زيمبابوي .. القمع السياسي وتداعياته البيئية

زيمبابوي .. القمع السياسي وتداعياته البيئية

زيمبابوي .. القمع السياسي وتداعياته البيئية
بدأت المشكلات بسوء الإدارة الاقتصادية الشديد في عهد روبرت موجابي.

ذات يوم، كانت زيمبابوي تعد النجم الصاعد في سماء إفريقيا، فبفضل رأسمالها البشري القوي، وثروتها الكبيرة من الموارد الطبيعية، وبنيتها الأساسية الحديثة، كانت زيمبابوي المنتج الرئيس في القارة لمحاصيل مثل: الذرة، القمح، وفول الصويا، وقد أكسبتها صادراتها الزراعية لقب، "سلة خبز إفريقيا"، لكن إلى أي قاع هوت زيمبابوي؟ عن هذا السؤال يجيب هنري مونانجاتير، ممارس تنموي وخبير إعلامي، ومؤسس حركة المواطنين في زيمبابوي:
اليوم، لا تستطيع زيمبابوي إلا بالكاد إطعام شعبها، فضلا عن إطعام بقية القارة، فوفقا لبرنامج الغذاء العالمي، يحتاج نحو 8.6 مليون زيمبابوي إلى المساعدة، ومن المتوقع أن يرتفع سوء التغذية الحاد بنحو 15 في المائة في 2020، الذي تفاقم بفعل التأثير الذي تخلفه جائحة مرض فيروس كورونا - 2019. علاوة على ذلك، فشلت الحكومة في توفير الخدمات الأساسية، مثل مياه الشرب الآمنة، والرعاية الصحية، والسكن اللائق، والتعليم.
تعاني زيمبابوي أيضا واحدا من أسوأ الانهيارات الاقتصادية في التاريخ، والثاني في غضون ما يزيد قليلا على عشرة أعوام. والآن يحدق بالبلاد التضخم الجامح، ونقص الوقود الحاد، وانقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة، والبطالة المتزايدة، ويناضل نحو 90 في المائة من أهل زيمبابوي لكسب معايشهم في القطاع غير الرسمي.
بدأت هذه المشكلات بسوء الإدارة الاقتصادية الشديد في عهد روبرت موجابي، الذي اتسم حكمه - الذي دام 37 عاما، الذي انتهى عندما أجبرته القوات المسلحة على الاستقالة في 2017 - بالقمع السياسي الحاد والعنيف في كثير من الأحيان. لكن خليفة موجابي، الرئيس إيمرسون منانجاجوا، والمجلس العسكري الذي سهل صعوده إلى السلطة، لم يجلبا كثيرا من التغيير، لم يقتصر الأمر على قيام أعضاء المجلس العسكري بأقل القليل لإصلاح الاقتصاد وتوفير الظروف المناسبة للاستثمار والنمو، بل حرصوا أيضا على الإبقاء على ممارسات موجابي القمعية.
لكن ليس شعب زيمبابوي فقط هو الذي يعاني سلوك النظام الحاكم، بل تعاني أيضا البيئة، حيث تشير تقديرات لجنة الغابات في زيمبابوي إلى أن الدولة تخسر 330 ألف هكتار من أراضي الغابات سنويا، وأن إجمالي الغطاء النباتي وغابات الأشجار انخفض من 53 في المائة إلى 45 في المائة منذ 2014، ويتمثل السبب الرئيس وراء هذا الانخفاض في اعتماد شعب زيمبابوي على الكتلة الحيوية لتلبية ما يقرب من 70 في المائة من احتياجاته من الطاقة، نتيجة لعدم توافر الكهرباء وارتفاع تكلفة الغاز لطهي الطعام.
أسهمت إزالة الغابات في زيمبابوي في انخفاض معدل هطول الأمطار السنوي في المنطقة على مدار العقد الأخير، "ينتج الهواء الذي يمر فوق الأشجار ضعف كمية الأمطار التي ينتجها الهواء الذي لا يمر فوق أشجار"، وبسبب موقع زيمبابوي في المنطقة الاستوائية، الذي يجعلها عرضة بشكل خاص لتغير أنماط هطول الأمطار، أسهم هذا في حدوث حالات الجفاف المتكررة، التي تعد سببا رئيسا وراء ارتفاع مستويات انعدام الأمن الغذائي.
كما أثر انخفاض معدلات هطول الأمطار في توليد الكهرباء، من خلال فرض الإغلاق الجزئي على محطات الطاقة الكهرومائية على بحيرة كاريبا في 2019، التي توافر أكثر من 50 في المائة من الكهرباء في زيمبابوي، فضلا عن الكهرباء لزامبيا. ويتسبب نقص العملة الأجنبية في جعل المصدر البديل للكهرباء في زيمبابوي ــ الاستيراد من موزمبيق وجنوب إفريقيا ــ بعيد المنال. في 2019، أصبح انقطاع التيار الكهربائي لمدة تصل إلى 18 ساعة مسألة روتينية، ما أدى إلى إرباك النشاط الاقتصادي.
عندما يتعلق الأمر بتقديم خدمات أخرى ــ مثل إدارة النفايات في المناطق الحضرية وتوفير مياه الشرب ــ تبدو إخفاقات الحكومة متعمدة، فعلى مدار الأعوام الـ20 الأخيرة، اكتسبت حركة التحالف من أجل التغيير الديمقراطي المعارضة، بقيادة نيلسون تشاميسا، شعبية متزايدة، والآن تسيطر على 26 من أصل 32 حكومة محلية، ولتأكيد سلطته، استخدم حزب الجبهة الوطنية - الاتحاد الوطني الإفريقي الحاكم في زيمبابوي - وهو حزب موجابي ومنانجاجوا سلطاته للالتفاف على الأحكام الدستورية التي تمنح السكان والسلطات المحلية قدرا أكبر من السيطرة فيما يتصل بتقديم الخدمات.
أدى تسييس الخدمات الأساسية إلى تقويض عملية تسليمها بشكل كبير، وتسببت إدارة النفايات على نحو رديء في تلويث مصدر المياه الرئيس في العاصمة هراري، بحيرة تشيفيرو، بمياه الصرف الصحي، ما أدى إلى تحول البحيرة إلى مستنقع "مع تراكم المغذيات على النحو الذي يؤدي إلى نمو مفرط للنباتات". ويشير تقرير حديث صادر عن مجلس مدينة هراري إلى أن المياه من بحيرة شيفيرو أصبحت الآن ملوثة بمواد مرتبطة بأمراض تصيب الكبد والجهاز العصبي المركزي.
الواقع أن مرفق معالجة المياه الرئيس في هراري، الذي بني بسعة تخدم 300 ألف شخص، يزود أكثر من 1.5 مليون شخص بالمياه الآن، وهو لا يقرب حتى من مستوى المهمة. كان الجمع بين عدم كفاية إدارة النفايات ونقص مياه الشرب مسؤولا عن تفشي الكوليرا عام 2008، الذي أودى بحياة أكثر من أربعة آلاف شخص.
علاوة على ذلك، يتسبب التنقيب عن الذهب، وهو من الأنشطة الاقتصادية الرئيسة منذ ما قبل الاستعمار، في زيادة تعريض حياة شعب زيمبابوي للخطر، لكن تسبب عدم اليقين السياسي وبيئة الأعمال غير المواتية في إضعاف الاستثمار في هذه الصناعة، ولهذا فإن معظم التعدين، نحو 60 في المائة، يجري بشكل غير قانوني، دون أي اعتبار للمعايير البيئية أو تلك الخاصة بالسلامة، وكانت النتيجة زيادة التلوث في نهر مازوي، الذي يتدفق من زيمبابوي إلى موزمبيق، حيث تستخدم المياه السامة بشكل متزايد لأغراض منزلية وترفيهية وزراعية.
من الواضح أن المعايير البيئية ليست من أولويات حكومة زيمبابوي، لأن الذهب مصدر قيم للعملة الأجنبية، لكن وفقا لمنظمة الشفافية الدولية في زيمبابوي، تخسر البلاد أكثر من 200 مليون دولار سنويا، بسبب بيع كميات ضخمة من الذهب في السوق السوداء وتهريبها في النهاية إلى خارج البلاد إلى أماكن مثل جنوب إفريقيا.
تجسد زيمبابوي علاقة الارتباط بين القمع السياسي، وسوء الإدارة، والتدهور البيئي. ولا تقيد الحدود الوطنية التأثيرات المترتبة على هذه العلاقة، الأمر الذي يجب أن يجعلها مصدر قلق وإزعاج لنا جميعا.

الأكثر قراءة