عواقب عدم المساواة في أمريكا تنفجر إلى العلن

عواقب عدم المساواة في أمريكا تنفجر إلى العلن
الشارع الأمريكي يردد مقولة فلويد: لا أقوى على التنفس.

أسوأ الانتفاضات المدنية في الولايات المتحدة منذ أكثر من نصف قرن، تجبر الأمريكيين الآن على مواجهة مشكلات عميقة الجذور، تتعلق بعدم المساواة العرقية ووحشية الشرطة، كل هذا، بينما تترنح أمريكا من وباء قتل أكثر من 100 ألف مواطن وحطم الاقتصاد.
الاحتجاجات على وفاة جورج فلويد، وهو رجل أسود غير مسلح، على أيدي شرطة مينيا بولس، بدأت بسلام قبل أن تتدهور إلى أعمال عنف ونهب وشغب في عشرات المدن.
قال أندرو كومو، حاكم نيويورك: "الليلة الماضية ... كانت ليلة قبيحة في جميع أنحاء البلاد" مضيفا أن "القضية الحقيقية هي استمرار العنصرية في هذا البلد. وهي مزمنة ومتوطنة ومؤسسية".
في مدينة نيويورك، حيث تم قلب سيارات الشرطة، وهوجمت المصارف وشركات أخرى، جادل البعض أن هذه هي المرة الأولى منذ إدارة العمدة ديفيد دينكنز 1991 تبدو فيها الشرطة على شفير فقدان السيطرة على الوضع.
قال ميتشيل موس، أستاذ الدراسات الحضرية في جامعة نيويورك: "لم نر نيويورك على هذا النحو منذ وقت طويل".
امتد الاضطراب أيضا إلى المدن الأصغر التي لا ينظر إليها عادة على أنها خلفية للصراعات العرقية، مثل سولت ليك سيتي، ولاية يوتا، حيث فرض رئيس البلدية حظر التجول حتى الصباح في محاولة لوقف العنف.
في مدينة روتشستر التي يقطنها 200 ألف نسمة في شمالي ولاية نيويورك، طلبت العمدة لوفلي وارين 200 جندي إضافي من شرطة الولاية، بعد أن تعرضت عشرات الشركات لهجمات ليلة السبت، حيث أشعلت النيران في السيارات وواجهت الشرطة صعوبة في التأقلم.
قالت السيدة وارن، وهي سوداء: "لن نتسامح مع هذه الاضطرابات في مدينتنا". وألقت باللوم على الغرباء في اختطاف شيء كان احتجاجا سلميا.
قال كريستوفر هايز، أستاذ التاريخ الحضري في جامعة روتجرز في نيوجيرسي، "إن الاضطراب هو الأسوأ منذ عصر الحقوق المدنية، ومن حيث الطبيعة واسعة الانتشار لهذا الأمر، عليك العودة إلى 1968، عندما اغتيل الدكتور مارتن لوثر كينج. ما يوضحه لنا هذا هو أن حالة مينيا بولس قصة أمريكية".
وفاة فلويد وما تلاها تحمل تشابها محبطا لحالات أخرى من عنف الشرطة ضد الأمريكيين السود، بما في ذلك رودني كينج في لوس أنجلوس، وأبنير لويما، وأمادو ديالو، وشون بيل وإريك جارنر في نيويورك، ومايكل براون في فيرجسون، ميسوري، على سبيل المثال لا الحصر.
جاء ذلك في الوقت الذي كان فيه كثير من الناس ما زالوا يهضمون رعب مقطع فيديو يظهر مقتل أحمد أربيري بالرصاص في شباط (فبراير) الماضي، على يد رجل من ولاية جورجيا ووالده، وهو مسؤول متقاعد لإنفاذ القانون. فقد حاولا احتجاز أربيري وهو يمارس رياضة الهرولة في حيهم في وضح النهار.
ما قد يميز رد الفعل على قضية فلويد، هو جودة الفيديو الذي كان يصور موته. وهو يظهر ضابط الشرطة ديريك شوفين راكعا على عنق فلويد لثماني دقائق، و46 ثانية حتى بعد أن أخذ يناشد الشرطي ليتيح له أن يتنفس.
الفيديو مزعج للغاية لدرجة أن المعلقين المحافظين الذين يندفعون عادة للدفاع عن الشرطة توقفوا إلى حد كبير. وقد أدان بعض ضباط الشرطة علنا إخوانهم في مينيا بولس.
قال البروفيسور هايز، مؤلف كتاب "نحن في المنزل" الذي سيصدر قريبا، حول مقتل رجل أسود أثار أعمال شغب في هارلم وبدفورد ستويفيسانت 1964: "يمكنك مشاهدة التدمير البطيء لحياة هذا الرجل، إنها تحتوي على كل مظاهرإعدام الزنوج وتعليقهم فوق الأشجار في الماضي".
بالنسبة إلى كثير من المراقبين، تتشابك احتجاجات فلويد ووباء فيروس كورونا كأمثلة على عدم المساواة التي تبدو مستعصية في أمريكا.
تشير الإحصائيات إلى أن مجتمعات السود والإسبان عانت بشكل غير متناسب الوباء.
وكما لاحظ كومو الأسبوع الماضي، فإن معدل الإصابة في أجزاء من بروكلين وكوينز يتجاوز 40 في المائة أو أكثر من ضعف المعدل في المدينة ككل. ويعزى هذا التباين إلى الفقر.
ربما يكون موت فلويد قد استفاد من اليأس الناجم عن الوباء الذي أدى إلى فقدان الملايين وظائفهم. كما قال موس: "هناك كثير من الغضب والألم الاقتصادي، وكل ذلك ينفجر الآن"
بالنسبة إلى مجتمعات الأقليات، يتفاقم هذا الدمار بشعور بأن الرئيس الذي دافع عن العنصريين البيض الذين حملوا المشاعل في مسيرة 2017 في شارلوتسفيل، فرجينيا، لا يهتم كثيرا بمحنتهم.
قال داريك هاميلتون، المدير التنفيذي لمعهد كيروان لدراسة الأعراق والأجناس والعرق في جامعة ولاية أوهايو: "نحن في مرحلة محورية في مجتمعنا حيث ستكون النتيجة المتفائلة أن ننحني فيها للعدالة وإلا فقد ننحني نحو شيء لا يشبه العدالة، مثل الفاشية".
بالنظر إلى حجم وطبيعة الاحتجاجات، كافحت السلطات من أجل إيجاد حلول. رد الشرطة القوي يمكن أن يعيد النظام، أو يأتي بنتائج عكسية عن طريق إثارة مزيد من الغضب.
قال السيناتور كوري بوكر لشبكة سي إن إن: "إنها لحظة في أمريكا لا يمكن أن تؤدي فقط إلى غضب مؤقت" مضيفا أنه كان يعد قانونا لإنشاء سجل وطني لسوء سلوك الشرطة.
جادل كثيرون، منهم الأستاذ هايز بأنه يجب على السلطات كحد أدنى التحرك بسرعة لاعتقال الضباط الثلاثة الذين كانوا يرافقون تشوفين، المتهم بارتكاب جريمة قتل من الدرجة الثالثة بعد أربعة أيام من وفاة فلويد.
وقال، إن هذا سيشير على الأقل إلى الجمهور إلى أن قدرا من العدالة سيأتي قريبا: "منع الشرطة من إعدام الناس في الشوارع مستوى منخفض بشكل لا يصدق".
نوقشت أفكار أخرى في الماضي لكنها ستكون أكثر إثارة للجدل، مثل الحد من قوة نقابات الشرطة التي تجعل من الصعب للغاية فصل أفراد الشرطة، مهما كانت التهم باستثناء أفظع أنواع السلوك.
استغرق الأمر نحو خمسة أعوام على سبيل المثال، لقسم شرطة مدينة نيويورك لفصل دانيال بانتاليو، الضابط الذي قتل إريك جارنر 2014 بعد أن أطبق بقبضة خانقة قوية للغاية عليه، تسببت في نوبة ربو. وكان جارنر، وهو أب لستة أطفال، قد اتهم بجريمة بسيطة هي بيع السجائر بالمفرق.
موته حرض على موجة من الاحتجاجات ودفع العمدة بيل دي بلاسيو إلى إدخال إصلاحات، بما في ذلك تدريب إضافي للشرطة، وإنشاء هيئة مراجعة مدنية وإلزام أفراد الشرطة بارتداء كاميرات الجسم.
قال أليكس فيتالي، أستاذ علم الاجتماع في كلية بروكلين ومؤلف كتاب "نهاية الشرطة": إن هذه الإجراءات فشلت ويرجع ذلك جزئيا إلى تزايد النفوذ السياسي والمالي لإدارات الشرطة.
قال البروفيسور فيتالي: "كانوا يلقون حاجزا بعد حاجز من خلال المساومة الجماعية في صناديق الاقتراع، من خلال جميع أنواع التدخلات البلاغية. الطريقة الوحيدة لمعارضة ذلك هي استخدام عملية الميزانية لسحب ألعابهم منهم".
قالت دانييل بوريفوي من مجموعة شعبية في ولاية كارولينا الشمالية، إنه لا جدوى من إصلاح الشرطة الأمريكية لأن أصولها عنصرية بطبيعتها: "الرواية السائدة حول عمل الشرطة هو أن المتهم مصاب بالاختلال. الحقيقة هي أن الشرطة في الواقع تعمل تماما بالطريقة المفترض أن تعمل بها".

الأكثر قراءة