هل يستمر التعليم الإلكتروني بعد كورونا؟

تجربة التعليم الإلكتروني اليوم، أو عن بعد، فرضتها الجائحة في العالم بديلا للتعليم الحضوري في المدارس، ولا يخفى أهمية الحضور والتعليم في المدارس، إذ إن ما تقدمه المدرسة أعظم من التعليم، فهي عبارة عن مكان يتعلم فيه الطالب المعرفة والعلم، إضافة إلى الاستفادة من علاقة اجتماعية، حيث إن العلاقات التي تتشكل في المجتمع من خلال المدرسة غالبا ما تكون أوثق، كما أنها إذا ما كانت في بيئة تعليمية جيدة، فإن ذلك ينعكس على الطلاب، إلا أن الحياة اليوم أصبحت أكثر تغيرا، فالعلاقات أصبحت تتوثق بشكل كبير من خلال البيئة الافتراضية، ما جعل الإنسان يتعايش بصورة أكبر معها، والتعليم لا بد في يوم من الأيام أن يتأثر بذلك التغير. ومن هنا، وبعد هذه التجربة التي اتجه إليها العالم اضطرارا، هل يمكن أن يكون هناك اعتراف بالتعليم الإلكتروني أو عن بعد في التعليم العام والاتجاه إليه باعتبار أنه يمكن أن يكون خيارات للمتعلم أو والديه إذا ما كان يحقق الجودة المطلوبة من المتعلم ويمكن سد الفجوة التي يمكن أن يتركها البعد عن التعلم المباشر بين الطالب والمعلم؟ وبما أن التعليم الإلكتروني أصبح حالة طارئة اليوم للمجتمعات، فهل يمكن أن يكون حلا لحالات تجد صعوبة في الوصول اليومي إلى المدرسة أو الحالات التي يمكن أن تكون هناك صعوبة في وصول المؤسسات التعليمية بشكل كامل إليها، كما أن بعض المدارس لا يتوافر لها معلم لمواد محددة بشكل مؤقت؟ لذلك، من المتوقع أن تكون هذه التجربة سببا في الاستفادة من التعليم الإلكتروني أو الافتراضي كخيار أو مسار مواز للتعليم المباشر في التعليم العام أو بديل في حالات معينة تجد صعوبة في التعليم بشكل مباشر.
أبناء المبتعثين خارج المملكة، رغم توافر التعليم في المدارس في الدول التي يدرس فيها آباؤهم أو أمهاتهم، بل قد تكون المؤسسات التعليمية بها متميزة، إلا أنهم يفتقرون أو يحتاجون إلى تعلم مواد اللغة العربية والتربية الإسلامية، وسد هذه الفجوة ممكن بالتعلم الإلكتروني أو عن بعد، مع توفير الاختبارات في مراكز محددة في تلك الدول، أو من الممكن أن تكون إلكترونية، من خلال أنشطة ومهام يقوم بها الطالب تثبت تمكنه من المقرر المطلوب. عندما تم الإعلان أن مواد اللغة الصينية سيتم تعميم دراستها في المدارس الحكومية في التعليم العام، وهي حاجة اليوم لما تتمتع به الصين اليوم من اقتصاد قوي وانتشار لمنتجاتها حول التعلم وتطورها السريع في مجال التقنية، فإن وجود تنسيق لتعليم اللغة الصينية من خلال التعليم الإلكتروني بالتعاون مع مراكز مختصة في الصين، يمكن أن يكون خيارا جيدا لكثير من المدارس، حيث يمكن أن يكون أقل تكلفة، وبالإمكان توفير عدد هائل من المعلمين، إضافة إلى إمكانية مشاركة الحياة اليومية بين الصين والمملكة، من خلال بيئة افتراضية، كما أنها تفتح المجال لزيادة فترة التعلم للراغبين من خلال برامج للتعلم الذاتي بعد انتهاء وقت الدراسة اليومي، كما أنها تتيح وتيسر إمكانية الاستفادة من هذا التنسيق لقضاء بعض الطلاب أياما في الصين خلال الإجازات ليتعلموا المزيد خلال فترات الإجازة، بالتنسيق مع مراكز مختصة.
لا شك أن مع التوسع الكبير والنمو في الاقتصاد في المملكة، أصبحت ظروف الناس في المجتمع متفاوتة، ما أوجد صعوبة في بعض الأحيان لدى بعض الأسر للوصول اليومي إلى المدرسة، ما اضطر البعض لاستقدام سائق فقط لإيصال الأبناء إلى المدارس، كما أن البعض يميل إلى تعليم أبنائه في مدارس متميزة وقد لا يتمكن من إيصالهم إليها يوميا، فيكون التعليم الإلكتروني خيارا مفضلا له، مع عدم وجود مشقة فيما لو كان ذلك يتطلب حضورا أسبوعيا على سبيل المثال. لذا، هل من الممكن أن يكون لدى وزارة التعليم مشروعا للترخيص لبعض المؤسسات التعليمية لتقديم تعليمها من خلال التعليم الإلكتروني أو عن بعد؟ وهذا الإجراء يمكن أن يوسع فرص استقطاب الاستثمارات الأجنبية في مجال التعليم، حيث يمكن أن تتقدم مؤسسات تعليمية أجنبية في أي بلد في العالم بتقديم برامجها التعليمية للطلاب في المملكة عن بعد، مع وجود مراكز لها محليا للتواصل والتنسيق للالتزام بالمتطلبات والمعايير التي تضعها وزارة التعليم.
الخلاصة، إن التعليم الإلكتروني، أو عن بعد، تجربة قد ينشأ عنها مؤسسات وبرامج مستدامة يمكن الاستفادة منها في التعليم العام وليس الجامعي فقط، وهذا يمكن أن يكون مشروعا وطنيا يهدف إلى تنويع فرص التعليم بما يحقق جودة متميزة في التعليم ويتناسب مع احتياجات ورغبات بعض أفراد المجتمع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي