مرحلة حاسمة .. لا مجال للاستهانة

لا تزال جائحة كورونا تعصف بالعالم من شرقه إلى غربه، وتتزايد الأعداد بشكل كبير سواء في أعداد المصابين أو أعداد الوفيات، وأصيب كثير من الشخصيات السياسية المهمة في العالم. ومع كل الجهود التي يبذلها العالم من أجل اكتشاف علاج أو لقاح مضاد للجائحة إلا أن البشر لم يجدوا علاجا ناجعا أو مضادا، وكل شيء بمشيئة الله. والسعودية جزء من هذا العالم ووصل الفيروس إلى بعض المدن فيها رغم الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة السعودية لمحاصرة المرض، وعند التأمل في الأسباب التي أدت إلى وصول الفيروس إلى الداخل السعودي نجدها تتركز في عدم الالتزام بالتعليمات التي أوصت بها وزارة الصحة، وذلك على الرغم من جهود وزارة الداخلية في تطبيق تلك الإجراءات.
من المهم ونحن نمر بهذه الأيام الصعبة أن نسترشد بكلمات خادم الحرمين الشريفين، التي صارح بها المواطنين والمقيمين، بأن جائحة كورونا تمثل واقعا صعبا، وأن الأيام المقبلة قد تحمل ما هو أصعب، ليس لدينا فقط؛ بل في العالم أجمع. هذا الحديث وتلك الكلمات ليس إلا مشعل نور لنا في هذه الأيام، فقد أكد - حفظه الله - أننا قادرون على تجاوز الحدث باعتمادنا على الله تعالى - جل شأنه - ثم بالتزام المواطن والمقيم بما تصدره الدولة من قرارات، وما تتخذه من إجراءات، وتوجهه من تحذيرات. هكذا جاءت كلمات خادم الحرمين الشريفين، حيث وضع المواطن في أهم مكانة، وهو السلاح الأهم في مواجهة المرض. لقد بذلت الحكومة السعودية أفضل الإجراءات الموصى بها في مثل هذه الظروف، وبفضل الله، ثم بفضل أن الحكومة تعاملت مع هذا الواقع بكل جدية منذ اللحظات الأولى لاكتشافه، فقد كانت النتائج تشير إلى أن تبقى أعداد المصابين والوفيات في حدها الأدنى، ومع ذلك، فإن هذا الإنجاز مهدد تماما في حال لم يلتزم المجتمع بتعليمات البقاء في المنزل. ولهذا فإن توصيات وزارة الصحة تؤكد أن المملكة لم تزل قادرة - بإذن الله تعالى - على إبقاء الجائحة في حدودها الدنيا، ولكن ذلك قد لا يستمر - لا سمح الله - إذا لم يكن هناك وعي مجتمعي يدعم الجهود.
لقد وضعت قيادتنا الرشيدة كرامة الإنسان في أعلى مرتبة، وتم من أجل ذلك تعليق كثير من الأعمال الحكومية، وتعليق العمل بكثير من الأنظمة التي تتعلق بالإقامة، والعمل النظامي، وذلك لأن صحة الإنسان في قمة أولوياتها، كما أخذت قرارات شديدة الأثر اقتصاديا من بينها: وقف رحلات الطيران، وإيقاف الدراسة، وتعليق الأعمال غير المتعلقة بضرورات الحياة، والعمل الحكومي سواء في القطاعين العام أو الخاص، وعوضت الجهات المتضررة بمليارات الريالات، وتحملت 60 في المائة من رواتب موظفي القطاع الخاص، وحدت من تهديد فصل العمال، كما دعمت المنشآت الاقتصادية بما يزيد على 120 مليارا، وعلقت العمرة، وتم الاكتفاء برفع الأذان في المساجد؛ ما قلل المخالطة 90 في المائة. وعلى الرغم من شدة هذه الإجراءات إلا أن الحكومة واجهت تهاون بعض فئات المجتمع بموضوع المخالطة، وعدم الالتزام بالتعليمات الداعية إلى البقاء في المنازل وعدم مغادرتها إلا في حالات الضرورة القصوى، والابتعاد عن التجمعات؛ الأمر الذي من شأنه عرقلة الجهود الرامية إلى الحد من انتشار الفيروس ومحاصرته.
لقد قدمت القيادة السعودية الرشيدة دعما كبيرا للقطاع الصحي بلغ 47 مليار ريال؛ لرفع جاهزيته وتأمين الأدوية وتشغيل الأسرّة الإضافية، وشراء أجهزة طبية ومستلزمات صحية مطلوبة، مثل أجهزة التنفس الاصطناعي، وأجهزة وعينات الفحوص الاستكشافية، وتأمين كوادر طبية وفنية من الداخل والخارج. ومع ذلك فإن المسألة ليست معلقة على جاهزية القطاع الصحي؛ بل إن لهذا الفيروس سرعة في الانتشار أكبر من طاقة كل القطاعات الصحية في العالم مجتمعة، ولا يوجد حل أمام هذه السرعة في الانتشار سوى التباعد الاجتماعي، ولذا فإن عدم التزام المجتمع بتعليمات البقاء في المنزل، قد يقودنا إلى المربع الأول، وقد يرفع أعداد الإصابات بفيروس كورونا في السعودية "لا قدر الله" إلى ما فوق 200 ألف إصابة، بحسب الدراسات التي أفصح عنها وزير الصحة، لكن ذلك يمكن السيطرة عليه في حال التزم جميع السكان من مواطنين ومقيمين بعدم مغادرة منازلهم.
إن أهم دعم يمكن أن يقدمه المجتمع اليوم لهذه الجهود الكبرى هو منح الوقت لتوفير أكبر قدر ممكن من أجهزة التنفس الاصطناعي وغيرها من الأجهزة والمستلزمات الطبية الضرورية، والاستفادة من آخر العلاجات أو اللقاحات التي تثبت فائدتها طبيا لعلاج أو حماية المواطنين والمقيمين، وهذا الوقت الممنوح يمكن تقديمه بأقل تكلفة على الأسر السعودية، وهو البقاء في المنزل، وعدم الخروج إلا للضرورة القصوى فقط، هذا الوقت يعوق تقدم الفيروس وإنتاجه بؤرا جديدة؛ ما يسهم في علاج المصابين حاليا، وهو الهدف الأسمى للجميع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي