البحث عن حياة على كوكب الزهرة.. قفزة في الظلام

البحث عن حياة على كوكب الزهرة.. قفزة في الظلام
تلسكوب جيمس كليرك ماكسويل في هاواي.

للمتسائلين عن الحياة على الكواكب، الزهرة ليس الجادة الخامسة. الكوكب الذي لا قمر له ولا تحيط به حلقات كوكبية ربما يعكس صورة الأرض من حيث الحجم والتكوين الصخري، لكن العيش هناك سيكون اغتيالا للحياة. السطح الذي تبلغ درجة حرارته 460 درجة مئوية ساخن بدرجة كافية لإذابة الرصاص، والضغط الجوي مرتفع بما يكفي لسحق الإنسان.
الجو الخانق من غاز ثاني أكسيد الكربون ينتشر مع السحب التي تمطر قطرات من حامض الكبريتيك. مع ذلك، هناك فرصة ضئيلة لأن تكون هناك حياة فوق هذا العالم المعادي، الذي يدور في الاتجاه المعاكس من معظم الكواكب الذي يفصل بين شروق الشمس عليه بين كل مرة وأخرى أكثر من عام.
أعلن العلماء الأسبوع الماضي أنهم اكتشفوا مادة الفوسفين في السحب على كوكب الزهرة. يتم إنتاج الغاز السام عديم اللون بشكل طبيعي على الأرض بكميات قليلة بواسطة النشاط البركاني والبرق، ولكن بشكل أكثر سخاء بواسطة بعض البكتيريا التي لا تحتاج إلى الأكسجين. هذا يعد "بصمة حيوية" محتملة، وهي السمة المميزة للحياة في عوالم أخرى. هذا الاكتشاف، الذي أثار حماسة وشكوكا، يذكرنا بأنه ليس لدينا سوى أكثر التقديرات سطحية لأعمق الأسئلة: كيف بدأت الحياة وهل نحن وحدنا في الكون؟
اكتشف فريق دولي بقيادة البروفيسورة جين جريفز، في جامعة كارديف، وجود مادة الفوسفين على ارتفاع نحو 60 كيلو مترا فوق سطح كوكب الزهرة. رصد مادة الفوسفين، الذي تم باستخدام تلسكوب جيمس كليرك ماكسويل في هاواي، تم تأكيدها باستخدام تلسكوب ثان في تشيلي ونشرت في دورية "نيتشر أسترونومي". ما يثير الاهتمام، أن اكتشاف الفوسفين تم بشكل منفصل على كوكبي المشتري وزحل، لكن تم إرجاع وجوده هناك إلى الضغط الشديد ودرجات الحرارة العالية وليس إلى عمليات حية.
فكرة أن الميكروبات الفضائية تتجول في سحب كوكب الزهرة هي في الوقت نفسه فكرة جذابة ومجنونة للغاية. تعترف كارولين كروفورد، عالمة الفلك في جامعة كامبريدج، قائلة: "لم أكن لأراهن على أن كوكب الزهرة الحالي هو أول مكان في النظام الشمسي يظهر بصمة بيولوجية محتملة للحياة. ما زلت أعتقد أن الصحراء الباردة والقاحلة للمريخ، أو المحيطات المغمورة لإنسيلادوس أو يوروبا هي أكثر الخيارات الواعدة". هذان القمران، لكوكبي زحل والمشتري، على التوالي، يمكن مقارنتهما ببيئات في الأرض معروفة بإيواء كائنات تحب العيش في ظروف بالغة القسوة.
إضافة إلى ذلك، الادعاءات الخارقة تتطلب أدلة خارقة. في حين أن هناك قلة يشككون في أن الفوسفين، الذي يتحلل في ضوء الشمس، معلق في الغلاف الجوي للزهرة، فإن السؤال هو: لماذا؟ يصر الباحثون، بعد أن استبعدوا البراكين وغيرها من المصادر، على أن أشكال الحياة الفضائية فقط هي التي يمكنها إنتاج ما يكفي من الفوسفين لمطابقة الملاحظات.
