شركات النفط والغاز تعاني أزمة ثلاثية .. وعودة التوترات التجارية تضغط على الأسعار

شركات النفط والغاز تعاني أزمة ثلاثية .. وعودة التوترات التجارية تضغط على الأسعار

استهلت أسعار النفط الخام الأسبوع على ارتفاع بنحو 3 في المائة، رغم عودة مخاوف التوتر التجاري بين الولايات المتحدة والصين واستمرار تخمة الإمدادات النفطية، والتي تضغط على الأسعار، في مقابل ضعف الطلب العالمي على النفط الخام وتواصل نمو المخزونات النفطية الأمريكية.
ويواصل المنتجون في "أوبك" وخارجها تقييد المعروض النفطي بخفض الإنتاج وفق الاتفاقية التي تجمع دول "أوبك+" وتقضي بخفض المعروض العالمي بنحو 9.7 مليون برميل يوميا، كما تتلقى الأسعار دعما نسبيا من عودة الأنشطة الاقتصادية وتخفيف القيود التي فرضتها أغلب دول العالم في بداية انتشار جائحة كورونا.
وقال لـ"الاقتصادية" مختصون ومحللون نفطيون إن سوق النفط تجتاز بالفعل أزمة غير مسبوقة، حيث تسببت الجائحة في تدمير الطلب وباتت مهمة وقف تراجع الأسعار ثقيلة على كاهل كل المنتجين، لافتين إلى أن الخفض الجديد يأتي في توقيت مهم لتقليل التداعيات السلبية على الأسعار ومحاولة تحفيز السوق نحو استعادة التوازن ومن المنطقي ألا تستمر الضغوط الهبوطية على الأسعار إلى ما لا نهاية.
وذكر المختصون أن أغلب شركات النفط والغاز تعاني حاليا أزمة ثلاثية: انخفاض الإيرادات، وضعف الطلب، وامتلاء صهاريج تخزين النفط، وهو ما يجعل تقديم الدعم طويل الأجل الرئيس لأسعار النفط والغاز هو محور الجهود الدولية للتغلب على الأزمة الحالية.
وأكد روبرت شتيهرير؛ مدير معهد فيينا الدولي للدراسات الاقتصادية، أن أغلب دول العالم بدأت بالفعل في التخلي عن سياسات الإغلاق الاقتصادي بشكل تدريجي بطيء ولكن الشكوك المحيطة بتعافي الطلب ما زالت قوية على مدى العام الجاري، على أقل تقدير، خاصة في ضوء تقديرات بأن انخفاض الطلب قد يصل إلى 30 مليون برميل يوميا في أيار (مايو) الجاري، كما أن التعافي النسبي للأسعار قد يحدث بنهاية العام حول مستوى بين 30 أو 40 دولارا للبرميل - بحسب بعض التقديرات والدراسات الاقتصادية الدولية.
وأشار إلى وجود تقديرات لشركة "ريستاد إنرجي" الدولية تتوقع خفض ميزانيات شركات النفط والغاز بنحو 100 مليار دولار خلال العام الجاري 2020، وذلك في إطار التداعيات السلبية للجائحة، حيث إن الخسائر قد تتفاقم إذا بقيت أسعار النفط دون 30 دولارا للبرميل في 2021 فقد يصل الخفض الإجمالي إلى 150 مليار دولار.
من جانبه، قال دامير تسبرات؛ مدير تنمية الأعمال في شركة "تكنيك جروب" الدولية، إن السيطرة على الجائحة والتوصل إلى علاج فعال لها قد يبدل الأوضاع بشكل جذري في الاقتصاد العالمي، وبخاصة في سوق النفط الخام، موضحا أن وكالة التصنيف "موديز" طرحت تطورا متفائلا لوضع السوق يشمل قرب تجاوز الأزمة وعودة ارتفاع أسعار النفط على المدى المتوسط، التي قدرتها بأن تراوح بين 50 و70 دولارا للبرميل.
وأضاف أن كل أطراف الصناعة تواجه واحدة من الأزمات التاريخية غير المسبوقة من جراء كارثة كورونا، ولم يقتصر الأمر على خفض الإنفاق في شركات النفط العالمية، بل يحدث أيضا حالة من الانهيار المالي الواسع في قطاع النفط الصخري الزيتي في الولايات المتحدة وتسجيل مزيد من حالات الإغلاق المتكرر في شركات النفط الرملي الكندي، ولذا تجاوب قطاع كبير من المنتجين مع صفقة "أوبك+" الجديدة للحد من المعروض وتقديم بعض الدعم للأسعار في ظل هذه الأزمة الطاحنة.
من ناحيته، ذكر لوكاس برتريهر؛ المحلل في شركة "أو إم في" النمساوية للنفط والغاز، أن التخمة الفائقة الموجودة في الأسواق من الصعب علاجها بشكل جذري وسريع، خاصة أنه لا يمكن إغلاق إنتاج بنحو 25 إلى 30 مليون برميل يوميا وهو ما يعادل حجم التدمير في الطلب.
وأشار إلى أن السوق تلقت دفعة جديدة من التفاؤل مع عودة حركة المرور في الصين إلى طبيعتها وتخفيف قيود الإغلاق في عديد من الولايات الأمريكية، مبينا أن الدولتين هما ركيزتا الطلب العالمي على النفط الخام. ولفت إلى حالة الوفرة في المعروض، مضيفا "لن تستمر كثيرا إذا وضعنا في الحسبان عودة مخاطر الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، إلى جانب أن مستويات الاستثمار في النفط والغاز - منذ نحو عقد – كانت بالفعل أقل بكثير مما هو مطلوب في السوق العادية، حيث لم يحظ انخفاض الاستثمار الخطير بكثير من الاهتمام وسط تطورات الأسعار السلبية، وخلافات بعض المنتجين وتحديات الاقتصاد العالمي". بدورها، قالت نايلا هنجستلر؛ مدير إدارة الشرق الأوسط وإفريقيا في الغرفة الفيدرالية النمسوية، إن بعضهم يراهن على حدوث صدمة محتملة لأسعار النفط في الاتجاه الصعودي على المدى الطويل من جراء ضعف الاستثمارات الجديدة ونضوب وإغلاق الحقول بسبب عدم الجدوى الاقتصادية في ظل ظروف السوق الراهنة وتردي بيئة الأسعار.
وأشارت إلى بعض التقارير الدولية التي تحذر من أن عدم وجود استثمارات جديدة يمكن أن يهدد بانخفاض الإنتاج بنسبة من 6 إلى 12 في المائة سنويا.
وذكرت أن معظم المحللين يتوقعون أن يكون 2021 عاما صعوديا للغاية بالنسبة للنفط بسبب تخفيضات الاستثمار وعمليات الإغلاق وفقد الوظائف، لافتة إلى أن الإنتاج الأمريكي من النفط الصخري يجد صعوبات جمة في الإنتاج والتسويق في ظل الجائحة الراهنة، مبينة أن 20 مليون برميل يوميا من الطلب على الصادرات الأمريكية خلال الشهر الماضي كان لغرض تخزين النفط.
وفيما يخص الأسعار، صعدت أسعار النفط 3 في المائة أمس، مع إعلان المزيد من الدول أنها ستبدأ تخفيف إجراءات العزل العام المرتبطة بتفشي فيروس كورونا بينما بدأت أكبر الدول المنتجة في العالم تخفيضات في إمدادات الخام.
وبحسب "رويترز"، هوى الطلب العالمي على الوقود بحوالي 30 في المائة في نيسان (أبريل) فيما يرجع إلى حد كبير الى أوامر البقاء في المنزل، ومن المتوقع أن يؤدي استهلاك ضعيف إلى بقاء فائض المعروض في الأسواق لشهور حتى مع قيام منتجين عالميين كبار بخفض الانتاج اعتبارا من أول مايو أيار. لكن محللين قالوا إن تحركا سريعا من تلك الأطراف قد يساعد في تقليل تخمة المعروض بخطى أسرع. وأنهت عقود خام القياس العالمي مزيج برنت جلسة التداول مرتفعة 76 سنتا، أو 2.9 في المائة، لتسجل عند التسوية 27.20 دولار للبرميل.
وصعدت عقود خام القياس الأمريكي غرب تكساس الوسيط 61 سنتا، أو 3.1 في المائة، لتسجل عند التسوية 20.39 دولار للبرميل.
وواصل الخامان القياسيان الصعود في التعاملات اللاحقة على التسوية موسعين مكاسبهما إلى أكثر من 5 في المائة.
وقال جين مكجيليان نائب رئيس بحوث السوق في تراديشن انريجي في ستامفورد "من المفترض أن نرى تخفيضات الانتاج تبدأ في الظهور... الاستئناف البطئ للنشاط ليس فقط في بعض الولايات هنا في الولايات المتحدة بل أيضا في بضع الدول في أوروبا يبدأ في التخفيف بشكل جزئي من بعض مخاوف الطلب".
وقال بنك الاستثمار الأمريكي جولدمان ساكس إنه متفائل بشكل متزايد بشأن صعود أسعار الخام العام القادم بسبب تراجع انتاج الخام وتعاف جزئي في الطلب على النفط.
ورفع البنك توقعاته للعام 2021 لسعر خام برنت القياسي العالمي إلى 55.3 دولار للبرميل من 52.50 دولار. وزاد أيضا تقديراته لخام غرب تكساس الوسيط إلى 51.38 دولار للبرميل من 48.50 دولار في توقعاته السابقة.
ولاقت الأسواق دعما الأسبوع الماضي من دلائل على تراجع معدلات الإصابة بفيروس كورونا، في حين من المقرر أن يبدأ منتجو النفط الكبار بقيادة السعودية وروسيا خفض الإنتاج في أول أيار (مايو).
وقال أكبر منتجين في الولايات المتحدة، "إكسون موبيل" و"شيفرون"، إنهما سيخفضان الإنتاج 400 ألف برميل يوميا هذا الربع.
يتزامن خفض الإنتاج مع تخفيف القيود على الأنشطة في بعض المدن الأمريكية، وفي أنحاء العالم، الذي من المتوقع أن يخفف تخمة الوقود العالمية والضغط عل صهاريج التخزين ليسهم بدوره في دفع الأسعار للصعود.
لكن تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب؛ ببحث زيادة الرسوم الجمركية على الصين ردا على تفشي فيروس كورونا جددت المخاوف من أن التوتر التجاري قد يعرقل التعافي الاقتصادي ويوقف مكاسب أسعار النفط.
من جانب آخر، تراجعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 16.52 دولار للبرميل الجمعة الماضي مقابل 18.05 دولار للبرميل في اليوم السابق.
وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" أمس، إن سعر السلة، التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق أول انخفاض عقب ارتفاع سابق، كما أن السلة كسبت نحو دولارين، مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي، الذي سجلت فيه 14.31 دولار للبرميل.

الأكثر قراءة