زهرة والفيل

يقول دوستويفسكي، "ماذا لو كان العنكبوت الذي قتلته في غرفتك، يظن طوال حياته أنك رفيقه في السكن؟".
تذكرت هذه المقولة وأنا أقرأ عن حادثتين مؤلمتين هزتا العالم، الأولى لأنثى فيل حامل شعرت بالجوع فظلت تبحث عن طعام تأكله في الغابة، وحين لم تجد، اتجهت نحو عالم البشر لعلها تجد قلوبا رحيمة تمنحها طعاما، ولسوء حظها وقعت في أيدي مجموعة من الوحوش البشرية اعتقدوا أن المتعة والإثارة تكمن في العبث بأرواح الحيوانات، فقاموا بزرع مواد متفجرة في ثمرة أناناس وقدموها وجبة شهية لأنثى الفيل الحامل، وبمجرد تناولها انفجرت في فمها مسببة لها جراحا خطيرة، ومن شدة الألم ظلت تجوب القرية ساعات طويلة وهي تئن من الأوجاع وتتعذب دون أن يساعدها أحد، ثم اتجهت إلى نهر القرية لعل مياهه تخفف آلامها وتبعد الذباب والحشرات عن جراحها، لكنها مع الأسف لم تتمكن من النجاة ورحلت بعد أيام قلائل من تلك الوحشية التي تعرضت لها تحت ذريعة التسلية والإثارة.
الحادثة الأخرى، بطلتها طفلة باكستانية اسمها زهرة شاه تبلغ من العمر ثمانية أعوام، ونظرا إلى فقر أهلها وسوء ظروفهم المادية، أرغمها والدها على العمل في منزل فخم يمتلكه الثري حسن صديقي وزوجته، الذي تعهد لوالدها بالتكفل بمصاريف الطفلة زهرة الدراسية مقابل خدمتها المنزلية. لم تكن تلك الطفلة البائسة تتوقع أن نهايتها المؤلمة ستكون في هذا المنزل الفخم، فذات يوم حين كانت تنظف قفص الببغاوات باهظة الثمن، تركت الباب مفتوحا فطارت الببغاوات، فما كان من الزوج وزوجته إلا أن انهالا على جسدها الصغير بالضرب الوحشي المبرح لترحل روحها الطاهرة إلى ربها.
تبرهن هاتان الحادثتان أن قلوب البشر قد تكون أحيانا أشد وحشية وقسوة من قلوب الحيوانات المفترسة في الغابة. كل الدوافع التي قد تقال عن هذه الجرائم البشعة لن تبرر لنا إزهاق أرواح بريئة، خطيئتها الوحيدة أنها آمنت بإنسانية البشر، ففي زمن يفترض أن يكون فيه البشر أكثر ارتياحا وسعادة في ظل توافر كل هذه التقنية الهائلة والآلات التي وفرت الوقت والجهد والتطبيقات الذكية، وفرص النجاح وتحقيق الأحلام، فإن ما يحدث هو العكس تماما من حيث تصاعد الضغوط الحياتية الهائلة وتضخم العنف وتنامي وتيرة التوحش الآدمي وانعدام الرحمة!
وخزة
أحيانا يصبح التفريق صعبا بين الوحوش وبعض البشر!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي