Author

ضحايا التضحية

|
قبل عدة أعوام قدمت تضحية من نوع فريد لإحدى الصديقات، وكنت وقتها أمر بظروف أسوأ من ظروفها بكثير، لكني فضلتها على نفسي، فيما بعد تعرضت منها لصدمة عنيفة فيها من الجحود والنكران والأذى النفسي ما كاد يصيبني بالانهيار، حين سألتها لماذا تصرفت معي بهذا الشكل وأنا من قدمت لها تلك التضحية، التي لا يمكن حتى أن تؤديها الأخت لأختها؟ أجابتني بكل برود "ومن ضربك على يدك وقال لك تقدمين لي هذه التضحية؟.
ورغم قسوة جوابها إلا أنني فعلا آمنت بأن كثيرا من اعتقاداتنا الموروثة هي ما تسبب لنا التعاسة، وبدلا من البحث عن أعذار واهية نعلق عليها الصدمة التي تلقيناها، فعلينا أن نواجه الأفكار المغلوطة التي تعلمناها عن التضحية الحقيقية.
البعض يجبر نفسه على التضحية من أجل شخص ما ويعاني الضغوط المؤلمة على أمل أن يحظى بالتقدير والعرفان ورد الجميل، لكن حين يتعرض إلى صدمة عنيفة من الشخص نفسه الذي ضحى من أجله تبدأ الدراما والشعر الحزين ومواويل القهر والعزف فوق أوتار الزمن الغدار واللطم وجلد الذات، والمشكلة لا تكمن هنا بل في تلك المشاعر السلبية التي يبدأ بثها في محيطه أو عبر مواقع "سوشيال ميديا" ويحذر فيها الآخرين من التضحية لأن "ما فيه أحد يستاهل"، وهكذا يصبح لدينا في المجتمع صنفان، الصنف الأول ضحايا التضحية والصنف الثاني هم من كفروا بوجودها. إشكاليتنا أننا لا نفهم قوانين الحياة جيدا، فنحن نعتقد أن الحياة مثل البقالة بقدر ما سندفع سنحصل فورا على المقابل، وهذا فهم خاطئ تماما، لأننا لو طبقنا هذا القانون على العلاقات الأسرية والزوجية والمجتمعية والوظيفية، فسيهيمن على تعاملاتنا الأنانية وتوقع الأسوأ و"على قدر ما تعطيني أعطيك" و"أنا ومن بعدي الطوفان" ولن تجد حتى من يبتسم لك في وجهك إن لم تبتسم له. التضحية الحقيقية هي أن تضحي دون انتظار مقابل إلا من خالقك فقط، مع غض النظر عن أي موقف مؤلم قد تتعرض له مستقبلا ممن ضحيت من أجله. التضحية فعل إنساني راق لا فعل استعبادي وصفقة تجارية متبادلة.
وخزة
الشهيد الباكستاني فرمان علي ضحى بروحه من أجل إنقاذ 14 روحا في سيول جدة، والشهيدان السعوديان ذيب اليامي وجاسر الراكة ضحيا بروحيهما من أجل إنقاذ طفلين أمريكيين، فإن كنت ستضحي لتنتظر مقابلا فأرجوك توقف لأنك ستتعب و"تتعبنا معك".

اخر مقالات الكاتب

إنشرها