العلماء يحذرون: الأوبئة ستتلاحق ما لم يتوقف تخريب الطبيعة

العلماء يحذرون: الأوبئة ستتلاحق ما لم يتوقف تخريب الطبيعة
آرون بيرنشتاين، مدير مركز المناخ والصحة والبيئة العالمية في جامعة هارفارد.

في عالم محطم يكافح للتعافي من فيروس كورونا، تهدد جائحة جديدة بتدمير بقايا البشرية. هذه هي قصة Covid-21: Lethal Virus ، وهو فيلم تلفزيوني في مرحلة ما بعد الإنتاج يصور على نحو خيالي ظهور فيروس كورونا آخر في العام المقبل.
من غير المرجح أن يفوز الفيلم ذو الميزانية المنخفضة بأي جوائز أوسكار، لكن كثيرا من العلماء يعتقدون أن فرضيته ليست مستبعدة. جائحة كوفيد - 19، التي أعقبت تفشي "سارس" و"مرس"، تمثل المرة الثالثة منذ مطلع القرن ويعتقد أن فيروس كورونا انتقل من الخفافيش إلى البشر قبل أن يتحول إلى وباء.
يعتقد أن فيروسات كورونا كانت تنتشر بين الخفافيش منذ قرون لكنها أصبحت أخيرا مصدرا رئيسا للأمراض حيوانية المنشأ، إلى جانب أمراض أخرى نشأت من الحيوانات مثل فيروس نقص المناعة البشرية، والإيبولا، وزيكا.
العلماء يلقون اللوم في زيادة انتشار مسببات الأمراض من الحيوانات على اتجاهين: العولمة السريعة والتفاعل البشري غير المبالي مع الطبيعة. هذا يعني أن تفشي الأمراض والأوبئة من المرجح أن يتكرر بانتظام ما لم يتم تقييد هذه الاتجاهات أو عكسها، حسبما يحذرون.
"جائحة فيروس كورونا ليست مفاجئة أبدا"، على حد قول آرون بيرنشتاين، مدير مركز المناخ والصحة والبيئة العالمية في جامعة هارفارد. "كنا نعلم من قبل أن يحدث هذا، أن ثلثي إن لم تكن ثلاثة أرباع الإصابات الناشئة كانت بسبب انتشار مسببات الأمراض من الحيوانات البرية إلى البشر".
الدكتور برنشتاين قال إن السبب الرئيس للانتقال من الحيوان إلى الإنسان هو التغير في كيفية تعامل الناس مع الطبيعة، مثل إزالة الغابات بسرعة وتجارة الحيوانات البرية العالمية.
أضاف: "لا توجد وجبات غداء مجانية في الطبيعة. نحن نسبح في بركة جرثومية مشتركة مع حيوانات أخرى. إذا مددنا نسيج الحياة أكثر من اللازم، فستخرج أشياء من تجمع الجراثيم وتصل إلينا".
جوناثان إبستين، نائب الرئيس في منظمة إيكو هيلث ألاينس، وهي مؤسسة خيرية مهتمة بالحياة البرية مقرها الولايات المتحدة، قال إن تغيير استخدام الأراضي، مثل إزالة الغابات، كان "المحرك الأكبر الوحيد للأمراض الناشئة".
إنشاء طرق من خلال قطع الأشجار لاستخراج الأخشاب أدى إلى الوصول إلى مناطق الغابات العميقة التي لم يمسها بشر في السابق، ما جعل الإنسان على اتصال بالحياة البرية التي تحمل الأمراض، حسبما قال إبستين.
تهجير الحيوانات التي عاشت في تلك الغابات اضطرها إلى إيجاد مواطن جديدة، ما زاد من فرصة نشرها لمسببات الأمراض إلى فصائل أخرى، من ضمنها البشر.
جو والستون، نائب الرئيس الأول في جمعية الحفاظ على الحياة البرية ومقرها الولايات المتحدة، أشار إلى الاتجار في الحياة البرية وبيع منتجات مثل الأطعمة الغريبة والفراء والأدوية البديلة.
قال: "كانت لدينا أمراض حيوانية في الماضي، لكنها كانت نادرة مع فترات زمنية طويلة بين حالات تفشيها. الآن، بدأت تحدث باطراد (...) متزايد. وستستمر في الزيادة حتى نقرر إعادة تقييم علاقتنا بتجارة الحيوانات".
في البداية، اعتقد مسؤولو الصحة الصينيون أن كوفيد - 19 انتقل من حيوان إلى إنسان في سوق أطعمة في مدينة ووهان حيث تباع الحيوانات البرية. أحدث الأدلة تشير إلى أن الفيروس نشأ في مكان آخر، لكن عدد الأشخاص الذين أصيبوا بالمرض بعد التردد على سوق ووهان تدل على أنه لعب دورا حاسما في نشر المرض، وفقا لما يقول بعض الخبراء.
قال إبستين: "نحن نعلم من التجارب السابقة مع فيروسات كورونا، من ضمنها فيروس سارس، أن هذه الفيروسات قادرة على الانتشار داخل أنظمة السوق"، مضيفا: "يبدو أن سوق ووهان، ربما، أسهمت في انتشار المرض بصفتها مركزا واسع النطاق، إن لم تكن البداية الدقيقة لتفشيه".
في حين أن إزالة الغابات وتجارة الحيوانات البرية هما المسؤولتان عن الأمراض التي تنتقل من الحيوانات إلى البشر، يمكن للعولمة أن تحول المرض إلى جائحة.
دكتور برنشتاين، قال، "هذه هي أعواد الثقاب (إزلة الغابات وتجارة الحيوانات البرية) التي تشعل نار الجائحة، لكن الوقود الذي يضرم الحريق هو عولمة البشرية وزيادة الكثافة السكانية في المدن".
قبل 50 عاما كان من الصعب جدا على فيروس كوفيد - 19 أن ينتشر من ووهان إلى بقية العالم. لم يكن لدى سكان المدينة الوسيلة ولا خيار السفر، ولم يتم بناء مطارها إلا في 1995 ولم تبدأ الرحلات الجوية الدولية حتى 2000.
العلماء يعتقدون أن فيروس إيبولا انتقل إلى البشر قبل وقت طويل من أول انتشار مسجل في الكونغو الديمقراطية في 1976. الاختلاف الرئيس في تفشي الفيروس في الفترة 2013-2016، الذي انتشر عبر غرب إفريقيا، هو أن العدوى الأولى كانت فيما يعتقد في إحدى قرى غينيا القريبة من الحدود مع كل من سيراليون وليبيريا.
قال إبستين: "كان هناك ما يكفي من التواصل، والطرق كانت جيدة بما يكفي لدرجة أن حالات الإصابة بفيروس إيبولا - لأول مرة في التاريخ - شقت طريقها إلى العواصم حيث أصبح فجأة ملايين الناس عرضة للإصابة". أضاف: "كانت نار مخيم صغيرة قادرة على أن تصبح نيرانا طويلة الأمد".
نظرا لأن عكس اتجاه التحضر ليس خيارا واقعيا، يرى العلماء ضرورة بذل مزيد لبناء البنية التحتية للصحة العامة وأنظمة مراقبة الأمراض.
هيلين جايل، الرئيسة التنفيذية لصندوق مجتمع شيكاغو وهي وموظفة صحية حكومية سابقة في المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، قالت: "معرفتنا بمدى تكرار نشوء الفيروسات الجديدة وما يفعله تغير المناخ بالنظم البيئية الحيوانية، تجعل من الآمن افتراض أننا سنواجه على الأرجح مزيدا من هذه الفيروسات".
أضافت الدكتورة جايل أن الولايات المتحدة بحاجة إلى إنشاء "أنظمة مراقبة جيدة (للأمراض)" مع اكتساب القدرة على تطوير اللقاحات بسرعة ودقة.
في مقال نشر أخيرا في مجلة "ساينس"، دعا الدكتور برنشتاين الحكومات إلى إنفاق ما مجموعه 22 مليار دولار سنويا على منع إزالة الغابات وتنظيم تجارة الحيوانات البرية.
كذلك أوصى بإنفاق مئات الملايين من الدولارات على أنظمة للكشف عن تفشي الأمراض والسيطرة عليها، بما في ذلك "مكتبة جينات الفيروسات" التي يمكن استخدامها لتحديد مسببات الأمراض الناشئة بسرعة كافية لإيقاف انتشارها.
المبالغ المقترحة ضخمة. لكن الدكتور برنشتاين أشار إلى أنها تمثل جزءا صغيرا من التكاليف الاقتصادية والبشرية لكوفيد - 19، التي توقع اقتصاديون أنها يمكن أن تصل إلى مابين 10 و20 تريليون دولار - نحو ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي البالغ 81 تريليون دولار.
قال: "اقتصاديات ذلك لا يمكن أن تكون أكثر وضوحا. إنفاق جزء بسيط من التكاليف الناتجة عن عدد قليل فقط من هذه الأمراض - لتقليل خطر الانتشار حتى لو بنسبة 1 في المائة - سيكون فعالا بشكل كبير من حيث التكلفة".

الأكثر قراءة