نهاية عصر الطائرات الجامبو
ملكة الأجواء تقترب من التنازل عن عرشها. أعلنت الخطوط الجوية البريطانية أن طائراتها من طراز بوينج 747-400 البالغ عددها 31 طائرة لن تطير مرة أخرى. لا يزال هناك أكثر من 500 طائرة طراز 747 في الخدمة مع شركات طيران أخرى، على الرغم من أن كثيرا منها متوقف حاليا بسبب أزمة فيروس كورونا. لكن الخطوط الجوية البريطانية كانت أكبر مشغل للطائرة 747. قرار الإيقاف الفوري لطائرات 747 يمثل نهاية حكم طائرة الجامبو الذي دام 50 عاما.
يأتي إعلان الخطوط الجوية البريطانية بعد قرارات مماثلة اتخذتها شركات طيران مثل دلتا إيرلاينز، ويونايتد إيرلاينز، وإير فرانس. آخر طائرة 747 في أسطول شركة كانتاس حلقت الأسبوع الماضي في رحلة وداعية فوق سيدني ثم طارت عبر المحيط الهادئ إلى لوس أنجلوس، قبل التوجه إلى مستقرها الأخير في صحراء موهافي.
مايكل دون، أول مراسل للطيران في "فاينانشيال تايمز"، كان حاضرا في بداية عصر الطائرة 747. كتب عن رحلته الأولى على الطائرة 747 التابعة لشركة بان أمريكان في كانون الثاني (يناير) 1970، واصفا الصعود على متن الطائرة بأنه "يشبه دخول مسرح خاص". وبينما كان الركاب ينظرون إلى عبر المقصورة كان "بحر من المقاعد ذات الألوان المرحة يسبح بعيدا لمسافة 62 ياردة". وحين أصبحت الطائرة في الجو، أظهرت 747 تفوقا على سابقتها من طائرات بوينج. "ضجيج المحرك أقل من الضجيج داخل كابينة الطائرة 707، خاصة في الأقسام الأمامية، ومع أنه لا يزال مزعجا في الأقسام الخلفية، إلا أنه لا يكفي ولو من بعيد ليجعل الحديث بين شخصين غير ممكن، أو حتى مؤلما، كما هو الحال في القسم الخلفي من الطائرة 707. والواقع أن صوت الركاب وهم يتجاذبون أطراف الحديث قد يصبح واحدا من الأصوات الجديدة للطيران في الطائرة 747".
مع اقتراب الطائرة من نهاية عمرها كتب طيار الخطوط الجوية البريطانية، مارك فانهوناكر "في فاينانشيال تايمز" في شباط (فبراير) عن رحلته الأخيرة على 747 من لندن إلى كيب تاون في الطائرة التي يحبها منذ الطفولة بسبب "حجمها وشكلها الفريد وقبل كل شيء الدهشة والشعور بالحرية التي تستحضرها هذه الأرقام الثلاثة الشهيرة بكل سهولة".
بوصفي راكبا، أنا لست دامع العينين، أدرك الإنجازات التكنولوجية الضخمة للطائرة 747 ودورها في إتاحة السفر لمسافات طويلة إلى مليارات الناس، لكن الطائرة منذ أعوام أخذت تظهر عليها علامات الشيخوخة والتعب والضوضاء. أتذكر رحلة 747 على الخطوط الجوية البريطانية من كيب تاون إلى لندن في 2011 حيث قطع المطاط المكسورة تتدلى من الخزائن العلوية. على الرغم من أن الخطوط الجوية البريطانية جددت كثيرا من طائرات 747 الخاصة بها، إلا أنني وجدت نفسي بطريقة أو بأخرى غالبا على إحدى الطائرات غير المجددة، أي حنين ربما كنت سأشعر به قد شوهه وداع 747 الطويل.
الطائرة الضخمة، التي تحرك مشاعري حقا هي طائرة إيرباص A380. صحيح أن طائرة 747 هي كبيرة الحجم ـ عادة تتسع لنحو 400 مقعد ـ إلا أن طائرة A380 يمكن أن تتسع لأكثر من 600 مقعد. دخول طائرة 747 ربما يجعلك تشعر، وكأنك تذهب إلى المسرح. لكن دخول طائرة A380 يشبه الصعود على متن سفينة سياحية فاخرة. سافرت على متن الطائرات A380 مع شركة طيران الإمارات وشركة كانتاس. كنت أسافر في الدرجة السياحية، والسياحية الممتازة، ودرجة الأعمال، لم تخفق الطائرة قط في أن تخلب لبي.
ليس الحجم فقط هو الذي يوحي لك بأنك في سفينة سياحية فاخرة، هناك الترفيه أيضا، لم أستمتع قط بمكتبة أفلام عميقة مثلما فعلت خلال رحلة طيران A380 كانتاس على الدرجة السياحية من لندن إلى ملبورن. يمكنك أن تعود إلى أفلام قديمة مثل "البعض يحبها ساخنة" Some Like It Hot أو "إفطار في مطعم تيفاني" Breakfast at Tiffany’s. شاهدت جميع أفلام العراب الثلاثة، واحدا تلو الآخر، وكان شعوري بعد الانتهاء من المشاهد الدموية على الشاشة هو الاستغراب لعدم رؤية الدم في الممرات.
طائرة A380 هادئة على نحو يفوق خيال الجيل الأول من طائرات 747. ليس فقط أنك تستطيع التحدث على A380، بل يجب أن تهمس إذا كنت لا تريد أن يسمع صوتك من يجلس في الخلف. لكن طائرة A380 تقترب من نهاية مسيرتها أيضا.
بعد 13 عاما فقط من أول رحلة للطائرة A380 على متن الخطوط الجوية السنغافورية، شركة إيرباص توقف الإنتاج الآن. مرت القافلة الأخيرة من جسم الطائرة في مدينة ليفينياك الفرنسية الشهر الماضي، سيتم الانتهاء من تصنيع آخر طائرة A380 في منتصف العام المقبل.
الطيران، في الوقت الذي يتعافى فيه ببطء بعد كوفيد - 19، يبدو أصغر وأكثر رشاقة، والرحلات ستكون مباشرة من مدينة إلى أخرى دون الهبوط في محطة مركزية، بدلا من الطائرات الضخمة، التي تجمع الركاب في المطارات المركزية.
طائرات المستقبل للمسافات طويلة هي بوينج 787، التي تتسع لما بين 248- 336 مقعدا وطائرة إيرباص A350، التي تتسع لما بين 350- 410 مقاعد.
يبدو أن محبي الطائرات وعشاقها عفا عليهم الزمن أيضا، أصبح الطيران، في هذا العصر الواعي بيئيا، سببا للوم.
ستظل الطائرة A380 موجودة لعقود. سلمت "إيرباص" 242 طائرة منها إلى 15 شركة طيران. لكن "إيرباص" لم تفهم اقتصادات الطيران على الوجه السليم. في أواخر التسعينيات، تشاجرت "بوينج" و"إيرباص" حول عدد الطائرات الضخمة، التي يمكن أن تتحملها السوق، قالت "بوينج" إن هناك حاجة إلى أقل من 400 طائرة خلال الـ20 عاما المقبلة، بينما قالت "إيرباص" إن العدد نحو 1500.
كانت "بوينج" أقرب إلى الحقيقة، وازدهرت طائرتها الضخمة خلال عقود النمو الهائل للسفر الجوي، من 310 ملايين مسافر حول العالم في 1970 إلى 4.5 مليار العام الماضي.
مرت الآن أفضل أعوام 747، لكن مع أزمة فيروس كورونا والطلب على الطائرات الأصغر، توقيتها لإحالة طائرات الرحلات الطويلة إلى التقاعد كان ممتازا.