عودة مصنع عائلة إيطالية إلى العمل مثخنا بالجراح

عودة مصنع عائلة إيطالية إلى العمل مثخنا بالجراح
عودة مكلفة إلى العمل في مصانع شركات العائلات في إيطاليا
عودة مصنع عائلة إيطالية إلى العمل مثخنا بالجراح
تتفاوت معاناة الصناعات في إيطاليا جراء الإغلاق

عند باب مصنع بي بي إيه للفولاذ المقاوم للصدأ في شمالي إيطاليا، يفحص الموظفون درجات حراراتهم ويمشون على سجادة تطهير، واضعين كماماتهم - أو معدات واقية شخصية طبية كاملة، إذا كانوا يعملون في الإنتاج.
تحظر الاجتماعات، وتحظر استراحة تناول القهوة، العادة الإيطالية العريقة في منتصف الصباح للدردشة مع الزملاء حول فنجان إسبرسو. تم إبعاد ماكينات القهوة عن بعضها البعض لإبقاء العمال متباعدين.
عادت شركة بي بي إيه إلى العمل، لكنها بعيدة عن العودة إلى طبيعتها، إذ خرجت المنشأة الواقعة في تيزا سول برينتا في منطقة فينيتو، من قيود إغلاق وآثار صدمة من واحدة من أخطر حالات وباء فيروس كورونا في العالم.
قالت فرانشيسكا ماسييرو، رئيسة الشركة العائلية التي أسسها والدها لوتشيانو في 1974: "الطريقة التي نفعل بها الأشياء في المصنع انقلبت رأسا على عقب. على عكس الآخرين، نحن مستقرون اقتصاديا فيما تغيرت عاداتنا اليومية بشكل جذري. الحياة الطبيعية لا تزال تبدو على بعد أعوام ضوئية".
تشارك المديرة التنفيذية البالغة من العمر 48 عاما أفكارها وشكوكها وآمالها مع صحيفتنا، كجزء من سلسلة من المقالات التي تروي أزمة الوباء في قلب إيطاليا الاقتصادي.
بعد صدمة الحظر وإغلاق الشركة في آذار (مارس) الماضي - وهو الأول منذ إنشائها - يركز هذا الفصل الثاني على صراع الشركة للتكيف مع الوضع الطبيعي الجديد.
شركة بي بي إيه التي تعمل في تصنيع مقابض الأبواب والنوافذ وواحدة من أربعة ملايين شركة صغيرة ومتوسطة الحجم في إيطاليا، محظوظة. لم تضطر الشركة إلى إلغاء الوظائف، كما أن الاختبارات على موظفيها البالغ عددهم 120 موظفا لم تجد أي موظف مصاب بالفيروس.
إن التوقعات الاقتصادية لإيطاليا واقعية. على عكس الدول الأوروبية الأخرى، لم تتعاف قط بشكل كامل من أزمة منطقة اليورو. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينكمش الناتج بأكثر من 9 في المائة في 2020، ويتراجع إلى المستويات التي شوهدت آخر مرة في 1995.

إعادة الفتح بحذر

مع تراجع الإغلاق في 4 أيار (مايو) الماضي، رفعت العزلة التي عاشها الإيطاليون لأسابيع، لكن في حين شعر كثيرون في وسط وجنوب إيطاليا بالبهجة من حرياتهم الجديدة، إلا أن الناس في المناطق الشمالية مثل لومبارديا وبيدمونتي وفينيتو، حيث وقعت الأغلبية العظمى من الوفيات، لا يزالون خائفين. بلغ عدد القتلى في إيطاليا حتى الآن 32877 بينما توفي نحو 1878 في فينيتو وحدها.
قالت السيدة ماسييرو: "لا تزال هناك عصبية وخوف على نطاق واسع لأن الفيروس قد يعود. وقد تكون هذه هي الضربة القاضية لاقتصاد بلادنا"
في شركة بي بي إيه، يتحدث العمال مع بعضهم البعض فقط عبر تطبيق واتس آب أو البريد الإلكتروني أو الهاتف – وقالت إنه في بعض الأحيان: "نصرخ على بعضنا بعضا من غرفة إلى أخرى للحديث عن المستجدات في حياتنا الشخصية".
إيفا بينوتو، مديرة التسويق في الشركة، اضطرت إلى نقل محطة عملها من المكتب الذي اعتادت مشاركته مع ثلاثة آخرين إلى صالة العرض.
وقالت: "الجميع يعيدون التكيف تدريجيا مع سير العمل الجديد، لكنهم لا يزالون غريبين بعض الشيء. في بعض الأحيان اعتدنا أن نكون أربعة أشخاص بجوار بعضنا بعضا، كوعا بكوع أمام شاشة واحدة، ونعمل كما لو كنا شخصا واحدا".
ينصح الموظفون بعدم التوقف في أي مكان وهم في طريقهم إلى العمل. لم يكن هناك أحد داخل المطعم الصغير خارج المصنع منذ أسابيع.
قالت ماسييرو: "أعرف صاحب المكان. إن رؤيته هناك والباب مقفل وليس هناك عملاء أمر محزن ومؤلم حقا".
منذ ظهور العلامات الأولى للوباء في الصين في كانون الثاني (يناير) الماضي، تكيفت الشركة تدريجيا مع التباعد الاجتماعي وتخزين الكمامات ومعدات الوقاية الشخصية، ووسعت نطاق العمل عن بعد في الوقت الذي فرضت فيه إيطاليا إجراءات الإغلاق اعتبارا من 9 آذار (مارس) الماضي.
تمكنت السيدة ماسييرو من إعادة فتح جزء من شركتها في بداية نيسان (أبريل) الماضي، قبل الآخرين في إيطاليا من أجل صنع مقابض فولاذية للمعوقين في حمامات المستشفيات، التي وصفتها الحكومة بأنها ضرورية.
عندما رفعت الحكومة القيود المفروضة على الصناعات في جميع أنحاء البلاد في أيار (مايو) الماضي، أعادت شركة بي بي إيه إنتاجها الطبيعي، لتصل إلى 80 في المائة من طاقتها قبل الوباء بحلول منتصف الشهر.
ترجوالسيدة ماسييرو أن تتمكن الشركة من العودة إلى طاقتها الكاملة خلال الشهرين المقبلين، وذلك بفضل الطلبات من العملاء في ألمانيا والولايات المتحدة، السوقين الرئيسين للشركة.

وقت عصيب

إلى جانب العواقب على الاقتصاد، يشعر كثير من الناس بالقلق من الجروح النفسية التي خلفها الوباء. التعافي من صدمة العيش في عزلة وعدم اليقين الاقتصادي، وبالنسبة إلى بعض الناس وفاة الأصدقاء والأحباء، يمكن أن يستغرق وقتا طويلا.
قالت إريكا برناردي، مديرة المبيعات في بي بي إيه: "الأيام الأولى بعد تخفيف الإغلاق كانت سريالية، حيث كانت الشوارع لا تزال فارغة وما زال كثير من الناس خائفين.
"لا أعتقد أنه يجب أن يطلب من الناس الاستمرار في عزل أنفسهم لفترة من الوقت إذا كان بمقدورهم القيام بذلك". لا تزال التجمعات الاجتماعية محظورة ويلزم ارتداء الكمامات في وسائل النقل العام وفي الأماكن العامة المغلقة. ستظل المدارس مغلقة حتى أيلول (سبتمبر) المقبل، على الأقل.
قال فرانشيسكو بوارو، وهو مقيم ومدير التصميم الفني لمنتجات شركة بي بي إيه، إنه في بلدة أسولو القريبة والواقعة أعلى التل التي تعود إلى القرون الوسطى: "هناك شعور بالحيرة والخسارة".
وقال بوارو: "حياة الجميع صعقت بسبب استحالة التعامل مع وضع يائس، حيث تفيض المستشفيات بالمرضى وهناك الجنازات، الجنازات التي لا تحصى".
وهو قلق على طفليه، صبي يبلغ من العمر 13 عاما وفتاة تبلغ من العمر 15 عاما، وكلاهما يشعر بالوحدة في المنزل.
اعتاد أيضا على التطوع وتنظيم الأنشطة المجتمعية التي تم تعليقها جميعا. وقال: "اختفت نقطة مرجعية مهمة لمجتمعنا. تتكون الحياة من أشياء كثيرة باستثناء العمل والأسرة".
مع استمرار إغلاق المدارس، ليس أمام السيدة برناردي خيار آخر سوى ترك أطفالها مع جدهم وجدتهم عندما تذهب إلى العمل.
"هذا يجعلني قلقة للغاية، كبار السن هم الأكثر هشاشة الذين ينبغي حمايتهم من الفيروس وبالتالي عزلهم" على حد قولها.
إريكا أنيسي، التي تشرف على شبكة عملاء وشركاء بي بي إيه الدوليين، تفتقد السفر خاصة إلى نيويورك، حيث يوجد مكتب للشركة، كانت تقضي فيه عادة عشرة أيام في الشهر. رأيها أنه: "حتى لو وجدنا طرقا جديدة للمضي قدما، عندما يتعلق الأمر بالإبداع وتبادل الأفكار، ومشاركة الغرفة نفسها، فإن الوجود معا يصبح أمرا ضروريا".

التصميم للمستقبل

الآن بعد أن تم الانتهاء من الطلبات من المستشفيات الإيطالية التي أبقت آلات شركة بي بي إيه عاملة أثناء الإغلاق، تتحول الشركة لمواجهة تحديات التصميم لعالم ما بعد كوفيد - 19.
هناك تصميمات جديدة تستخدم مزيدا من مكونات النحاس بفضل خصائصه الطبيعية المضادة للميكروبات. وقد صنعوا نموذجا أوليا لمقبض يمكن استخدامه مع الكوع، لمنع انتشار الفيروس.
قالت السيدة ماسييرو: "وضعنا الطبيعي الجديد يتم بناؤه الآن حول الخوف من المرض. وتصميم أشياء جديدة يمكن أن تساعد على الحد من انتشار الأوبئة في المستقبل". وهي تعتقد أن دولا مثل الولايات المتحدة قد تضع تشريعات لفرض التباعد الاجتماعي في مباني المكاتب والأماكن العامة. وقالت: "نحن نعمل بجنون لتوقع كل هذا".
لن يتمكن جميع الموردين من التكيف بالسرعة نفسها. تتكون الصناعة التحويلية في إيطاليا، وفي فينيتو على وجه الخصوص، من شبكة من الشركات المحلية الصغيرة التي تعتمد بشكل كبير على بعضها البعض.
كان على الأغلبية العظمى أن تغلق لبضعة أسابيع، وتواجه معارك شاقة للعودة إلى طاقتها الكاملة. قالت السيدة أنيسي: "نحن نعرف بعض موردينا منذ أعوام، وهناك شعور كبير بالانتماء للمجتمع المحلي والتواصل هنا. حتى لو توقف واحد منهم فقط، فقد يؤدي ذلك إلى تأثير الدومينو في سلسلة التوريد بأكملها".
خارج العمل، تحلم السيدة ماسييرو بحياتها القديمة.
كانت تذهب إلى ميلانو لتناول فاتح للشهية مع الأصدقاء أو لمشاهدة الأوبرا، أو زيارة متاحف في روما، أو مشاهدة مباراة كرة قدم، ثم تناول البيتزا. وقالت: "هذا عندما أكون يائسة، عندما أفكر في كل تلك الأشياء التي نتخلى عنها. نحن نحاول البقاء على قيد الحياة فقط، لكننا لا نحيا الحياة بالمعنى الفعلي".

الأكثر قراءة