أكبر اقتصادين .. الأزمة تتعقد

يبدو واضحا أن الحكومة الصينية تمضي قدما في إجراءاتها الانتقامية ضد توجهات الإدارة الأمريكية على صعيد علاقاتها الاقتصادية بها. التوتر بين أكبر اقتصادين في العالم لا يزال سائدا، على الرغم من الاتفاق التجاري الأولي، الذي تم التوصل إليه بين واشنطن وبكين، على أمل أن يستكمل في العام الجاري ليصل إلى مرحلته النهائية.

لكن لا توجد مؤشرات عملية تدل على أنه يمكن أن يتم ذلك في هذه المدة القصيرة من العام الحالي، فضلا عن انشغال إدارة الرئيس دونالد ترمب بالانتخابات الرئاسية التي ستجرى في غضون أقل من شهرين، فضلا عن الاتهامات المتبادلة بين الطرفين على مختلف الأصعدة، بما في ذلك الاتهام الأمريكي لحكومة الصين بأنها أخفت تفشي وباء كورونا المستجد في مدينة ووهان الصينية فترة طويلة.

وفي الأسابيع الماضية، أكد الرئيس ترمب أنه يعتزم دفع الشركات الأمريكية إلى الخروج من الصين، بل هدد بعقوبات عليها إذا لم تمتثل. ومع تفاقم حال العلاقات بين الجانبين، ولا سيما بعد العقوبات الأمريكية على عدد من الشركات الصينية، من بينها "هواوي"، وحظر تطبيقي "تيك توك" و"وي تشات"، بدأت الحكومة الصينية بالفعل في تفعيل آلية تسمح لها بالحد من نشاطات الشركات الأجنبية، وفي مقدمتها الأمريكية.

وهذا رد يعد قويا حقا من الجانب الصيني على توجهات الإدارة الأمريكية، فقد وضعت بكين قائمة "الكيانات غير الموثوقة" لشركات أمريكية خصوصا، وأجنبية عموما، نوعا من العقاب. علما بأن السلطات الصينية لم تذكر أسماء هذه الشركات حتى الآن، على اعتبار أنها تنظر إلى طبيعة العقوبات التي ستفرضها في مرحلة لاحقة. ومهما كانت طبيعة هذه الخطوة، فإن المراقبين يعدون "قائمة الشركات غير الموثوقة" بمنزلة سلاح بين يدي بكين ضد واشنطن. التهمة التي ستوجهها الصين للشركات المستهدفة هي، "الإساءة إلى السيادة الوطنية للصين، ولمصالحها على صعيدي الأمن والتنمية"، إضافة إلى تهمة تمثل خطورة بالفعل، وهي "انتهاك القواعد الاقتصادية والتجارية المرعية دوليا".

الواضح، أن الجهات الصينية المعنية، تستخدم - في الواقع - الاتهامات نفسها تقريبا، التي توجهها الإدارة الأمريكية إلى عدد من الشركات الصينية. وعلى هذا الأساس، يعد المسؤولون الصينيون خطوتهم هذه بمنزلة رد طبيعي على الموقف الأمريكي من المؤسسات والشركات الصينية عموما. خاصة أن واشنطن فرضت عقوبات على عدد منها في الأشهر القليلة الماضية، حتى إنها تحركت في أوساط الدول الحليفة لها لمنعها من اعتماد خدمات شركة هواوي المتخصصة في البنية التحتية للإنترنت. ومن هنا، يمكننا توقع غرامات على الشركات الأجنبية، وقيود على دخول الأفراد أو المعدات البلاد.

علما بأن التوجه الصيني الجديد يشمل أيضا أفرادا أجانب ينشطون تجاريا وتصنيعيا في البر الصيني. والحق، أن الجانب الأمريكي يعتمد في موقفه حيال الشركات الصينية، على أن الأخيرة تهدد في مجالات محددة، الأمن القومي الأمريكي، خصوصا بعد أن اتهمت واشنطن إحدى قنصليات الصين في الولايات المتحدة بالقيام بأعمال تجسسية، ما أدى إلى إغلاق القنصلية المعنية.

وبصرف النظر عن مواقف كلا الجانبين، فإنهما يتهمان بعضهما بعضا بانتهاك قواعد وقوانين التجارة العالمية، الأمر الذي ينذر بتواصل الأزمة بينهما إلى أمد طويل، كان العالم يأمل في الوصول إلى حلها في أقرب وقت ممكن، في ظل الاضطراب الذي يشهده الاقتصاد العالمي، جراء الأزمة التي تركها وباء كورونا المستجد على الساحة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي