الكآبة المناخية تركة نورثها الأجيال القادمة

الكآبة المناخية تركة نورثها الأجيال القادمة

الكآبة المناخية تركة نورثها الأجيال القادمة
الكآبة المناخية تركة نورثها الأجيال القادمة

أعاد فيضان السودان وحريق جنوب غرب اليونان، وقبلهما فيضانات باكستان وحرائق غابات في أستراليا وغابات كاليفورنيا وإعصار نورث كارولاينا، إلى واجهة الأحداث النقاش حول المسألة المناخية، في غمرة الانشغال العالمي بجائحة كورونا، عودة فرضها ثقل الأرقام المسجلة، فقد أتت الحرائق على سبيل المثال هذا العام على مدن وغابات بأكملها، حيث قدر إجمالي المساحة بأزيد من 350 مليون هكتار، أي ما يعادل ستة أضعاف مساحة فرنسا.
وسبق لتقرير الأمم المتحدة المتعلق بتغير المناخ والأزمة العالمية المرتبطة به أن توقع هذه النتائج غير المسبوقة، موضحا أن حوادث التغير المناخي تسجل معدلات قياسية، بعدما بلغت حادثة على الأقل أسبوعيا، وحث العالم على اتخاذ إجراءات سريعة، من أجل تجنب الآثار الكارثية لتغير المناخ، قبل حلول عام 2030. النبرة التحذيرية ذاتها، نجدها في بيان الوكالة الأوروبية للبيئة، الذي أطلق تحذيرا بشأن زيادة معدلات وقوع الفيضانات والجفاف وحرائق الغابات في أنحاء القارة العجوز على مدار العقود المقبلة، مشددة على حاجة الدول إلى التكيف مع هذه التغيرات.
تتخذ الكوارث التي تتسبب فيها التغيرات المناخية أشكالا عديدة، منها الجفاف، ويقصد به التغير الذي يحدث في طقس منطقة معينة، فينحبس المطر، وتستمر حالة الطقس الجاف لمدة طويلة، ما يؤدي إلى حدوث مجاعة، خاصة في البلاد التي تعتمد على الزراعة، والأعاصير وهي عواصف هوائية حلزونية عنيفة، تنشأ عادة فوق البحار الاستوائية، وتندفع في اتجاه اليابسة، فتفقد من سرعاتها بالاحتكاك مع سطح الأرض، لكنها تتحرك بسرعات قد تصل إلى أكثر من 300 كيلو متر في الساعة، في دوامة قد يصل قطر الواحدة إلى 500 كيلو متر، على مدار عدة أيام، والحرائق وتوصف بكونها من أخطر المشكلات التي تواجهها البيئة بلا منازع، وسببها الرئيس هو المناخ الجاف، وينجم عنها عديد من المخاطر، خاصة انبعاث غاز أول أكسيد الكربون.
شكلت الفيضانات 47 في المائة من جميع الكوارث المتعلقة بالطقس، في العشرية الممتدة من 1995 حتى 2015، وبلغ إجمالي المتضررين منها 2,3 مليار نسمة، فيما قدر عدد الضحايا بأزيد من 157 ألف شخص، فيما سجلت العواصف التي تعد أحد أخطر أنواع الكوارث المرتبطة بالتغير المناخي ما مجموعه 242 ألف حالة وفاة، ما يمثل نسبة 40 في المائة من الوفيات الناجمة عن الأحوال الجوية العالمية، وارتفع عدد الحرائق المسجلة خلال تسعة أشهر من عام 2019 بنسبة تصل إلى 41 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2018، واندلعت الحرائق في سابقة من نوعها في مناطق غير معروفة بهذا النوع من الحوادث، مثل القطب الشمالي وسيبيريا.
تكشف العودة إلى أرشيف مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث حجم الخطر المحدق بنا، حيث سجل المكتب بين عامي 2005 و2014 متوسط ​​335 كارثة متعلقة بالطقس، ما يعني زيادة قدرها 14 في المائة، مقارنة بالفترة بين عامي 1995 و2004، وتقريبا ضعف المستوى خلال 1985 و1995. وفق المصدر ذاته، فقد نحو 1٫5 مليار نسمة المأوى أو كانوا في حاجة إلى مساعدة طارئة نتيجة للكوارث المرتبطة بالطقس بين عامي 1995 و2015 في العالم. وسجلت القارة الآسيوية وحدها 332 ألف حالة وفاة، وتضرر أكثر من 3,7 مليار شخص.
لا تقل الأرقام التي تحملها تقارير الخبراء بشأن المستقبل سوداوية، فالقلق المناخي في تزايد مستمر، فبحسب المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، فإن العالم معرض للخطر والكوارث، بما يقارب خمسة أضعاف كما كان في 1970، ويتوقع أن يكون تغير المناخ سببا لدفع مائة مليون شخص إضافي في العالم إلى الفقر، وزيادة خطر الجوع وسوء التغذية، بنسبة تصل إلى 20 في المائة بحلول عام 2050، علاوة على كونه عاملا أساسيا وراء ازدياد موجات هجرة تقدر بملايين من الأشخاص، بحثا عن أماكن أكثر قابلية للعيش، بعيدا عن تأثيرات تغير المناخ.
حذرت دراسة حديثة قام بها فريق من الباحثين في جامعة تكساس من قرب حدوث ظاهرة مناخية مدمرة لم تقع منذ آلاف الأعوام، وعلق بيدرو دينيزيو قائد فريق البحث على نتائج الدراسة بقوله "الاحتباس الحراري سيوجد في المستقبل كوكبا مختلفا تماما عما نعرفه اليوم، أو ما عرفناه في القرن الـ20". وهذا ليس بالجديد، فقد سبق للأنثروبولوجي البريطاني براين فاجان أن نبه إلى الأمر، في كتابه الرائع "الصيف الطويل" (2005).
حاول فاجان في كتابه أن يكشف علاقة الإنسان والحضارات بالمناخ، حيث استعرض بصورة دقيقة التحولات المناخية التي حدثت في 15 ألف عام، وشرح كيف تطورت وتأقلمت البشرية على إثرها، موضحا طبيعة الظروف المختلفة التي كان عليها العالم، مقارنة بعصرنا الحالي، التي قسمها إلى العصر الجليدي الكبير والعصر الجليدي الصغير والصيف الطويل، وهي المرحلة التي نعيش أطوارها الآن، وقدم دفاعا عن أطروحته جملة من التفسيرات العلمية عن التغيرات الجغرافية والسياسية والثقافية المرتبطة بشكل كبير بالمناخ.
يكشف الكتاب فكرة محورية، تتعلق بمساهمة المناخ في كتابة التاريخ، ودوره في إيجاد أغلب المنعطفات المهمة في حياة البشرية، مثل الهجرات والأمراض والمهن والثورات الزراعية والصناعية والتكنولوجية. ويبقى السؤال الذي لم ولن يستطيع فاجان الإجابة عنه، حول مدى قدرة إنسانية العصر الحالي على التكيف مع متغيرات مناخية تولت صناعتها بيدها؟ ما من شك في أن الدقات المستمرة على ناقوس الخطر تجعلنا نتجاوز مصطلحات "القلق البيئي" و"الشلل البيئي" نحو مفاهيم أكثر وقعا ودلالة من قبيل "الحزن المناخي" أو "الكآبة المناخية" تعبيرا عما يحمله المستقبل لنا.

الأكثر قراءة