معاش

رسالة جميلة من تلك القصص الإنسانية التي تصلني عبر بريدي الإلكتروني ويطلب مني أصحابها مشاركتها مع قراء صحيفة "الاقتصادية"، ولأنني أؤمن أن التجارب الإنسانية تترك أثرا عميقا قد يكون مصدرا للأمل والإلهام، فإنني سأشارككم قصة "معاش" كما أرسلتها لي معلمتها، تقول المعلمة الفاضلة هند الحبردي في رسالتها "لم یكن ذلك اليوم یوما عادیا عندما تسلمت إخلاء طرفي من مدرستي الحبيبة لأباشر في مدرستي التي وجهت إليها، ولم أخترها بل اختارها الله لي ویا لجمال القدر عندما يأتي من الله بلا موعد. يومها التقیت بطالبة مهذبة في الصف السادس اسمها معاش، شدني إليها خلقها الرفیع وطموحها وحرصها على التفوق والمثالیة، كانت صباحاتي تتألق حين أرى ابتسامتها الجميلة وإنجازاتها فأستشرف فیها ملامح عریضة لمستقبل عظیم جمیل، لكن حين یحل قضاء الله فلا راد له. بدأت معاش المعروفة بالانضباط في الغیاب المتكرر وعند حضورها كان یبدو علیها الذبول، ثم تلقیت الخبر الصادم بأنها أصیبت بمرض مناعي وتم تنويمها للعلاج. زرتها في مستشفى القوات المسلحة في الریاض وقد قضى المرض على ثلاثة أرباع وزنها حتى أصبحت كأنها طفلة في أعوامها الأولى، وكانت هذه الزيارة الأولى والأخيرة ولم أحصل فیما بعد على وسیلة تواصل مع أهلها، فقد تغیرت أرقام هواتفهم ثم انتقلت بصفتي معلمة من مدرسة لأخرى، ومرت الأیام ولا أدري ماذا فعل الله بها، وبعد 11 عاما من الانقطاع وبمشیئة الله تعود أقدار ربي الجمیلة وإذا باتصال من إحدى الزمیلات تخبرني بأنها على قید الحیاة وأنها تسأل عني وترید التواصل معي، ما أجمل تدبیر الله لعبده عندما تكون المفاجأة فرحة لم یتوقعها، واتفقت مع زمیلتي الفاضلة على زیارتها لأتفاجأ بأن سكنها قریب مني. أعوام مرت ولم أكن أعلم أن معاش تسكن بالقرب مني، حين فتح الباب استقبلتنا فتاة جمیلة عرفتها بابتسامتها المفعمة بالأمل، كانت ملامحها تضج بالجمال والنضوج لقد أصبحت في السنة الثالثة في كلیة التربیة تخصص ریاضیات، لم یثنها ما تعرضت له من مواصلة طموحها والسیر نحو هدفها بالتوكل على الله ثم الصبر وتخطي الصعاب، لتتخرج معلمة تحمل في أعماقها حلما كبیرا طال انتظاره لتنضم إلى سواعد الوطن الفتیة فتصبح منذ العام الماضي معلمة في إحدى المدارس الأهلیة، وعادت معاش لتنثر عبق عبیرها مرة أخرى في الحياة".
من أجمل أقدار الله أن یضع في طریق الإنسان بشرا على هیئة هدیة ربانیة يمنحونه درسا جميلا في قصة الأمل والحلم الذي لا يخبو!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي