من الشرق الأوسط إلى المتوسط .. تركيا تتخبط في نزاعاتها

من الشرق الأوسط إلى المتوسط .. تركيا تتخبط في نزاعاتها

من الشرق الأوسط إلى المتوسط .. تركيا تتخبط في نزاعاتها

تمكن نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من قلب المعادلة السياسية في الشرق الأوسط ونقلها إلى شرق المتوسط، في نزاع أزلي بين بلاده واليونان، سبقه في ذلك مرور سياسات الرئيس التركي في شرق الفرات والتدخل في شؤون دول عربية، والتعدي على سيادتها، لكنه نجح بطريقة أو بأخرى في خطف الأنظار من منطقة سادتها الحروب والدمار لنحو عقودة عدة، بداية من الحروب العربية الإسرائيلية حتى التدخل الإيراني في المنطقة، لكن ضرورة التهدئة في مختلف الجبهات مكنت النظام الإخواني من تحويل انتباه العالم إلى تخوم الاتحاد الأوروبي، وهذه المرة سخن صفيح المواجهة التي كادت تصل حد المواجهة العسكرية، لكن هذه ليست الجبهة الوحيدة، التي جار فيها الرئيس الإخواني على دول المنطقة، إذ تطاول على دولة عربية تملك جيشا عظيما، يرجح أنه الأقوى عسكريا في المنطقة، بحسب آخر التصنيفات.
تمتلك جمهورية مصر العربية جيشا قويا، وسياسة خارجية متزنة، جعلتها حليفا مرغوبا فيه من جميع الأطراف، لكن هنالك أصوات نشاز كانت تسعى إلى السيطرة على القرار المصري بطرق وأساليب ملتوية، مثلما حصل في التجربة التركية، عند وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة بعد سقوط نظام الرئيس حسني مبارك عقب ثورة 25 يناير، إذ سعت أنقرة والدوحة إلى قطف ثمار الحكم الإخواني للبلاد، لكن سرعان ما تبخر الحلم، بعودة الأمور إلى نصابها الطبيعي، وخروجهما من المعادلة المصرية، لكنهما - أي مدن القرار الإخواني - لم تدركا أهمية الدور المصري على المستويين العربي والإسلامي، إضافة إلى العمق الدولي، الذي تتمتع به القاهرة، فما لبثتا حتى وصل الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى السلطة، حتى بدأت آلة الإعلام الإخوانية مهاجمة النظام المصري، لكن الحشد الإعلامي لم ينجح، كما سبق له بإثارة الفتن في دول عربية مثلما حدث سابقا فيما يسمى الربيع العربي، وهنا كانت نقطة التحول، باتخاذ التحالف الإخواني التركي الممول قطريا، وضعية التمدد العثماني، التي انطلقت من سورية بحجة محاربة إرهاب حزب العمال الكردستاني، مرورا بالعراق حتى الوصول إلى ليبيا، ما فاقم الأزمة ودفع الجيش المصري إلى التمركز على الحدود مع ليبيا، ليحذر الرئيس المصري من هناك بأن مدينتي سرت والجفرة تعدان عمقا مصريا، والوصول إليهما خطر على الأمن القومي المصري، مسنودا بقرار شعبي من البرلمان المصري بتدخل القوات المسلحة خارج حدود الوطن إذا تطلب الأمر، إضافة إلى دعم عربي بأحقية مصر في الدفاع عن نفسها، ما تسبب لاحقا في إيجاد أجواء توتر واسعة خيمت على المنطقة.
المعارضة التركية، كان لها رأي آخر في الموضوع، وفضلت مهاجمة الرئيس رجب طيب أردوغان والإخوان المسلمين، بسبب توتر العلاقات مع دول عربية عدة على رأسها مصر والمملكة العربية السعودية، هجوم كمال كليغدار أوغلو رئيس حزب الشعب المعارض، لم يكن تصريحا لإحدى الوسائل الإعلامية، لكنه كان من منبر البرلمان التركي، مشددا على ضرورة تخليص تركيا من خطر الإخوان المسلمين والانفتاح على الدول العربية، خصوصا مصر، قائلا "مَن الإخوان؟ فمصالح الدولة التركية فوق كل شيء"، مطالبا الرئيس أردوغان بضرورة التخلي عن الإخوان المسلمين، إضافة إلى التصالح مع القاهرة، وإرسال سفير إلى مصر، مشيرا إلى أن مخالفة مصر تنعكس سلبا على تركيا، مضيفا "سنتصالح مع مصر، فلماذا علينا أن نتصارع معها؟ إذ لدينا تاريخ وثقافة معها، فبأي ذريعة نتصارع إذاً، ولا سيما أن فاتورة هذا الصراع ثقيلة على تركيا"، لكن النظام التركي يحتفظ حتى اليوم بقيادات مصرية لجماعة الإخوان المسلمين، كان لها دور تخريبي في البلاد، بتنفيذ أعمال عنف استهدفت عناصر أمنية وعسكرية مصرية عام 2013، كما تبث قنوات تلفزة مصرية ذات طابع إرهابي من الأراضي التركية، للتحريض على النظام المصري بتمويل قطري.
سلوك الرئيس التركي المستفز للمجتمع الدولي، لفت الأنظار إليه أخيرا، ما دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مهاجمة تركيا، بسبب سياستها في شرق المتوسط، ما تسبب في نزاع بين حلفاء الناتو فرنسا واليونان وتركيا، خصوصا بعد ممارسات "غير مقبولة" بحسب ماكرون، حصلت على السواحل الليبية تجاه فرقاطة فرنسية، كانت تعمل تحت قيادة حلف شمال الأطلسي، إضافة إلى أن تركيا وقعت اتفاقات "غير مقبولة مع حكومة الوفاق الوطني الليبية، منكرة الحقوق الشرعية لليونان"، وذلك نتيجة لعمليات التنقيب عن النفط والغاز في المنطقة القبرصية، التي وصفها الرئيس الفرنسي بأنها "غير مقبولة"، داعيا تركيا إلى "توضيح نواياها"، مؤكدا أن على أوروبا التحدث بصوت "أكثر وحدة ووضوحا" تجاه تركيا التي "لم تعد شريكة" في شرق المتوسط، معبرا في الوقت ذاته عن "رغبته العميقة في بدء حوار مثمر مجددا مع تركيا"، لكن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب قال بصراحة "إن كثيرا من رؤساء الدول تواصلوا معه، للحديث مع الرئيس التركي بعد فشلهم في التفاهم معه"، خصوصا في ظل إدارة الرئيس ترمب، الذي يتبنى ازدواجية سياسية في التعامل مع تركيا، إذ يتم التعامل مع تركيا على أنها حليف أطلسي قديم وشريك أساس في التحالف للقضاء على تنظيم داعش الإرهابي، كما أنها كانت سابقا قاعدة متقدمة في التحالف ضد الاتحاد السوفياتي، وعنصر ارتكاز لواشنطن في تطبيق سياسة الاحتواء في منطقة شرق المتوسط، لكن على الرغم مما سبق ذكره، تتعامل مؤسسات الدولة الأمريكية مع سياسات تركيا في ظل قيادة الرئيس أردوغان، على أنها مصدر قلق وتوتر في المنطقة، إذ تشير الدلائل إلى أن الإدارة الأمريكية طفح كيلها من ممارسات أنقرة بتكرار التوتر، تحديدا بعد شراء أنقرة منظومة إس 400 من روسيا، ما جعلها نصب أعين جو بايدن المرشح الديمقراطي، الذي تعهد بإسقاط الرئيس أردوغان في حال فوزه بانتخابات الرئاسة الأمريكية، التي ستقام في نوفمبر المقبل، وستحدد السياسة الأمريكية الخارجية للمنطقة والعالم.
يتعامل الرئيس التركي مع أزمة شرق المتوسط، بتنمية المشاعر لدى الشعوب، مقدما مشاريعه التوسعية على أنها فتوحات إسلامية، خصوصا في تقديم الخلاف مع اليونان على أنه حرب مقدسة بين المسلمين والكفار، إذ شهدت الآونة الأخيرة طلائع مواجهة عسكرية بين الدولتين، بعد تحرك عسكري تركي، تمثل في إرسال أنقرة طائرتين مقاتلتين نفذتا غارات جوية فوق جزيرة كاستيلريزيو، تلاها إرسال 18 سفينة عسكرية إلى جزر يونانية، فيما حشدت اليونان قوات عسكرية متنوعة، استعدادا للمواجهة العسكرية مع تركيا، لكن جهود الوساطة الألمانية حالت دون وقوع تماس عسكري بين الدولتين، وخفضت مستوى التوتر إلى النبرة الكلامية المتصاعدة، في حين تتبنى قطر الترويج لسياسات الرئيس أردوغان على أنه الفاتح الإسلامي وحامي حمى ثغر المسلمين، في حالة مطلقة من التمادي السياسي والإعلامي، ضمن استراتيجية الخداع الجماهيري، المتمثلة في النواح على القضية الفلسطينية مقابل الازدهار الاقتصادي، المبنية أركانه على التعاون مع إسرائيل.

الأكثر قراءة