«كوفيد - 19» .. أزمة عالمية غير مسبوقة «2 من 2»

نحن حقيقة نمر بفترة زمنية ليس لها نظير. فجائحة "كوفيد - 19" تشكل أزمة عالمية غير مسبوقة، ما من منطقة في العالم أفلتت منها. فقد أصيبت منطقتا الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصدمتين كبيرتين تدعم كل منهما الأخرى.
أولا، سجلت كل الدول تقريبا في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى حالات إصابة مؤكدة بفيروس كورونا. وكانت هذه الفاشية قد اجتاحت مناطق أخرى من العالم في بادئ الأمر، ما خفض الطلب الخارجي بدرجة كبيرة. وقد أثر تباطؤ النشاط العالمي الناجم عن ذلك في سلاسل القيمة العالمية في المنطقة، وقطاعات التجزئة والصناعات التحويلية الغنية بالوظائف، فضلا عن المشاريع الصغيرة والمتوسطة. وفي الوقت نفسه، فإن الإجراءات الاحتوائية التقييدية التي اتخذتها حكومات المنطقة والمخاوف من الإصابة بالعدوى تضعف طلب المستهلكين، ولا سيما في قطاعات السياحة والضيافة والتجزئة. ومن المتوقع أن يلحق ضرر بالغ خصوصا بالدول الهشة والمتأثرة بالصراعات، ما يؤدي إلى تفاقم حدة التحديات الكبيرة بالفعل التي يفرضها الوضع الإنساني ووجود اللاجئين.
ثانيا، إضافة إلى كل ذلك، فإن الهبوط الحاد في أسعار النفط منذ بداية العام زاد تعقيد الأمور لكثير من الدول في منطقتنا. فالدول المصدرة للنفط، خصوصا، تعرضت لصدمة مزدوجة يتزامن فيها انخفاض أسعار النفط مع انخفاض أكبر في الطلب على منتجاتها.
وفي الوقت ذاته، ازدادت حدة تضييق الأوضاع المالية العالمية أيضا، مع حدوث ارتفاع حاد في نسبة العزوف عن المخاطر، ما أدى إلى خروج تدفقات رأسمالية كبيرة من جميع الأسواق الصاعدة. وهو ما يضاف للتحديات التي تواجه منطقتنا.
وكانت دول منطقتنا سريعة جدا في استجاباتها لمواجهة الأزمة. ووفقا لما نبرزه في تقريرنا عن مستجدات آفاق الاقتصاد الإقليمي، اتخذت إجراءات لحماية الأرواح واحتواء انتشار الفيروس ودعم القطاعات المتضررة بشدة. وزادت كل الدول إنفاقها على الرعاية الصحية لدعم تلبية الاحتياجات الطارئة والمتعلقة بالبنية التحتية. وتم الإعلان كذلك عن اتخاذ تدابير على مستوى المالية العامة في مختلف دول المنطقة، بمتوسط قدره 3.8 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، وشملت تدابير على جانبي الإيرادات والنفقات. إضافة إلى ذلك، أعلنت البنوك المركزية في دول المنطقة اتخاذ إجراءات كبيرة لدعم السيولة، وقامت بتيسير سياساتها النقدية، واستخدمت أسعار الصرف كهامش أمان حسبما كان ذلك ملائما.
وبناء على هذه الخلفية، أستعرض الآفاق المتوقعة للمنطقة، وأتناولها بالنقاش بمزيد من التفصيل في تقرير مستجدات آفاق الاقتصاد الإقليمي.
نتوقع أن تسجل المنطقة انكماشا هذا العام، ما سيكون له أثر اقتصادي كبير. وهذا التخفيض في التوقعات بأكثر من أربع نقاط مئوية من إجمالي الناتج المحلي في عام واحد يساوى انخفاض الناتج الكلي للمنطقة بمقدار 425 مليار دولار. وتأتي هذه التعديلات بالنسبة لكل الدول تقريبا أعلى من التعديلات المسجلة أثناء الأزمة المالية العالمية في 2008.
وبالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان، نتوقع أن تسجل انكماشا بنسبة 3.1 في المائة هذا العام. وذلك في أعقاب تسجيل توسع بنسبة 0.7 في المائة في العام الماضي.
وأنتقل الآن إلى منطقة القوقاز وآسيا الوسطى، حيث نتوقع حدوث انكماش بنسبة 1 في المائة في 2020، بعد أن بلغت معدل نمو بنسبة 4.8 في المائة في أوائل العام الجاري. ونظرا لقوة الصلة بين الدول المستوردة للنفط والغاز في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى في مجالات التجارة والسياحة وتحويلات العاملين في الخارج مع بعض المناطق الأشد تأثرا بالجائحة حول العالم، فمن المتوقع أن تتأثر بدرجة أشد من غيرها، حيث يتراجع النمو من 6.2 في المائة عام 2019 إلى -2.2 في المائة في 2020.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي