الإعدام في إيران .. سلاح انتقامي وليس عقوبة ردعية
الإعدام في إيران .. سلاح انتقامي وليس عقوبة ردعية
تجدد النقاش في إيران حول الإعدام، بعدما أقدمت السلطات في طهران، يوم السبت 12 أيلول (سبتمبر) الماضي، على تنفيذ حكم الإعدام شنقا، في مدينة شيراز الجنوبية، بحق نويد أفكاري المصارع الشاب، دون إخطار مسبق لأفراد عائلته. وأصدرت محكمة الثورة، في 28 آب (أغسطس) المنصرم، حكمها بعد إدانته بتهمة قتل حكومي خلال احتجاجات عام 2018، إضافة إلى تأليف مجموعات تخريبية والتآمر ضد النظام وإهانة المرشد الإيراني.
دخلت على خط محاكمة نويد منظمات رياضية وحقوقية دولية، بعدما أدرك الجميع أن اعترافات الراحل انتزعت منه تحت وطأة التعذيب، وأن المسألة تجاوزت العدالة نحو الانتقام، فقد أدانت المحكمة شقيقي أفكاري، وحكمت على وحيد بالسجن 54 عاما وستة أشهر، وعلى حبيب أفكاري بالسجن 27 عاما وثلاثة أشهر، و74 جلدة لكل منهما. وأصدر اتحاد الرياضيين الدوليين، الذي يضم 85 ألف رياضي في جميع أنحاء العالم بيانا، طالب فيه بطرد إيران من مجتمع الرياضة العالمي، في حال قامت بإعدام بطل المصارعة الإيراني.
طلب الرئيس الأمريكي دونالد ترمب من السلطات الإيرانية، في تغريدة له في "تويتر"، وقف تنفيذ الحكم، مؤكدا أن "الجريمة الوحيدة التي ارتكبها نويد أفكاري المصارع الإيراني المحبوب كانت المشاركة في احتجاجات مناهضة للنظام. سأكون ممتنا للغاية إذا ما عزفتم عن إعدامه. وشكرا". وشدد ستافان دو جاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة على أن موقفهم واضح، "نحن نعارض بشدة عقوبة الإعدام، ولا تنبغي معاقبة الناس على آرائهم أو معتقداتهم السياسية".
لم تجد هذه الدعوات آذانا صاغية في طهران، حيث أصر رجال المرشد على تقديم مصير بطل المصارعة، الرياضة الأكثر شعبية في صفوف الطبقات الفقيرة داخل البلاد، عبرة لكافة الإيرانيين، أملا في إخماد شوكة الاحتجاج، ووأد روح الثورة في النفوس. فقد أراد النظام بهذه الواقعة الانتقام لنفسه، بإجبار شاب ثوري مشهور على الاعتراف بالقتل عن طريق التعذيب، ما يبرر إعدامه بعده قاتلا، من أجل ترهيب المحتجين والمتظاهرين، وتعزيز معنويات قواته المنهارة، والمذعورة من الغضب الشعبي العارم.
لكن النتيجة جاءت عكس ذلك، فقد خلفت واقعة الإعدام أزمة دبلوماسية، بعد استدعاء النظام السفير الألماني في طهران، احتجاجا على تغريدة للسفارة نددت فيها بعملية الإعدام، "من غير المقبول تجاهل الحقوق القانونية من أجل إسكات الأصوات المعارضة. لا يزال شقيقا نويد في السجن، ویحتاجان الآن إلى تضامننا"، تصرف عدته طهران تدخلا في الشؤون الداخلية، وإخلالا بالأعراف والمعايير الدبلوماسية.
تصعيد إيراني في غير محله، فخلال اليوم نفسه كان وزير الخارجية الإيراني يستعد لجولة أوروبية، تقوده إلى أربع عواصم أوروبية، يبدؤها من برلين ثم باريس فروما ومدريد، ودول آسيوية وإفريقية، لمواجهة العزلة الخانقة للنظام، قبل أن يجد نفسه مجبرا على إلغائها، خاصة بعد توالي الإدانات من عواصم أوروبية أخرى "باريس، بروكسل..."، تفاديا للإحراج بأسئلة ذات صلة بقضية الإعدام، وذلك ما عبرت عنه أصوات مقربة من النظام، فقد كتبت صحيفة "همدلى" الحكومية، بتاريخ 15 أيلول (سبتمبر) 2020، بالبنط العريض "إلغاء رحلة ظريف الأوروبية بسبب المناخ السياسي لإعدام نويد أفكاري".
وقف المجتمع الدولي أمام حقيقة استخدام النظام الإيراني الإعدام وسيلة لتصفية رموز وقادة المعارضة، فهذه العقوبة تحولت إلى سلاح سياسي في يد زبانية المرشد. ففي القوانين الإيرانية أكثر من 80 جريمة عقوبتها الإعدام، ونجد في قائمة تلك التهم "المعارضة السياسية" و"إعلان الحرب على الله" والتآمر لقلب نظام الحكم الإسلامي"... أكثر من هذا، يتضمن قانون العقوبات مادة تنص على أنه "إذا ارتكب شخص ما، ثلاث مرات، جرائم الحدود، وفي كل مرة تفرض عليه عقوبة وتنفذ، فإن العقوبة في المرة الرابعة تكون الإعدام".
تحتل إيران المرتبة الثانية عالميا بعد الصين، من حيث عدد أحكام الإعدام المنفذة، والأولى عالميا نسبة إلى عدد سكانها. فأحكام الإعدام تطبق على نطاق واسع، لكن على أساس تمييز، ضد ذوي الدخل المنخفض والفقراء والأقليات الدينية والعرقية والمعارضين السياسيين والنساء.. وازداد الأمر سوءا خلال فترة ولاية الرئيس حسن روحاني، فقد تحول هذا النهج القائم على القتل من تكتيك إلى استراتيجية تؤطر نظام الملالي، حيث أفادت منظمات حقوق الإنسان بأن أكثر من أربعة آلاف شخص أعدموا في إيران، على مدار الأعوام الخمسة والنصف الماضية، ما يعني أن 56 شخصا أعدموا شهريا في عهد حسن روحاني.
تذهب تقارير منظمة العفو الدولية في المنحى ذاته، ففي تقريرها السنوي عن استخدام عقوبة الإعدام في عام 2018 تفيد بأن إيران خلال عام أعدمت ما لا يقل عن 253 مواطنا، من بينهم ستة أطفال، فضلا عن تنفيذ 13 عملية إعدام علانية. فيما النساء مواطنات من الدرجة الثانية في ظل حكم المرشد، فقد بلغ عددهن 95 ضحية، حتى متم العام الماضي. وسجلت السلطات الإيرانية عام 2015، بحسب تقارير لمنظمة العفو الدولية، رقما قياسيا بتنفيذها حكم الإعدام بحق 694 شخصا في النصف الأول من عام 2015، وهو ما يعادل إعدام أكثر من ثلاثة أشخاص يوميا، وبلغ إجمالي إعدامات ذلك العام 977 شخصا.
دفعت الأزمات الداخلية والخارجية سدنة المرشد إلى الإمعان في استخدام آلية الإعدام لقمع المواطنين، خاصة أن بعض التهم في قائمة الإعدام مطاطة، تقبل التأويل وفق ما تهوى أنفس أصحاب العمائم، وذلك سعيا إلى نشر الخوف والترهيب بين الإيرانيين. لكن رياح التغيير تجري بما لا تشتهي سفن النظام، ففي آخر تسجيل صوتي لنويد قبل إعدامه، أكد أنه "سعيد اليوم، لأنه دارت الدنيا مرة أخرى، وتعلمت المثل الحقيقية للإنسانية منكم أيها الأناس الأفذاذ، المثل العليا التي هي أغلى بالنسبة إلي بكثير من منصات المصارعة العالمية".