أسعار النفط مرآة مستقبل صناعته «1»

 لن أتطرق في هذا المقال إلى أهمية النفط مصدرا للطاقة ناضبا، ولا إلى استخداماته الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى، التي نراها واضحة جلية من حولنا وأينما وقعت أنظارنا، فقد خصصت لبعض استخداماته أكثر من مقال. كتبت قبل ثلاثة أعوام، في عام 2017، مقالا بعنوان "منتجو النفط بين التفاضل والتكامل"، ذكرت فيه أن العلاقة بين منتجي النفط تحكمها المصالح والظروف، وأن العلاقة "آنذاك" بين "أوبك" والمنتجين المستقلين، باستثناء النفط الصخري الأمريكي، علاقة تكاملية حتمتها المرحلة لإعادة التوازن لأسواق النفط، التي نتج عنها الاتفاق التاريخي بين "أوبك" وروسيا "أوبك +" بقيادة المملكة. بينما كانت العلاقة بين منتجي النفط التقليدي والنفط الصخري علاقة تنافسية، بسبب بزوغ نجم النفط الصخري الأمريكي، وزيادة إنتاجه بصورة قوية وسريعة، الذي جعل من الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط في العالم. بزوغ نجم النفط الصخري غيّر المعادلة النفطية، حيث أوجد لنفسه مكانا بين كبار المنتجين المؤثرين، وأصبح رافدا من روافد النفط لا يمكن تجاهله أو تهميشه. اختتمت ذلك المقال بأنه من غير المستبعد، بل من الطبيعي أن تصبح العلاقة "تكاملية" بين منتجي النفط التقليدي والنفط الصخري الأمريكي! أعزز قناعتي السابقة بحقيقة أن أهمية صناعة النفط وثمارها، التي يقطفها ويتقلب في نعمائها جميع البشر بلا استثناء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، لا يساوم فيها أحد، بل يتفق عليها الجميع، ويعي ذلك يقينا المنتجون والمستهلكون على حد سواء. كون النفط الصخري أوجد لنفسه مكانا في هذه المعادلة، فسيجري عليه في رأيي ما يجري على طرفي المعادة الآخرين. الأسعار المتدنية التي وصل إليها النفط الأسبوع السابق، التي بلغت نحو 20 دولارا ليست في مصلحة أي طرف من المنتجين دون استثناء، مع تفاوت نسبة الضرر بسبب تفاوت "اللياقة النفطية" التي تتمتع بها السعودية، بسبب قدرتها على رفع إنتاجها إلى 12 مليون برميل يوميا في الوقت الجاري، وإلى حدود 13 مليون برميل يوميا في القريب العاجل. هذه الأسعار قد "تتضايق" منها السعودية، لكن في المقابل "ستتألم" منها روسيا، "وستئن" منها جل شركات النفط الصخري المثقلة بالقروض والمهددة بالخروج من المنافسة وإشهار الإفلاس. رغم التصريحات الروسية "الغريبة" نهاية الأسبوع الماضي عقب دعوة السعودية عقد اجتماع عاجل لـ"أوبك +"، التي لا تخدم أبدا مصلحة أسواق النفط في هذه المرحلة الحرجة، بسبب الأوضاع الاقتصادية العالمية وجائحة كورونا. رغم هذه التصريحات والمراوغة السياسية، إلا أنني أتوقع الوصول إلى اتفاق استثنائي يتسق مع الأوضاع الاستثنائية الحالية، التي لم تحدث منذ عقود طويلة. يدعم قناعتي تحرك غير مسبوق من الرئيس الأمريكي، الذي تواصل مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس الروسي، لتنسيق الجهود وإعادة التوازن لأسواق النفط بتعميق خفض الإنتاج، لترتفع الأسعار التي اعترف الرئيس الأمريكي بأنها منخفضة جدا وستتضرر منها صناعة النفط الأمريكية! هذه نقطة تحول مهمة في العلاقة بين المنتجين نحو التكامل، أضف إلى ذلك إبداء منتجي النفط الصخري في "تكساس" رغبتهم في خفض الإنتاج إذا ما تم الوصول إلى اتفاق عالمي. نكمل ما بدأناه في المقال المقبل - بإذن الله.           

المزيد من مقالات الرأي