«مولان» .. القتال من أجل الأسرة والوطن
حتما لم يكن اللافت في فيلم ديزني الجديد "مولان" أنه نسخة حية من فيلم رسوم متحركة تم عرضه سابقا، وليس نتيجة لتكلفة إنتاجه العالية فحسب، بل يكمن في قرار "ديزني" عدم حصر عرض فيلمها الجديد "إخراج نيكاي كارو" في منصة البث التدفقي التابعة لها "ديزني بلس"، ارتأت أن توزع الاستوديوهات الشهيرة شريط الـlive-action الجديد على منصات تابعة لـ"أبل" و"جوجل" وRoku، وتأتي هذه الخطوة في إطار تعويض الخسائر المترتبة عن إقفال السينمات في ظل جائحة كوفيد - 19، وما فرضه الفيروس من تحديات على عالم صناعة السينما.
امرأة تحارب بقوة خارقة
تدور أحداث الفيلم حول "هوا مولان" ابنة "هوا زو" أحد المحاربين المتقاعدين في الصين القديمة، التي تنقذ والدها من المشاركة في حرب ضد مجموعة من الغزاة قاموا بهجوم شرس على البلاد، بعدما أمر الإمبراطور بتجنيد رجل واحد من كل أسرة للانضمام إلى الجيش، تتنكر "مولان" في زي جندي شاب، وتنضم إلى الجنود المشاركين في الحرب، حيث يتبدل حالها من مجرد فتاة عادية إلى أسطورة خالدة، تتحلى بالقوة اللازمة من أجل التصدي للعدو، ومجابهة خطورته، وإنقاذ الصين من خطر يحدق بها.
شكلت شجاعة مولان وتفانيها تجاه الأسرة، المحور الرئيس الذي تدور حوله الخطوات التي تقدم عليها البطلة الرئيسة للفيلم، فمن بدايتها وهي تكافح من أجل تحقيق ذاتها، وتكريم أسرتها في الصين انسجاما مع العادات الصينية، ما اضطرها إلى مواجهة صراع إخفاء قدراتها، وقد نجح الفيلم في نقل رسالته الأبرز المتمثلة في تمكين المرأة وشجاعتها والتفاني تجاه الأسرة بشكل ملحوظ.
حقيقة مولانيرجع الفيلم إلى قصة حقيقية حدثت في القرن الخامس الميلادي في الصين، بطلتها المحاربة "هوا مولان"، التي هربت بالفعل من منزلها، وتنكرت كصبي لتنقذ والدها المصاب في حرب ماضية، لأن لديها أخا صغيرا لا يستطيع الذهاب إلى الحرب، لكن عكس القصة التي وصلتنا عبر "ديزني"، فإن "هوا مولان" الأصلية لم ينكشف أمرها، بل ظلت محاربة في الجيش الإمبراطوري لـ12 عاما، وحتى انتهاء الحرب، وعندما قلدت منصب قائد، كشفت عن نفسها، وطلبت العودة إلى عائلتها.
ما بين القديم والجديد
تختلف هذه النسخة من الفيلم عن نسخة الرسوم المتحركة التي صدرت عام 1998 في الأجواء العامة، حيث إن النسخة الأولى غلب عليها الطابع الكوميدي في حين إن المخرجة نيكاي كارو، اعتمدت في النسخة الحية إيقاعا دراميا بحتا، تخللته لقطة أو اثنتان من الكوميديا غير المبتذلة. ولا شك أن الحركة الحية في هذا الفيلم الجديد صنعت مزيجا من فيلم الرسوم المتحركة والقصة الحقيقية، لتضفي مزيدا من الجدية على القصة، وتصبح ملائمة أكثر لروح العصر، فنجده خاليا من شخصيات كوميدية مثل التنين الصغير "موشو" و"صرصار الحظ" واستبدلها بالعنقاء رمز العائلة، التي تساعدها من وقت إلى آخر، والساحرة الشريرة التي تمتلك قدرات مشابهة لــ"مولان".
كما ركزت هذه النسخة على الأكشن والتصاميم القتالية، وتم إبراز دوافع الأشرار، وتأكيد قدرات "مولان" الجسدية المثيرة للإعجاب في مفهوم الـ"شي"، ففي هذه الحكاية، الـ"شي" هي طاقة تسود الكون وجميع الكائنات الحية، ويمكن تسخيرها ليحصل صاحبها على ردود فعل عالية، وقدرات تكاد تكون خارقة، لكنها قوة لا يمكن استخدامها عادة إلا من قبل الرجال.
في المقابل، ظهر بعض نقاط الضعف في الإخراج، أبرزها كان الابتعاد عن إظهار الدم في المشاهد، ففيلم قتال بالسيوف من غير المعقول ألا تظهر أي نقطة دم فيه، أما الثغرة الأبرز فكانت عدم وجود موسيقى، وهذا لم نعتده في أفلام "ديزني"، حيث إن جميع الأفلام الصادرة عنها كانت تأسرنا بموسيقاها إلى جانب المتعة البصرية في مشاهدها.
لكن رغم كل هذه النقاط النقدية، لا يسعنا إلا أن نشيد بالألون الزاهية والتصوير الجميل والديكورات والملابس الرائعة التي أضفت جمالا بصريا، حيث تم تصوير المشاهد في الصين ونيوزيلندا.
الثقافة الصينية والأمريكيةلا يمكن أن تشاهد فيلم "مولان"، إلا وتستوقفك براعة المخرجة "كارو" واهتمامها الكبير بتفاصيل الثقافة الصينية، التي ظهرت في العمل بصورة جلية، بداية من الديكورات وتصميم الأزياء وتسريحات الشعر، وطرق القتال، في حين إن "ديزني" أصدرت في 2019 فيلم "علاء الدين" من إخراج جاي ريتشي، الذي قدم ثقافة مغايرة عن الثقافة الأمريكية، كما أن صناع فيلم "علاء الدين" أصروا على اختيار ممثل ذي أصول عربية في دور البطولة هو مينا مسعود، لكن في الوقت ذاته أخذ الفيلم الطابع البصري الهندي بصورة واضحة للغاية، في إشارة إلى عدم اهتمام المشاركين في العمل بالتعرف على الثقافة التي تعود إليها قصة علاء الدين، وخلطهم بين كل ما هو شرقي سواء كان عربيا أم هنديا، وبالطبع كان الاهتمام بالثقافة الصينية ضروريا للغاية في فيلم مثل "مولان"، التي أصرت "ديزني" منذ البداية على تسويقه بقوة في الصين، ثاني أكبر عرض سينمائي في العالم بعد الولايات المتحدة.
مولان في السياسة الصينية
يذكر أن شركة ديزني أتاحت فيلم "مولان" للمشاهدة على خدمة البث المباشر "ديزني+"، لكن على المشاهد المشترك في المنصة دفع رسوم للوصول إلى الفيلم، ولقد شهد الفيلم كثيرا من الهجمات بحسب ما ذكرت صحيفة "جارديان" البريطانية، حيث إن ناشطين سياسيين نادوا بمقاطعة فيلم مولان، بعد أن صرحت ليو ييفي نجمة الفيلم الأمريكية من أصل صيني خلال العام الماضي، بتأييدها شرطة هونج كونج، التي اتهمت باستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين، وكانت ييفي علقت على احتجاجات هونج كونج، بمنشور على موقع التواصل الاجتماعي الصيني "ويبو"، قالت فيه، "أدعم أيضا شرطة هونج كونج، يمكنكم أن تهاجموني الآن، يا له من عار على هونج كونج".
كما تعرض دوني ين نجم الفيلم الصيني لانتقادات في يوليو الماضي، إزاء منشور سابق له قال فيه، "يوم احتفال هونج كونج الحقيقي، هو العودة إلى الأراضي الصينية بعد 23 عاما".
وبغض النظر عن موقف ييفي، فإن المتظاهرين في هونج كونج اتخذوا شخصية "مولان" رمزا ضمن الاحتجاجات التي اندلعت خلال الفترة الأخيرة، وفي أغسطس، وصفت الشبكات الاجتماعية الناشطة السياسية في هونج كونج، أجنس شاو، بمولان، بعد أن اعتقلتها الشرطة.
ومهما كان من أمر، وبغض النظر عن كل المآخذ التي أخذت على الفيلم أو على الممثلين، فقد نجحت "ديزني" في تعديل موازين الإنتاج السينمائي في الظروف العصيبة التي تمر بها صناعة السينما، بفقدانها عاما كاملا دون إصدارات سينمائية كثيرة، وربما تكون قد شقت الطريق أمام "هوليوود" وشقيقاتها، وألهمتها بأفكار يمكن الولوج إليها لاختيار الأعمال المناسبة، التي يصلح تقديمها كنسخ حية من عديد من أفلام الرسوم المتحركة، التي لقيت طريقها إلي الجمهور، في مختلف أعمارهم.