FINANCIAL TIMES

مستقبل الأطعمة المعدلة وراثيا في الميزان

مستقبل الأطعمة المعدلة وراثيا في الميزان

التعديل الجيني يعد بتغيير طبيعة الإنتاج الزراعي وجعل المحاصيل مقاومة للأمراض.

التعديل الوراثي هو أكبر تقدم تقني في مجال العلوم الحيوية منذ اكتشاف تكنولوجيا "الحمض النووي معاد التركيب" - وهو خلط المواد الوراثية بشكل مصطنع - في 1973. أطلق ذلك عصر الهندسة الوراثية وأدى إلى الإنتاج التجاري للمحاصيل المعدلة وراثيا في التسعينيات. الآن التعديل الوراثي يمنح الباحثين للمرة الأولى طريقة سريعة وموثوقة لإجراء تغييرات دقيقة في جينات معينة. لكن استخدامه في الزراعة غير مؤكد بعد أن عده حكم أوروبي العام الماضي مماثلا للأنواع المعدلة وراثيا الخاضعة لضوابط صارمة.
ركزت الدعاية حول التعديل الجيني - أو الجينوم - على التطبيقات البشرية، خاصة الجدل حول الأطفال المعدلين وراثيا المولودين في الصين. إلا أنه يعد أيضا بتغيير طبيعة الإنتاج الزراعي، مثلا من خلال تعديل المحاصيل وراثيا لجعلها مقاومة للأمراض أو تطوير أنواع من الماشية أسرع نموا. مدى ذلك التحول سيعتمد على الاختلافات في الضوابط التنظيمية في مختلف أنحاء العالم.
يأمل أنصار التعديل الوراثي أن يتجنب الانتقاد والتدقيق التنظيمي الذي أبطأ إدخال المحاصيل المعدلة وراثيا، لأنه عادة ما يغير الجينات الموجودة بدلا من إضافة حمض نووي غريب إلى النبات. في الولايات المتحدة وكندا، الاستجابة الأولية للسلطات هي أن المحاصيل المعدلة وراثيا لن تندرج تحت اللوائح المنظمة للكائنات المعدلة وراثيا GMOs لكن الاتحاد الأوروبي يتخذ وجهة نظر مختلفة.
ابتكر العلماء عددا من أدوات التعديل الوراثي لكن الأكثر شيوعا وتنوعا هي Crispr (الأحرف الأولى من عبارة باللغة الإنجليزية تعني "التكرار القصير المتناوب المجمع والمتباعد بانتظام")، التي دخلت مختبرات العالم قبل ستة أعوام.
هذه الطريقة تستغل الآلية الجزيئية التي طورتها البكتيريا لمحاربة العدوى الفيروسية. هناك قسمان. الأول، آلية Crispr نفسها، وهي جزيء يمكن توجيهه إلى أي امتداد من الحمض النووي. الجزء الثاني هو إنزيم يسمى Cas9 يقطع الجين في الموقع المستهدف. بعد ذلك بإمكان الباحثين إزالة الحمض النووي غير المرغوب فيه، أو إخراج الجين لإيقافه عن العمل، أو تعديله لتغيير وظيفته، أو تنظيم النشاط الجيني.
الأمر الذي من الصعب تحقيقه من خلال التعديل الوراثي - والأقل شيوعا حتى الآن - هو الإضافة الموثوقة لجينات جديدة تماما من أنواع حية أخرى، كما في المحاصيل المعدلة وراثيا. مثلا، بول ساوث، من جامعة إلينوي في الولايات المتحدة، يقود فريقا يعمل على تعزيز كفاءة التمثيل الضوئي للنباتات وزيادة غلة المحاصيل، يقول إن مشروعه في "البيولوجيا التركيبية" يتطلب إعادة ترتيب واسعة للحمض النووي لا يمكن تحقيقها عن طريق تقنية Crispr فقط.
لكن يحرز الباحثون تقدما في ما يدعوه البروفيسور جوناثان جونز، من مختبر سينزبري في نورويتش في المملكة المتحدة "التكاثر غير المباشر" من خلال تقنية Crispr - إدخال جين جديد في موقع مفتوح في الحمض النووي للكائن الحي.
التمييز بين التعديل الوراثي والأنواع المعدلة وراثيا قد يكون أمرا حاسما بالنسبة للطريقة التي يتعامل بها المنظمون مع المحاصيل المنتجة باستخدام التكنولوجيتين. يجادل علماء الأحياء النباتية مثل البروفيسور جونز أن إنشاء أنواع جديدة من خلال التعديل الوراثي هو أقرب إلى كونه عمليات غير جينية. (هذه قد تشمل الطفرات التقليدية التي تستخدم فيها المواد الكيميائية لتغيير الحمض النووي للكائن الحي من دون إدخال جينات جديدة). بالتالي، يقول العلماء لا ينبغي أن تمر النباتات عبر عديد من الصعوبات التنظيمية بقدر الأنواع الجديدة المعدلة وراثيا.
هذه المسألة مهمة بشكل خاص في أوروبا، التي تتخلف كثيرا عن أمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية في ترخيص المحاصيل المعدلة وراثيا، ويرجع ذلك في الأساس إلى المقاومة الأقوى من المستهلكين والسياسيين. المعارضون يعترضون على التأثير المحتمل للمحاصيل المعدلة وراثيا في البيئة، من خلال تغيير التوازن البيئي الذي يحافظ على الحياة البرية، وعلى صحة الإنسان. المحصولان الوحيدان المعدلان وراثيا اللذان نجحا في الحصول على الموافقات من أجل الزراعة التجارية في الاتحاد الأوروبي هما الذرة المقاومة للحشرات التي طورتها شركة مونسانتو، التي تمت الموافقة عليها 1998، والبطاطس ذات الصفات النشوية المعدلة التي طورتها BASF، وتمت الموافقة عليها في 2010.
في تموز (يوليو) الماضي تحطمت آمال العلماء في أن يتخذ الاتحاد الأوروبي موقفا أكثر ليبرالية تجاه التعديل الوراثي عندما حكمت محكمة العدل الأوروبية أن المحاصيل المعدلة وراثيا ينبغي أن تخضع للضوابط الصارمة نفسها مثل الكائنات المعدلة وراثيا.
يقول سفيان كمون، وهو عالم بارز آخر في مختبر سينزبري: "هذا الحكم أغلق الباب أمام كثير من التعديلات الوراثية المفيدة مثل زراعة نباتات مقاومة للأمراض تتطلب مبيدات حشرية أقل بكثير. إنه يوم حزين لعلوم النباتات الأوروبية".
يتفق ليام كوندون، رئيس علوم المحاصيل في مجموعة باير، قائلا: "معظم أوروبا فقدت فوائد الكائنات المعدلة وراثيا. نحن في خطر الخسارة مرة أخرى في أوروبا فيما يتعلق بالتعديل الوراثي، على الرغم من دعمه من تحالف أكبر بكثير مما كان للمحاصيل المعدلة وراثيا".
لكن يقول بعض الخبراء القانونيين والتنظيميين إن حكم محكمة العدل الأوروبية قد لا يكون بعيد المدى كما يخشى علماء النباتات. يقول بيت فان دير مير، الذي شارك عن كثب في تطوير لوائح الاتحاد الأوروبي حول الكائنات المعدلة وراثيا: "إذا تم تفسير حكم محكمة العدل الأوروبية بأنه يعني أن جميع الكائنات المعدلة وراثيا هي بحكم التعريف كائنات معدلة وراثيا، عندها قد يؤدي هذا - بصرف النظر عن التأثير في الابتكار - إلى ضوابط غير قابلة للتنفيذ. مع ذلك، أعتقد أن حكم محكمة العدل الأوروبية يتطلب مزيدا من التوضيح لفهم ما يعنيه فعلا".
يمكن أن يؤدي التعديل الوراثي إلى تسريع اعتماد تكنولوجيا الجينات في حيوانات المزارع. الحيوان الوحيد المعدل وراثيا، المرخص للأطعمة البشرية، هو سمك السلمون الأطلسي الذي أضيف إليه نوعان من الجينات من الأسماك الأخرى لجعله ينمو بشكل أكبر وأسرع. وهو معروض للبيع في كندا منذ 2017. قامت AquaBounty، الشركة وراء السلمون المعدل وراثيا، الآن بتعديل أسماك البلطي جينيا لإنتاج أنواع مستزرعة أسرع نموا، ليست معروضة للبيع حتى الآن، على الرغم من أن الأرجنتين حكمت أنها معفاة من ضوابط المحاصيل المعدلة وراثيا.
في الوقت نفسه، معهد روزلين التابع لجامعة أدنبرة، وهو مختبر رائد في المملكة المتحدة في مجال التكنولوجيا الحيوية، يعمل على مشاريع التعديل الوراثي للدواجن. يتعاون المعهد مع ويندي باركلي، أستاذة علم الفيروسات في كلية إمبريال لندن، بهدف جعل الدجاج المقاوم للإنفلونزا بمنزلة عازل لانتشار إنفلونزا الطيور إلى البشر. تقول: "إذا تمكنا من منع انتقال الفيروسات من الطيور البرية إلى الدجاج، فسنوقف الوباء التالي من المصدر".
مشاريع أخرى في مجال التعديل الوراثي في معهد روزلين تشمل الدجاج الذي لا ينتج كتاكيت خاصة به، لاستخدامه بديلا لوضع البيض من سلالات نادرة، وأخرى تنتج البروتينات البشرية في بيضها لأغراض طبية. كما يعمل معهد روزلين أيضا مع Genus، شركة علم الوراثة الحيوانية في المملكة المتحدة، لإنتاج الخنازير المقاومة للفيروس الذي يسبب متلازمة الخنازير التناسلية والجهاز التنفسي (PRRS)، واحد من الأمراض الحيوانية الأكثر تكلفة. في أماكن أخرى، تقوم Recombinetics، الشركة الأمريكية للتعديل الوراثي، بتطوير ماشية "من دون قرون" ما قد ينهي ممارسة إزالة القرون من العجول.
يعمل الباحثون في عدد من المؤسسات على استخدام تقنية Crispr لتمكين تحديد جنس حيوانات المزارع، الأمر الذي قد يكون مفيدا بشكل خاص في قطاعي الألبان والدجاج حيث العجول والكتاكيت الذكور غير مرغوبة.
يقول بروس وايتلو، أستاذ التكنولوجيا الحيوية الحيوانية في معهد روزلين: "سيكون لهذا تأثير كبير في الصناعة إذا كان بإمكانك توليد ذرية من جنس واحد مع الحفاظ على الكفاءة الكلية للتكاثر، لكن لم ينجح أحد في ذلك حتى الآن".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES