FINANCIAL TIMES

سنغافورة .. استيعاب دروس «سارس» 2003 يتجلى في جائحة 2020

سنغافورة .. استيعاب دروس «سارس» 2003 يتجلى في جائحة 2020

يستعد قطاع السياحة في سنغافورة لضربة أعنف مما كان متوقعا من قبل، بعدما انتشر فيروس كورونا في أكثر من مائة بلد حول العالم.

كانت إيمان إبراهيم؛ المحامية السنغافورية، تستمتع بعطلتها بالتزلج على الجليد في إيطاليا وسويسرا والنمسا هذا الشهر عندما حول تفشي فيروس كورونا في أوروبا الرحلة فجأة إلى سباق إلى الوطن.
مع إغلاق الحدود والمنتجعات الجبلية حولها وإلغاء رحلتها العائدة إلى سنغافورة، توجهت إلى ألمانيا لاستقلال أي طائرة يمكنها العودة بها إلى الدولة الواقعة في جنوب شرقي آسيا.
قالت: "كان الوضع يتغير كل بضع ساعات (...) لكن بمجرد عودتك إلى سنغافورة، تدرك أن كل شيء مرتب وسيتم الاعتناء بك".
لم تعرف إيمان كم كانت محظوظة لأنها وصلت موطنها، الدولة المدينة، التي هي مركز مالي دولي معروف بحكومته شبه الشمولية، لكن الفعالة. بعد ثلاثة أيام من عودتها كانت نتيجة الفحص الخاص بفيروس كورونا إيجابية.
سنغافورة أعلنت عن أولى حالتي وفاة بسبب الفيروس فقط في نهاية الأسبوع الماضي، على الرغم من كونها واحدة من أوائل الدول التي أصابها «كورونا» خارج الصين قبل شهرين. وهذا ما جعلها واحدة من أكثر الأماكن أمانا في العالم بالنسبة للمرضى المصابين بهذا المرض، الذي قتل بالفعل أكثر من 17 ألف شخص على مستوى العالم.
نجاح الدولة في التعامل مع تفشي الفيروس الذي يعرف أيضا باسم "كوفيد – 19" يعزى إلى سرعة الحكومة في فرض ضوابط الحدود بعد وقت قصير من تفشي المرض في الصين، والتتبع الدقيق لحاملي المرض المعروفين، والاختبارات وعمليات الفحص القوية، واستراتيجية اتصال عامة واضحة وقليل من الحظ.
قالت ينج رو جاكلين لو؛ ممثلة منظمة الصحة العالمية لدى ماليزيا وبروناي دار السلام وسنغافورة: "لا يوجد شيء مختلف كان عليهم فعله".
بعد السيطرة على الإصابات الأولى، تواجه سنغافورة الآن موجة ثانية من الحالات من المسافرين العائدين، مثل إيمان. السلطات شددت قيود السفر وإجراءات التباعد الاجتماعي بعد أن تضاعف عدد الحالات إلى 455 في الأسبوع الماضي. لكن كثيرا من المحللين يعتقدون أن سنغافورة ستسيطر على الموجة الثانية.
من الصعب تكرار بعض إجراءات الدولة المدينة التي يبلغ عدد سكانها 5.7 مليون نسمة في الدول الغربية الأكبر. كما تعلمت سنغافورة من تجربتها مع فيروس سارس في عام 2003، التي أجبرتها على تعزيز نظام الرعاية الصحية فيها.
لكن على غرار بعض الدول الآسيوية المجاورة، مثل تايوان وكوريا الجنوبية وهونج كونج، التي تمكنت أيضا من إبطاء معدلات الإصابة، يمكن أن يقدم مثال سنغافورة دروسا للولايات المتحدة وأوروبا، اللتين أخذهما الفيروس على حين غرة.
بمجرد أن ظهرت المعلومات عن وجود كورونا في ووهان، المدينة التي تشكل مركز تفشي الفيروس في الصين، بدأت سنغافورة الاستعداد من خلال تعزيز القدرات المختبرية لإجراء اختبارات لأعداد كبيرة من الناس وتطوير أجهزة الاختبار. وقد عد هذا أمرا حيويا في احتواء العدوى والحؤول دون إغراق المستشفيات بالمراجعين، وهي مشكلة تواجهها دول مثل إيطاليا.
بحسب وزارة الصحة، أجرت سنغافورة اعتبارا من 20 آذار (مارس ) 38 ألف اختبار، أي نحو 6800 فحص لكل مليون نسمة. تجاوز هذا المعدل كوريا الجنوبية، مثال المنطقة على الاختبار السريع والشامل، التي أجرت نحو 6100 اختبار لكل مليون نسمة في الإطار الزمني نفسه.
قال ديل فيشر؛ أستاذ الأمراض المعدية في جامعة سنغافورة الوطنية: "استخدمنا المهلة التي أعطتنا إياها الصين من خلال إغلاقها الكبير، لتحسين استعداداتنا. وبحلول الوقت الذي أصبحت فيه لدينا إحدى الحالات، كنا قادرين على إجراء الفحوص والاختبارات، وفي غضون أسبوع كانت الاختبارات متاحة في جميع المستشفيات الكبرى".
يقول بعض الخبراء إن حقيقة أن معظم المرضى في المدينة تقل أعمارهم عن 65 عاما تساعد أيضا على تفسير انخفاض عدد الوفيات.
لكن ليو يين سين؛ المديرة التنفيذية للمركز الوطني للأمراض المعدية، الذي أنشئ بعد ظهور فيروس سارس ويساعد على قيادة استجابة سنغافورة لفيروس كورونا، قالت: "أنا لا أعتبر أننا محظوظون. نحن فقط نقدم أفضل رعاية متخصصة للمتضررين".
أضافت أن 15 في المائة من الحالات المؤكدة كانت على أجهزة التنفس الاصطناعي في وحدات العناية المركزة، مع حالتين تخضعان للعلاج بالأنسجة الغشائية خارج الجسم ECMOـ يتم سحب الدم من جسم الشخص وتزويده بالأكسجين في آلة.
مجتمع الأعمال في الدولة تحرك بسرعة أيضا. بعد فترة وجيزة من إعلان سنغافورة عن حالاتها الأولى، قسمت المصارف فرقها بين المكاتب، والعمل المنزلي، وصالات التداول. وكان كثير منها يقع في منطقة صناعية نائية بالقرب من مطار شانجي في المدينة.
لكن في حين كانت الإجراءات الحكومية لاحتواء الموجة الأولى من الإصابات فعالة، إلا أنها أثارت أيضا تساؤلات حول دور الدولة. كاميرات المراقبة وفرق اقتفاء المخالطين وضباط الشرطة ساعدوا الحكومة على إيجاد 7957 مخالطا لحالات مؤكدة تم حجرها جميعا.
الحكومة أطلقت يوم الجمعة "تريس توجذر" TraceTogether، وهو تطبيق يستخدم البلوتوث لتسجيل المسافة بين المستخدمين ومخالطيهم ومدة لقاءاتهم. الناس يوافقون على إعطاء هذه المعلومات ـ التي يتم تشفيرها وحذفها بعد 21 يوما ـ إلى وزارة الصحة. يمكن للوزارة الاتصال بالمستخدمين في حالة "المخالطة المحتملة" مع شخص مصاب.
قال تشونج جا إيان؛ أستاذ مشارك في كلية العلوم السياسية في جامعة سنغافورة الوطنية: "هناك درجة أعلى من التقبل بأن تكون تحت مراقبة ة الدولة. هذا يجعل بعض الطرق الأكثر تدخلية لاقتفاء المخالطين أسهل".
لكن بمجرد وضع مثل هذه الآليات، فإنها "تفتح الباب بعد خمسة وعشرة أعوام في المستقبل أمام شخص ما للاستفادة من هذا المجال بطرق ربما تكون أقل نبلا".
الحكومة استخدمت أيضا قانونا جديدا صارما خاصا بالأكاذيب عبر «الإنترنت» لتصحيح المعلومات الخاطئة في المنشورات حول فيروس كورونا؛ الأمر الذي جادل نقاد بأنه أعطى السلطات كثيرا من المجال للرقابة.
وعلى الرغم من نجاح سنغافورة حتى الآن، إلا أن المعركة لم تنته بعد. للتعامل مع موجة ثانية محتملة من الإصابات، منعت الحكومة يوم الأحد الزائرين لفترات قصيرة من دخول الدولة أو العبور من خلالها. سيتعين على السكان العائدين الخضوع للحجر الصحي لمدة 14 يوما في المنزل أو المخاطرة بغرامة تصل إلى عشرة آلاف دولار سنغافوري (6900 دولار أمريكي) أو ستة أشهر في السجن، أو كليهما.
يقول البروفيسور ليو: "ستكون هذه معركة طويلة الأمد. نحن نشهد البداية فقط".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES