قدامى «نوكيا» يعودون رافعين راية الجيل الخامس
قدامى «نوكيا» يعودون رافعين راية الجيل الخامس
في سعيها للمضي قدما في عصر الجيل الخامس، تتحول نوكيا إلى ماضيها.
بيكا لوندمارك، الرئيس التنفيذي الجديد، الذي تولى المنصب هذا الشهر، وساري بالدوف، رئيسة مجلس الإدارة الجديدة، كانا يعملان معا في المجموعة الفنلندية في 2000 في قسم الشبكات. في ذلك الحين كانت الشركة بطلا وطنيا مشهورا وأكبر صانع للهواتف المحمولة في العالم، مع ذروة رسملة سوقية تقترب من 300 مليار يورو.
نوكيا التي عاد إليها لوندمارك مختلفة تماما. بداياتها في الجيل الخامس كانت غير موفقة، وفشلت في الاستفادة من أهميته الجيوسياسية في شبكات الاتصالات.
هذه الخطوة الاستراتيجية الخاطئة، وفقا لمستثمرين ومصرفيين وتنفيذيين سابقين، تركتها عرضة للهجوم من قبل النشطاء أو هدف استحواذ مباشر. تبلغ قيمتها السوقية اليوم 24 مليار يورو فقط، في حين أن سعر سهمها عند المستوى نفسه الذي كان عليه في 2013.
قال جوها فاريس، مدير محفظة أعلى في شركة FIM الفنلندية لإدارة الأصول، وهي مساهم طويل الأجل: "هناك سؤال كبير: ماذا سيكون مستقبل نوكيا؟ يريد المستثمرون الأمريكيون تغييرات سريعة. حان الوقت لكي تظهر الإدارة ما يمكنها تقديمه. إنهم بحاجة إلى بعض التفكير الجذري".
لوندمارك، الذي أمضى الأعوام الخمسة الماضية رئيسا تنفيذيا لشركة المنافع الفنلندية، فورتوم، لا يضيع الوقت. هناك مراجعة استراتيجية تجري الآن، وفقا لما ذكره المطلعون، ومن المتوقع على نطاق واسع حدوث تغييرات في محفظة شركاتها - التي تمتد من شبكات الهاتف الجوال والثابت إلى البرامج والخدمات الرقمية وبراءات الاختراع وتوجيه بروتوكول الإنترنت والشبكات الضوئية.
قال لوندمارك لـ"فاينانشيال تايمز": "عندما يأتي رئيس تنفيذي جديد، من الطبيعي تماما أن ننظر إلى العالم من حولنا. إنه يتغير باستمرار. تحتاج استراتيجيتنا إلى التطوير باستمرار أيضا".
يسعى الفنلنديون بشدة إلى نجاح الثلاثي الجديد في القمة - بما في ذلك ماركو ويرين المدير المالي الجديد - بعد عام مخيب للآمال تخلف فيه نمو مبيعات نوكيا عن منافستها اللدودة إريكسون السويدية وكذلك شركة هواوي الرائدة في الصناعة، حتى في الوقت الذي تتطلع فيه الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول أخرى إلى تعزيز المنافسين للمجموعة الصينية بسبب مخاوف أمنية.
يتساءل تشارلي سالونيوس باسترناك، زميل أبحاث أعلى في المعهد الفنلندي للشؤون الدولية: "إنني مذهول من مدى بطئهم في تحقيق الدخل من هذا. ألمحت الحكومة الأمريكية إلى إريكسون ونوكيا: سنشتري كل ما لديكم. كيف لا يمكنك كسب المال من هذا؟".
يلقي كثير من الفنلنديين باللوم على الأخطاء التي ارتكبها راجيف سوري، الرئيس التنفيذي السابق، وريستو سيلاسما، رئيس مجلس الإدارة السابق. أقر سوري الشهر الماضي بأن نوكيا كانت بطيئة في بداية إطلاق شبكة الجيل الخامس في 2019، حيث كانت لا تزال تستوعب استحواذها على ألكاتيل لوسنت بقيمة 15.6 مليار يورو. قال أحد المطلعين: "جاء الجيل الخامس قبل أوانه بعام بالنسبة لنا".
أشار سوري إلى أن الدمج جعل الصناعة بأكملها أكثر صحة وأن أداء نوكيا قد تحسن بشكل ملحوظ هذا العام.
لكن فاريس أعرب عن اعتقاده أن سوري، الذي يدير نوكيا منذ 2014، كان مسؤولا لفترة طويلة أكثر من اللازم. أضاف: "في 2019، من الواضح أن مجلس الإدارة لم يكن على علم بما كان يحدث في الشركة. يتحمل ريستو مسؤولية كبيرة عن ذلك. بصفتي مستثمرا، شعرت بخيبة أمل حقا لأنهم كانوا يتحدثون عن الجيل الخامس قبل خمسة أعوام ولكن النتيجة كانت مخيبة للآمال حقا".
يصر المقربون من نوكيا على أن سيلاسما وسوري غادرا كجزء من خطط الخلافة بعد فترات طويلة في القمة، حيث أعادا إحياء الشركة بعد بيع أعمالها في مجال الهواتف المحمولة في 2013. لكن آخرين ألمحوا إلى تزايد عدم الرضا من المديرين والمساهمين.
قال أحد تنفيذيي الأعمال الفنلنديين ممن لديهم علاقات قوية: "ريستو لم يكن قويا بما فيه الكفاية. أراد المساهمون ومجلس الإدارة منه المغادرة". امتنع سيلاسما عن التعليق.
بالدوف، وهي رئيسة سابقة لقسم الشبكات في نوكيا وكذلك نائبة رئيس مجلس الإدارة ورئيسة شركة فورتوم آنذاك، حصلت على الموافقة لتكون بديلة لرئيس مجلس الإدارة وتولت مهامها في أواخر أيار (مايو). وعينت لوندمارك ليكون الرئيس التنفيذي لشركة فورتوم في 2015 وفعلت ذلك مرة أخرى في نوكيا هذا الربيع.
لوندمارك، الذي عمل في نوكيا بين 1990 و2000، اعترف بأنه عاد إلى "شركة مختلفة تماما". لكنه أضاف: "بالنسبة لي شخصيا، هذه ليست وظيفة أحلامي فقط، بل هي عودة للوطن".
يتوقع المحللون والمستثمرون أن تحدث تغييرات واسعة في نوكيا، التي تعثرت أيضا بسبب مشكلات من التكلفة العالية لشريحتها من أجل الجيل الخامس. وأمضت معظم العام الماضي في محاولة لتصحيح ذلك، مع بعض النجاح حيث قامت بتحديث توجيهات أرباحها وتدفقها النقدي في نهاية الربع الثاني.
لكن كثيرين يساورهم قلق بشأن الخلفية الأوسع للصناعة - فالاندماج بين مشغلي الاتصالات في الولايات المتحدة وأوروبا قد يحرمهم من العملاء، في حين أن سوق الجيل الخامس الكبيرة في الصين صعبة بشكل خاص على نوكيا.
يختلف المستشارون حول الاتجاه الذي ينبغي أن يأخذ لوندمارك الشركة إليه، لكن معظمهم يتفقون على أنه يحتاج إلى توضيح تركيزها. قال أحدهم: "إحدى الشكاوى من المستثمرين هي أن نوكيا تحاول القيام بأشياء كثيرة في الوقت نفسه"، مضيفا أن المجموعة يمكن أن تفكر في التركيز على البرمجيات والتخلي عن التصنيع.
هناك مستشار آخر يضغط على نوكيا لزيادة حجم وحدتها المؤسسية، وهي القسم المتنامي لبيع الشبكات الخاصة مباشرة إلى الشركات، الذي يمثل حاليا نحو 6 في المائة من عائداتها.
ينظر بعض المستثمرين إلى شركة نوكيا للتكنولوجيا، التي ترخص براءات الاختراع والملكية الفكرية الأخرى الخاصة بها، على أنها مرشح محتمل للبيع. يقول المطلعون إن مراجعة الاستراتيجية ستنظر في جميع أصول نوكيا وتقيم ما إذا كانت مناسبة أم لا.
بيع الأصول في الشركات الخمس التي تشكل إلى حد كبير أعمال شبكاتها - نوكيا وسيمنز وألكاتيل ولوسنت وموتورولا - لن يكون أمرا سهلا. أشار فاريس إلى صعوبة بيع شبكات الغواصات الخاصة بشركة ألكاتيل، وهو أمر سعت إليه نوكيا عدة مرات في الأعوام الأخيرة، نظرا لأنه من غير الواضح من سيكون مهتما بها.
في الوقت نفسه، ظلت أعداد موظفي نوكيا مستقرة عند نحو 100 ألف في الأعوام الأخيرة، ويرغب بعض المستثمرين في رؤية تخفيضات.
لوندمارك الذي يحظى بالاحترام متكتم للغاية حول نواياه. قال إنه يأمل في إطلاع المستثمرين على الاستراتيجية قبل نهاية العام، واصفا مزاجه بأنه "تفاؤل حذر".
قال فاريس عن سجل لوندمارك في فورتوم وقبل ذلك في شركة كونه للرافعات: "بيكا جيد في النظر إلى الصورة الكبيرة ورؤية المستقبل وتقرير ما يجب القيام به".
لا مجال أمامه للتردد. مكانة نوكيا واحدة من أكبر ثلاث شركات لتصنيع معدات الجيل الخامس في العالم عاجزة عن تبرير ضعفها. يجادل بعض المطلعين بأنها هدف جذاب لأحد الناشطين، تماما في الوقت الذي أصبحت فيه شركة سيفيان كابيتال السويدية واحدة من أكبر مساهمي إريكسون. يرجح بعض آخر احتمال أن يتم الاستيلاء عليها بالكامل من قبل إحدى مجموعات الأسهم الخاصة الأمريكية.
وليام بار، وزير العدل الأمريكي، صرح في شباط (فبراير) بأن الولايات المتحدة، سواء بشكل مباشر أو من خلال الشركات الأمريكية، ينبغي أن تفكر في الحصول على حصص في نوكيا أو إريكسون للمساعدة على بناء منافس دولي أقوى لشركة هواوي.
على الرغم من أنه لم يتم التعبير عن الاهتمام علنا، فقد تم التعامل مع الفكرة بجدية في الدوائر الفنلندية. قال وزير سابق إن عددا من التنفيذيين المحليين ناقشوا فكرة شن عملية إنقاذ إذا تعرضت نوكيا لهجوم. لكن أحد التنفيذيين قال: "لا يوجد حديث جاد عن تكتل فنلندي. لكن من الناحية الفنية، سيكون من الممكن لأي شخص شراء حصة 10 في المائة في نوكيا - إنها أسهم عالية السيولة مع ملكية متنوعة للغاية".
في الوقت الذي يتحدث فيه لوندمارك مع عملاء نوكيا والعاملين فيها ومستثمريها في الأسابيع الافتتاحية له، فإن حجم التحدي الذي يواجهه هذا الرجل البالغ من العمر 56 عاما سيصبح واضحا. بأسلوب فنلندي أنموذجي، يصر على أن الناس ينبغي أن يكونوا صرحاء معه.
قال: "إذا اضطررت إلى تلخيص أسلوب إدارتي، فسيكون الانفتاح والشفافية. أريد مناقشة ثنائية الاتجاه مفتوحة وشفافة للغاية. ينبغي أن يكون الجميع صادقين قدر الإمكان، من دون دسائس أو ألاعيب".