشر عدم اليقين من خلال الدعوة إلى مزيد من الأبحاث، والتأكيد على الشك، والحاجة إلى تجنب الخطوات الجذرية، وتسليط الضوء على الخلافات بين الخبراء، وتمويل خطوط البحث البديلة. تم نشر التكتيكات نفسها، وأحيانا حتى الأفراد أنفسهم، في وقت لاحق للتشكيك في علم المناخ.
هذه التكتيكات قوية جزئيا لأنها تردد أصداء المثل العليا للعلم. إنها خطوة قصيرة من شعار الجمعية الملكية؛ "لا تعتمد على كلام أي أحد" nullius in verba، إلى العدمية المدمرة المتمثلة في "لا أحد يعرف أي شيء".
بالتالي هل سيكون عام 2020 هو عام 1954 آخر؟ من وجهة نظر علم الإحصاء، يبدو أننا نقف عند مفترق طرق آخر. المعلومات المضللة لا تزال موجودة، إذ تم تشويش فهم الجمهور لكوفيد - 19 من قبل مؤيدي نظريات المؤامرة والمتصيدين والمتحدثين الرسمين باسم الحكومات.
إلا أن المعلومات موجودة أيضا. قيمة جمع البيانات وتحليلها بدقة نادرا ما كانت أكثر وضوحا. في مواجهة لغز كامل في بداية العام، كان الإحصائيون والعلماء وعلماء الأوبئة يجترحون المعجزات. آمل أن نختار الطريق الصحيح عند المفترق، لأن الوباء لديه دروس يعلمنا إياها عن الإحصاءات - والعكس صحيح - إذا كنا على استعداد للتعلم.
الأرقام مهمة
يقول سبيجيلهالتر، "أحد الدروس التي أقنعني بها هذا الوباء هو الأهمية التي لا تصدق للإحصاءات". دون معلومات إحصائية، ليس لدينا أمل في فهم ماذا تعني مواجهة فيروس جديد غامض غير مرئي سريع الانتشار.
فيما مضى، كان من الممكن أن نحمل باقات الزهور العطرة عند أنوفنا وندعو الله لكي ننجو. الآن، بينما نأمل بتحقيق إنجازات في مجال العلوم الطبية، يمكننا أيضا تقييم المخاطر بهدوء.
بدون بيانات جيدة، مثلا، لن تكون لدينا أي فكرة أن هذه العدوى ستكون أكثر فتكا بمقدار عشرة آلاف مرة بالنسبة لشخص يبلغ من العمر 90 عاما مما هي لطفل يبلغ من العمر تسعة أعوام - على الرغم من أننا من المحتمل أن نقرأ عن وفيات الشباب أكثر من كبار السن، ببساطة لأن تلك الوفيات تثير الاستغراب. يتطلب الأمر وجهة نظر إحصائية لتوضيح من المعرض للخطر ومن ليس كذلك.
الإحصاءات الجيدة، أيضا، يمكن أن تخبرنا عن مدى انتشار الفيروس - وتحديد النقاط الساخنة من أجل اتخاذ مزيد من النشاط. صحيح أن هوف نظر إلى الإحصاءات باعتبارها قوة موجهة لفنون الإقناع المظلمة، لكن عندما يتعلق الأمر بفهم وباء معين، فإنها واحدة من الأدوات القليلة التي نملكها.
الأرقام ليست أمرا مفروغا منه
لكن في حين يمكننا استخدام الإحصاءات لحساب المخاطر وتسليط الضوء على المخاطر، من السهل فوق الحد أيضا عدم طرح السؤال: "من أين تأتي هذه الأرقام؟". بذلك، لا أعني الطلب المعتاد الآن للاستشهاد بالمصادر، بل أعني الأصل الأعمق للبيانات. على الرغم من كل أخطائه، إلا أن هوف لم يفشل في طرح السؤال.
يعيد سرد حكاية تحذيرية أصبحت تعرف باسم "قانون ستامب"، على اسم الاقتصادي جوزيا ستامب - الذي حذر من أنه بغض النظر عن مدى استمتاع الحكومة بجمع الإحصاءات "ورفعها إلى القوة التاسعة، وأخذ الجذر التكعيبي وإعداد مخططات رائعة"، كان من السهل جدا نسيان أن الأرقام الأساسية دائما ما تأتي من مسؤول محلي، "لا يزيد على أن يضع الأرقام التي تعجبه".
السخرية ملموسة، لكن توجد فطنة هنا أيضا. لا يتم ببساطة تنزيل الإحصاءات من قاعدة بيانات على الإنترنت أو نسخها ولصقها من تقرير علمي. في النهاية، هي تأتي من مكان ما: قام شخص ما بحساب أو قياس شيء ما، من الناحية المثالية بشكل منهجي وبعناية. هذه الجهود في الحساب والقياس المنهجيين تتطلب المال والخبرة - لا يجب اعتبارها أمرا مفروغا منه.
في كتابي الجديد، "كيف تجعل العالم يبدو معقولا" How to Make the World Add Up، أدخل فكرة "حجر الأساس الإحصائي" - مصادر بيانات مثل التعداد السكاني وحسابات الدخل القومي التي هي نتاج جمع وتحليل البيانات الذي يحتاج إلى جهود مضنية، في الأغلب من قبل إحصائيين رسميين لا يحصلون على شكر يذكر على آلامهم ويكونون في كثير من الأحيان هدفا للتهديدات أو تشويه السمعة أو الاضطهاد.
في الأرجنتين، مثلا، تلقت خبيرة الإحصاء التي خدمت لفترة طويلة، جراسيلا بيفاكوا، أمرا بـ"تقليص" أرقام التضخم. تم تنزيل رتبتها في عام 2007 بسبب إنتاج رقم كان مرتفعا فوق الحد. تم تغريمها في وقت لاحق 250 ألف دولار بسبب "الدعاية الكاذبة" - جريمتها هي أنها ساعدت في إنتاج تقدير مستقل للتضخم.
في عام 2011، تم تعيين أندرياس جورجيو لرئاسة وكالة الإحصاء اليونانية في الوقت الذي كان ينظر إليها بأنها جديرة بالثقة بقدر خيول طروادة المخادعة في البلاد. عندما بدأ في إنتاج تقديرات للعجز في اليونان وجدها المراقبون الدوليون أخيرا ذات صدقية، حوكم على "جرائمه" وتم تهديده بالسجن مدى الحياة. الإحصائيون الصادقون أكثر شجاعة - وأكثر قيمة - مما نعرف.
في المملكة المتحدة، نحن في العادة لا نهدد الإحصائيين لدينا - لكننا نستخف بهم. يقول سبيجيلهالتر، مشيرا إلى أرقام الوفيات الأسبوعية، مثلا: "يقوم مكتب الإحصاء الوطني بعمل قيم للغاية لم ينتبه إليه أحد قط من قبل بصراحة. الآن نقدر ذلك بعمق".
صحيح تماما. حجر الأساس الإحصائي هذا ضروري، وعندما يكون مفقودا، نجد أنفسنا نغرق في مستنقع من الارتباك والحيرة.
أسس فهمنا الإحصائي للعالم في الأغلب ما تجمع في الاستجابة لأزمة. مثلا، في هذه الأيام نعتبر وجود شيء مثل "معدل البطالة" أمرا مفروغا منه، لكن قبل 100 عام لم يكن بإمكان أي أحد أن يخبرك بعدد الأشخاص الذين يبحثون عن عمل. فترات الركود الشديدة جعلت المسألة ذات صلة من الناحية السياسية، لذلك بدأت الحكومات بجمع البيانات.
في الآونة الأخيرة، ضربتنا الأزمة المالية. اكتشفنا أن بياناتنا عن النظام المصرفي كانت متقطعة وبطيئة، واتخذ المنظمون إجراءات لتحسينه.
كذلك هو الحال مع فيروس سارس-كوف-2. في البداية، لم يكن لدينا سوى عدد قليل من نقاط البيانات من ووهان، التي أظهرت معدل وفيات مرتفع بشكل يثير القلق بلغ 15 في المائة - ست وفيات بين كل 41 حالة. بسرعة، بدأ علماء الأوبئة بفرز البيانات، في محاولة لتحديد مدى المبالغة في معدل الوفيات من حقيقة أن الحالات المؤكدة كانت في الغالب لأشخاص في العناية المركزة. غرابة الظروف - مثل سفينة الرحلات السياحية دايموند برينسس، حيث تم فحص الجميع تقريبا - وفرت مزيدا من النظرة المتعمقة.
أطلقت جامعة جونز هوبكنز في الولايات المتحدة لوحة معلومات لمصادر البيانات، كما فعل "مشروع تتبع كوفيد"، وهو مبادرة من مجلة "أتلانتيك". كان لدينا تهديدا مراوغا وغامضا، لكنه أصبح واضحا من خلال قوة هذه البيانات.
هذا لا يعني أن كل شيء على ما يرام. نشرت مجلة "نيتشر" أخيرا تقريرا عن "أزمة بيانات فيروس كورونا" في الولايات المتحدة، حيث "التدخل السياسي والفوضى وأعوام من إهمال إدارة بيانات الصحة العامة يعني أن البلاد أصبحت لا تعرف طريقها".
الولايات المتحدة ليست وحدها. توقفت إسبانيا ببساطة عن الإبلاغ عن وفيات معينة من كوفيد في أوائل حزيران (يونيو)، ما يجعل أرقامها غير صالحة للاستخدام. وفي حين أن المملكة المتحدة تتمتع الآن بقدرة كبيرة بشكل مثير للإعجاب على فحص الفيروس، إلا أنها كانت بطيئة للغاية في تسريع هذا الأمر في الأسابيع الأولى الحاسمة من الوباء.
كان الوزراء يخدعون الجمهور مرارا وتكرارا بشأن عدد الفحوص التي يتم إجراؤها باستخدام تعريفات مضللة لما كان يحدث. لأسابيع خلال الإغلاق، لم تتمكن الحكومة من تحديد عدد الأشخاص الذين كان يتم فحصهم كل يوم.
تم إجراء تحسينات ضخمة منذ ذلك الحين. مكتب الإحصاء القومي في المملكة المتحدة كان مرنا بشكل مذهل خلال الأزمة، مثلا، في تنظيم فحص أسبوعي منتظم لعينة تمثيلية من السكان. هذا يسمح لنا بتقدير الانتشار الحقيقي للفيروس. كثير من البلدان، ولا سيما في شرق آسيا، توفر بيانات يمكن الوصول إليها واستخدامها حول الإصابات الحديثة للسماح للناس بتجنب النقاط الساخنة.
هذه الأشياء لا تحدث مصادفة: فهي تتطلب منا الاستثمار في البنية التحتية لجمع وتحليل البيانات. بناء على الدليل المستفاد من هذا الوباء، فقد تأخر موعد مثل هذا الاستثمار الذي كان يجب أن يتم منذ فترة طويلة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكثير من الأماكن الأخرى.
يرون ما يتوقعون رؤيته
يوناس أولوفسون، عالم النفس الذي يدرس تصوراتنا لحاسة الشم، أخبرني ذات مرة عن تجربة كلاسيكية في هذا المجال. قام باحثون بإعطاء أشخاص نفحة من رائحة وطلبوا منهم ردود أفعالهم عليها. في بعض الحالات، تم إخبار المشاركين في التجربة: "هذه رائحة جبن فاخر". وقيل لآخرين: "هذه رائحة إبطين".
في الحقيقة، كانت الرائحة في الحالتين لجزيء عطري موجود في الجبن السائل وفي "شقوق" الجسم. لكن ردود أفعال البهجة أو الاشمئزاز تشكلت بشكل كبير مما توقعه الأشخاص.
نحن نأمل أنه ينبغي للإحصاءات توفير وجهة نظر موضوعية للعالم أكثر من رائحة غامضة. لكن في حين أن البيانات القوية توفر لنا رؤى لا يمكننا اكتسابها بأي طريقة أخرى، إلا أن الأرقام لا تتحدث عن نفسها. فهي تتشكل أيضا من عواطفنا وسياساتنا، وربما قبل كل شيء، من تصوراتنا المسبقة.
خير مثال على ذلك هو القرار الصادر في 23 آذار (مارس) من هذا العام، القاضي بفرض إغلاق في المملكة المتحدة. حين ننظر إلى الأمر الآن، نجد أن ذلك كان متأخرا أكثر مما يجب.
يقول كيت ييتس، مؤلف كتاب "رياضيات الحياة والموت" The Maths of Life and Death، "الإغلاق قبل ذلك بأسبوع كان سينقذ آلاف الأرواح" - وهي وجهة نظر يشاركه فيها الآن عالم الأوبئة المؤثر نيل فيرجسون وديفيد كينج، رئيس مجموعة العلماء Independent Sage.
المنطق مباشر بما فيه الكفاية: في ذلك الوقت، كانت الحالات تتضاعف كل ثلاثة إلى أربعة أيام. لو كان الإغلاق قد أوقف تلك العملية فورا قبل ذلك بأسبوع، كان ذلك سيمنع حالتين من المضاعفات وينقذ ثلاثة أرباع الأشخاص البالغ عددهم 65 ألفا الذين توفوا في الموجة الأولى من الوباء، كما تم قياسه من عدد القتلى الزائد.
قد يكون ذلك مبالغة في تقدير التأثير، لأن الأشخاص كانوا بالفعل يتراجعون طواعية عن التفاعلات الاجتماعية. مع ذلك، لا يوجد شك في أنه إذا كان الإغلاق سيحدث على الإطلاق، فإن إغلاقا مبكرا سيكون أكثر فاعلية. يقول ييتس بما أن معدل الإصابة استغرق أياما فقط ليتضاعف قبل الإغلاق، لكنه احتاج إلى أسابيع طويلة لينخفض إلى النصف بعد أن بدأ "كنا سنخرج من الإغلاق في وقت أبكر بكثير (...) كل أسبوع قبل الإغلاق كلفنا خمسة إلى ثمانية أسابيع من موعد نهاية الإغلاق".
إذن، لماذا تأخر الإغلاق؟ لا شك أن هناك أبعادا سياسية لهذا القرار، لكن بدا أن كبار المستشارين العلميين للحكومة يعتقدون أن المملكة المتحدة كان لا يزال لديها كثير من الوقت. في 12 آذار (مارس)، كان رئيس الوزراء بوريس جونسون محاطا بكريس ويتي، كبير المستشارين الطبيين في الحكومة، وباتريك فالانس، كبير المستشارين العلميين، في أول مؤتمر صحافي كبير منظم بعناية. كانت إيطاليا قد شهدت للتو وفاتها الألف بسبب كوفيد وأشار فالانس إلى أن المملكة المتحدة كانت متأخرة نحو أربعة أسابيع عن إيطاليا في منحنى الوباء.
الآن ونحن ننظر إلى الأمر بعد وقوعه، كان هذا خطأ: الآن بعد تسجيل الوفيات المتأخرة، نعرف أن المملكة المتحدة مرت بالحدث نفسه في يوم الإغلاق، 23 آذار (مارس)، بعد 11 يوما فقط.
يبدو أنه في أوائل آذار (مارس)، لم تدرك الحكومة مقدار الوقت الضئيل المتاح أمامها. في وقت متأخر هو 16 آذار (مارس)، أعلن جونسون أن الإصابات كانت تتضاعف كل خمسة إلى ستة أيام.
يقول ييتس إن المشكلة هي أن بيانات المملكة المتحدة عن الحالات والوفيات كانت تشير إلى أن الأشياء تتحرك بشكل أسرع من ذلك بكثير، تتضاعف كل ثلاثة أو أربعة أيام - هذا فرق هائل. من غير الواضح أين حدث الخلل بالضبط - لكن أراهن أنه كان مشكلة شبيهة برائحة الجبنة أو الإبطين.
أنتج بعض علماء الأوبئة المؤثرين نماذج متطورة تشير إلى أن وقت المضاعفة من خمسة إلى ستة أيام بدا أفضل تقدير، استنادا إلى بيانات من الأسابيع الأولى للوباء في الصين. بدت هذه النماذج مقنعة للمستشارين العلميين في الحكومة، كما يقول ييتس: "إن كان هناك رأي بشأن مدى إتقانهم، فقد قاموا بعمل جيد فوق الحد".
يجادل ييتس أن النماذج الوبائية التي أثرت في تفكير الحكومة بشأن أوقات المضاعفة كانت مفصلة ومقنعة بما فيه الكفاية لدرجة أنه عندما تناقضت مع بيانات المملكة المتحدة المبكرة الغامضة وغير المنتظمة، كان من الصعب إعادة التكيف. جميعنا نرى ما نتوقع رؤيته.
في هذه الحالة، كانت النتيجة تأخيرا في فرض الإغلاق: أدى ذلك إلى إغلاق أطول بكثير، وعدة آلاف من الوفيات كان من الممكن تجنبها وأضرار إضافية لا داعي لها لسبل عيش الناس. البيانات لا تقدر بثمن، لكن ما لم نتمكن من التغلب على عوامل التصفية المعرفية الخاصة بنا، فإن البيانات ليست كافية.