ديفيد روثري، أستاذ في علوم الكواكب في الجامعة المفتوحة، أكثر حذرا. يقول: "لا يمكن أن يفكر العلماء في طريقة للحصول على مستويات الفوسفين هذه دون أن تكون نتيجة ثانوية للحياة الميكروبية. هذا لا يعني أنه لا توجد طريقة أخرى، ولا يزال الطريق طويلا لإثبات وجود حياة على كوكب الزهرة". الحذر هو شعارنا: هناك إعلان 1996 عن احتواء نيزك على بكتيريا مريخية تبين أنه إنذار خاطئ.
على الرغم من ذلك، ربما كان كوكب الزهرة في يوم من الأيام مكانا مناسبا للحياة، مغطى بالمحيطات التي تبددت لاحقا بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري الجامحة. تبلغ درجة حرارة الطبقة السحابية، التي تم رصد الفوسفين فيها، نحو 30 درجة مئوية مع وجود ضغط محتمل. لذا، هذا الجزء المشابه للأرض من الغلاف الجوي لكوكب الزهرة يقدم سيناريو مغريا: كانت الحياة موجودة على كوكب الزهرة، تمت إبادتها في الغالب بسبب الحرارة الجامحة، وعلق الفوسفين في السحب رغم الصعاب. ستجري بعثة "بيبي كولومبو"، التي من المقرر أن تصل إلى عطارد في 2025، عمليتي تحليق حول كوكب الزهرة، في 15 تشرين الأول (أكتوبر) وفي آب (أغسطس) 2021. يضيف علماء البعثة، من ضمنهم البروفيسور روثري، الآن الكشف عن الفوسفين إلى قائمة مهامهم.
مع ذلك، مزيد من الاكتشافات لن يبدد الشك بحد ذاته. يمكن فقط للعينات المادية من السحب أن تؤكد بشكل قاطع وجود حياة على كوكب الزهرة، وما إذا كانت تشبه الحياة على الأرض.
قد تبرر ذلك نظرية "البانسبيرميا" التي تنص على أن زراعة الحياة على الأرض تمت بواسطة المذنبات أو الكويكبات أو الغبار الفضائي الذي يحمل أشكال الحياة من مكان آخر. ربما بدأت الحياة على كوكب الزهرة وامتدت إلى الأرض، أو العكس، أو أن كلا الكوكبين الصخريين قد تم زرعهما بالمادة نفسها.
أو، كما يقول ماثيو بوثويل، عالم الفلك في جامعة كامبريدج الذي درس تطور المجرات، ربما تكون الحياة قد بدأت مرتين بشكل مستقل: "بداية الحياة مرتين في النظام الشمسي نفسه يشير إلى وجود حياة في مكان آخر في الكون".
نظرا لأن الشمس هي نجم من بين 100 مليار نجم على الأقل في مجرتنا، ومجرتنا واحدة من مليارات المجرات في الكون، يجب أن تكون الحياة ظاهرة غير استثنائية وينبغي أن يكون الكون مزدحما. لهذا السبب نستمر في البحث عن إشارات لاسلكية غير طبيعية في السماء.
مع ذلك، ما يؤكده بوثويل هو أن من الخطأ افتراض أن هناك رفقاء كونيين أذكياء وأن الأفيال الفضائية لديها خراطيم. يقول: "قد لا يكون الذكاء بتلك الأهمية أو أنه مميز للحياة. في الواقع، قد يكون نهاية مسدودة للتطور. كلما زدنا ذكاء، زادت خطورة تكنولوجياتنا. شخص واحد يمكن أن يقضي على الحياة على الأرض".
يبدو هذا أكثر إثارة للتفكير من أي ميازما ميكروبية (هواء ملوث بالميكروبات) معلقة في سحب كوكب الزهرة - أحد أسباب عدم اكتشافنا أي حضارات فضائية فائقة الذكاء هو أنها لم تعد موجودة.

الأكثر قراءة