FINANCIAL TIMES

التراجع طريق بروكسل الوحيد لضمان النجاة

التراجع طريق بروكسل الوحيد لضمان النجاة

أي شخص سبق له العمل في بروكسل سيكون على دراية بنظرية الدراجة كأساس للتكامل الأوروبي.
الفكرة هي أنه ما لم يواصل الاتحاد الأوروبي الضغط على الدواسة للمضي قدما، فسيسقط وينهار.
نظرية الدراجة أصبحت بالية بشكل خطير، ولكي ينجو الاتحاد الأوروبي، يحتاج في الواقع إلى أن يدعس على الفرامل ليتراجع.
البديل هو تصادم مميت محتمل بين مؤسسات الاتحاد الأوروبي ودوله.
زادت احتمالات نشوب الصراعات بشكل كبير بعد صدور حكم من المحكمة الدستورية الألمانية، تضع ألمانيا في مواجهة مباشرة مع البنك المركزي الأوروبي ومحكمة العدل الأوروبية.
قضت المحكمة الألمانية في كارلسروه، بأن برنامج البنك المركزي الأوروبي لشراء السندات - ساعد على صمود العملة الأوروبية - فشل في "اختبار التناسب" من خلال عدم مراعاة آثاره الاقتصادية الواسعة.
وذكرت أيضا أن محكمة العدل الأوروبية كانت تعمل خارج نطاق سلطتها، عندما أعلنت مشروعية برنامج البنك المركزي الأوروبي لشراء السندات.
مؤيدو الاتحاد الأوروبي المحتمسون انتابهم الهلع والذعر من قرار المحكمة الألمانية.
جادل البعض بأن قرار المحكمة قد "عرض النظام القانوني للاتحاد الأوروبي كاملا إلى الخطر" وأنه يجب على المفوضية الأوروبية الرد بـ"دعوى انتهاك"، بعبارة أخرى مقاضاة ألمانيا في المحكمة.
وجهة نظري هي أنه لأسباب عملية وديمقراطية على حد سواء، سيكون من الجنون أن يقاضي الاتحاد الأوروبي الحكومة الألمانية.
ألمانيا أكبر دولة في الاتحاد الأوروبي وأكبر المساهمين في ميزانيته.
لا يمكن بناء الاتحاد الأوروبي في مواجهة دوله الأعضاء - على الأقل ليس ألمانيا.
يمكن للاتحاد الأوروبي أن ينجو من "بريكست"، أما دون ألمانيا، فلن يكون هناك اتحاد أوروبي.
تشير استطلاعات الرأي في ألمانيا إلى أن المحكمة الدستورية أكثر المؤسسات احتراما في البلاد. كما يعد البنك المركزي الألماني تقليديا الحارس الرئيس لديمقراطية ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية - وضمان ألا يعود التضخم المفرط خلال أعوام فايمار أبدا.
إن إخضاع الاتحاد الأوروبي لمرتكزين مهمين لضمان استقرار ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، سيؤدي إلى رد فعل عنيف من العامة الألمان.
إذا تصرفت ألمانيا بطريقة منافية للديمقراطية في الأساس، عندها قد يكون هذا النوع من المواجهة القاتلة، واجبا لا مفر منه.
وفي حين أنه من الممكن الاعتراض على كل من المنطق الاقتصادي والمنطق القانوني الكامنين وراء قرار المحكمة الدستورية الألمانية، لا يوجد ما يشير إلى أن المحكمة قد تصرفت بطريقة غير ديمقراطية أو غير لائقة.
وجهة نظر الاتحاد الأوروبي هي أن محكمة العدل الأوروبية هي المحكمة العليا وتجب المحكمة الدستورية الألمانية.
إذا شرع الاتحاد الأوروبي في دعاوى الانتهاك، فإن النزاع بين محكمة العدل الأوروبية والمحكمة الدستورية الألمانية ستفصل فيه محكمة العدل الأوروبية نفسها - وهو وضع دائري من شأنه أن يقوض على الفور، القوة الأخلاقية لحكمها.
صحيح أن السماح بسريان حكم محكمة كارلسروه ليس أمرا هينا. في أسوأ الأحوال، يشكل مخاطر حقيقية على بقاء اليورو، وكذلك جهود الاتحاد الأوروبي ليبقى مقرا للديمقراطيات الليبرالية.
استغلت المجر وبولندا - اللتان تتسبب حكومتاهما في تقويض ديمقراطياتهما الوطنية بسرعة - حكم كارلسروه لتبرير جهودهما في تجاهل قانون الاتحاد الأوروبي.
كان من المتوقع أن يكون رد فعل الحكومة المجرية، التي يقودها فيكتور أوربان، بهذه الطريقة.
أوربان يستخدم أي حجة مهما كانت زائفة، لتبرير ما كان سيفعله على أي حال.
في الواقع، تختلف حالتا المجر وبولندا تماما عن حالة ألمانيا. إن حكومتي وارسو وبودابست تقوضان حقا استقلالية محاكمها. على النقيض من ذلك، أثبتت محكمة كارلسروه حريتها من التأثير السياسي، بإصدار حكم غير ملائم للغاية بالنسبة إلى برلين.
إن شروع الاتحاد الأوروبي في إجراء دعاوى انتهاك ضد المجر وبولندا له ما يبرره، بالنظر إلى أن مؤسساتهما الديمقراطية مهددة بالفعل.
على المدى الطويل، سيتم تحديد مصير ديمقراطيتي المجر وبولندا داخل هاتين الدولتين، وليس من قبل بروكسل.
كما أن لحكم المحكمة الدستورية الألمانية أيضا آثارا كبيرة في العملة الأوروبية الموحدة.
يعتقد على نطاق واسع أن الصدمة الاقتصادية التي سببها كوفيد - 19، تعني أن استمرار الإجراءات الجذرية التي يتخذها البنك المركزي الأوروبي هي الشيء الوحيد الذي يقف بين الاتحاد الأوروبي وأزمة ديون أخرى.
إذا قيدت المحاكم الألمانية أيدي البنك المركزي الأوروبي "أو منعت البنك المركزي الألماني من المشاركة في برامج البنك المركزي الأوروبي"، فمن المحتمل أن يكون بقاء اليورو أمرا مشكوك فيه.
يجب أن تكون هناك طريقة ديمقراطية للخروج من هذا الوضع. يجادل المعارضون الألمان لقرار محكمة كارلسروه بأن القضاة لا يعكسون سوى مجموعة صغيرة من المحافظين داخل بلادهم. إذا كان ذلك صحيحا، فإن المجال مفتوح أمام برلين لمحاولة تعديل الدستور الألماني أو معاهدات الاتحاد الأوروبي، لتوضيح قانونية إجراءات البنك المركزي الأوروبي.
إذا لم تستطع برلين أن تفوز في النقاش داخل البلاد - أو في سياق الاتحاد الأوروبي الأوسع نطاقا - ربما تضطر ألمانيا إلى التفكير في ترك العملة الأوروبية الموحدة.
حتى إثارة هذه القضية يمكن أن توافر وضوحا مفيدا. ربما تقنع الألمان بأن أفعال البنك المركزي الأوروبي ليست غير مقبولة، بعد كل شيء.
أو قد تقنع شركاء برلين الأوروبيين بأنهم بحاجة إلى فعل المزيد، من باب احترام الشكوك الألمانية حول إدارة اليورو.
هذا النوع من النقاش الأساسي أمر طال انتظاره. لا يمكن ضمان بقاء الاتحاد الأوروبي ببساطة، عن طريق الدأب على تحريك الدراجة الاتحادية بقوة أكبر من أي وقت مضى.
كما يجب إعادة تقييم مسار العمل ومناقشته والاتفاق عليه.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES