العمل الوطني المنفرد لا يصلح لصد الجائحة العالمية

العمل الوطني المنفرد لا يصلح لصد الجائحة العالمية
الطريق إلى وقف تفشي الفيروس القاتل يبدأ بالتنسيق بين واشنطن وبكين.

مرة في كل جيل، ولربما مرة في كل قرن، يجب على القادة السياسيين إشعال نيران من التصورات المسبقة لمواجهة حالة طوارئ مشتركة.
الآن هي تلك اللحظة. قد يحدد التاريخ في نهاية المطاف، القرن الـ21 من خلال التنافس الجيوسياسي القوي بين الولايات المتحدة والصين، والمصالح القومية لهاتين القوتين العظميين تظل واحدة في المستقبل القريب؛ بل مصالح الدول الأوروبية،كذلك.
بيد أن واشنطن وبكين تتجهان إلى الاتجاه المعاكس. لعبة اللوم - الطرد المتبادل للصحافيين، ووصف الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لـ «كوفيد - 19» بأنه الفيروس الصيني - تشير إلى طريق خطير للانهيار الدولي.
العمل الحيوي لعلماء الأوبئة وواضعي السياسات الاقتصادية سيصبح عديم الجدوى، إذا اختارت القوى الرائدة القتال بدلا من التعاون.
جائحة فيروس كورونا بدأت بالصين، وباتت بؤرتها في أوروبا، وتنتشر بسرعة في جميع أنحاء الولايات المتحدة (تحولت إلى البؤرة الجديدة).
لا يمكن هزيمة الجائحة في إحدى هذه المناطق، بمفردها، إلا إذا هزمت في المناطق الثلاث. احتواؤها وتغطية التكاليف البشرية والاقتصادية، يتطلبان أن تعمل مراكز القوة العالمية جنبا إلى جنب. المعتقدات الاقتصادية السائدة أصبحت بالية من جراء الأزمة.
كما هو الحال مع الاقتصاد، وكذلك مع السياسة. لا تتوافق الحدود المغلقة وحزم التحفيز المالي التي تعمل بمفردها، مع حجم حالة الطوارئ.
هناك تجزئة للاستجابات الدولية. وهناك تهديد عالمي أثار الغريزة البشرية للانغلاق. الحدود مغلقة، والصين سعت لإخفاء التفشي الأولي للجائحة، في ووهان قبل أن تتحرك متأخرة لإغلاق المنطقة المتضررة.
ترمب قضى أسابيع في إنكار سريالي، رافضا الفيروس باعتباره خبرا زائفا أو مؤامرة من الحزب الديمقراطي، قبل أن يتجه عائدا إلى العالم الحقيقي.
يبدو أن الأوروبيين نسوا ما يعني أن تكون حسنا، أوروبيا. يمكن أن تدعي أنجيلا ميركل؛ رئيسة وزراء ألمانيا، ذات مرة أنها الحارس لشيء يسمى التضامن الأوروبي - السياسي، وفهمت أن العمل الجماعي في أزمة يؤدي إلى نتائج أفضل من الانفراد.
ليس هذه المرة، فقد سلكت ألمانيا طريقها منفردة. المفوضية الأوروبية همشت، إذ تعمل 27 دولة على 27 خطة عمل.
كان قرار إيطاليا بتطبيق حظر صارم للحد من انتشار الفيروس لمصلحة الجميع. ومع ذلك، فقد فشلت في الحصول على عروض من الآخرين لتقاسم التكاليف الاقتصادية الضخمة.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون؛ كافح لإخفاء إحباطه. الأخبار لم تكن كلها سيئة. البنوك المركزية نسقت من كثب تخفيضات أسعار الفائدة والتسهيل الكمي لدعم سيولة الأسواق المالية. العلماء يتجاهلون الحدود والأيديولوجية في البحث المحموم عن علاج، وفي النهاية إيجاد لقاح للجائحة.
وزراء المالية من مجموعة السبع اتفقوا على التشاور أسبوعيا، حول أفضل مكان لتوجيه مدافع البازوكا المالية.
إن مسعى "إصلاح العولمة" - الوكالات الدولية والأنظمة البيروقراطية التي تقع تحت معظم مجالات الرؤية السياسية - لا يزال سليما إلى حد كبير.
الجهد المستمر والناجح ضد الوباء - ونحن نتحدث عن عملية تستمر لمدة عام أو أكثر - سيعتمد قبل كل شيء على أن يحافظ قادة العالم على ثقة مواطنيهم. إن ثقة العامة عنصر حيوي في كل تدبير مضاد. لا يمكن أن تظل الحدود مغلقة إلى أجل غير مسمى. لا فائدة من كبت تفشي المرض في منطقة واحدة فقط، ثم رؤية تفجره ثانية في منطقة أخرى.
الإطار الواضح للتعاون الدولي هو مجموعة الـ20 من الدول الصناعية والناشئة - وهو اجتماع يصل إلى مختلف أنحاء الشمال والجنوب والشرق والغرب. المجموعة لعبت دورا رائدا في أعقاب الانهيار المالي عام 2009، في إقناع الأسواق المالية بجدية النية السياسية لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد العالمي.
السعودية التي تتولى رئاسة مجموعة الـ20 حاليا، دعت إلى عقد قمة "افتراضية" للتكتل. بالتأكيد سيكون هناك دور لمجموعة العشرين. على أن التعاون عبر مجموعة متباينة للغاية، يتطلب من أقوى الدول إنشاء مؤسسة. لم يفت الأوان لإنشاء مثل هذه المجموعة التوجيهية الداخلية.
كنقطة انطلاق ينبغي أن تشمل الرئيسين ترمب؛ وشي جين بينج؛ ومن أوروبا، مثلا، ميركل؛ وماكرون. هناك بعض الأشياء التي يمكن أن يفعلها هؤلاء القادة الأربعة على الفور. يمكن أن تبدأ واشنطن وبكين بالدعوة إلى وقف الحرب الكلامية.
وستكون الخطوة الثانية هي وضع جميع منازعاتهم التجارية الحالية على جانب واحد - تعليق التعريفات العقابية والتدابير المضادة.
ترمب قد يحتاج إلى بعض الإقناع، ولكن لا ينبغي أن تتجاوز ذكاء مستشاريه لتقديم مثل هذه الخطوة، باعتبارها استجابة سخية للمساعدة التي تقدمها بكين الآن إلى الحكومات الأخرى.
بالنسبة إلى شي؛ الحقيقة البسيطة للرباعي، ستقدم شهادة على دور الصين الرائد في الحوكمة العالمية. وبالنسبة إلى ميركل؛ وماكرون؛ فإنها ستقدم فرصة لإعادة إرساء ترابط الاتحاد الأوروبي وأهميته. ونعم، سيكون لدى ترمب؛ أيضا شيء يكسبه. الانتشار السريع للفيروس عبر الولايات المتحدة أدى إلى نهاية الادعاء، بأن وضع الحواجز في حد ذاته تلقيح جيد ضد هذه الجائحة.
حتى هذه التحركات الصغيرة قد تبدو مستحيلة ضد تراجع العالم الحالي إلى القومية المعادية.
على أنه لا يزال هناك وقت، فالمعركة ضد الوباء على وشك أن تصبح أكثر صعوبة. يواجه العالم حالة طوارئ، والمصلحة الذاتية تتطلب التعاون، سواء في الصين أو الولايات المتحدة أو أوروبا، إذ لا يستطيع الزعماء تجاهل هذه الحقيقة البسيطة.

الأكثر قراءة