الصناديق السيادية .. مصر وجنوب إفريقيا على خطى سنغافورة

الصناديق السيادية .. مصر وجنوب إفريقيا على خطى سنغافورة
طرح مفاهيم جديدة لصناديق الثروة السيادية مع إقدام الدول الفقيرة على تأسيسها

سقطت جنوب إفريقيا مرة أخرى في أتون الركود ثانية خلال عامين، وتضخم عجز موازنتها إلى 6.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي أكبر فجوة منذ نهاية الفصل العنصري، ويمكن تخفيض تصنيف دينها إلى عالي المخاطر في غضون شهر.
لقد عانت عجزا في الحساب الجاري لمدة 17 عاما متتالية، وتكافح من أجل إبقاء الأنوار مضاءة، لأن انقطاع التيار الكهربائي المتكرر يعطل الحياة اليومية. كان ذلك قبل أن تصل تداعيات أزمة فيروس كورونا العالمية إلى شواطئها.
على الرغم من هذه العوائق، قال الرئيس سيريل رامافوزا إن أكبر الدول الصناعية في إفريقيا ستنشئ صندوق ثروة سياديا وهو تقليدي كان حكرا على الدول ذات عوائد النفط والغاز المرتفعة أو لديها فائض في الحسابات الخارجية لإعادة تدويره.
في هذا الأمر، اتبعت تلك الدول الإفريقية خطى أخيرة لمصر وتركيا والسنغال، باعتبارها دولا أنشأت صناديق ثروة سيادية.
قال تيم آش ، الخبير الاستراتيجي في شركة بلوباي أسيت مانجمينت: "هذه ليست دولا لديها مكاسب كبيرة غير متوقعة من النفط، كما هو الحال مع صناديق الثروة السيادية في الخليج، لكن الأمر كله يتعلق بإدارة الكيانات المملوكة للدولة بشكل أفضل ضمن المحفظة الحكومية".
وبناء على ذلك قال آش، إن أمثال مصر وتركيا وجنوب إفريقيا كانوا يحاولون أن يحذوا حذو سنغافورة التي أنشأت "تيماسيك" عام 1974 لإدارة حصص الحكومة في شركات الاتصالات والطيران والتصنيع والشحن: "إن سنغافورة هي الضوء الساطع في هذه المنطقة ، وهي نموذج للآخرين".
صندوق الثروة التركية أنشئ عام 2016 ووضع فيه حصص الحكومة في سلسلة من كبريات الشركات في البلاد، بما في ذلك الخطوط الجوية التركية وشركة ترك تليكوم واثنان من المصارف الكبيرة، هما هالك بنك وزراعت بانكسي Ziraat Bankasi. ويملك الصندوق 33 مليار دولار من قيمة حقوق الملكية.
الصندوق المصري أطلق العام الماضي، وهو مصمم للسيطرة على حصص الحكومة في قطاعات مثل الطاقة والعقارات، ومن ثم جلب المستثمرين الأجانب للمساعدة على تطويرها بشكل أكبر.
وتم تخصيص خمسة مليارات جنيه مصري (318 مليون دولار) من رأسماله الأولي، وقال الرئيس عبدالفتاح السيسي؛ إنه يمكن أن يتوسع إلى "عدة تريليونات جنيه".
إنشاء الصندوق جزئيا هو رد فعل على حملات الخصخصة في التسعينيات والعقد الأول من القرن الـ21 التي أثارت ردة فعل العامة.
"إن الأمر يتعلق بكسب المال بعد امتلاك ذراع تجارية للحكومة" حسبما قال تشارلز روبرتسون كبير الاقتصاديين في "رينيسانس كابيتال" الاستثماري الذي يركز على الأسواق الناشئة.
وقال آش متفقا: "إنه يخرج كثيرين من العمل التجاري. مصر تحاول إيجاد طريقة لإدارة أصول الدولة بشكل أفضل. المشكلة الرئيسة في المستقبل هي النمو والوظائف والاستثمار" في ظل غياب استثمارات القطاع الخاص.
وقال روبرتسون إن نهج مصر يمثل تحولا من صناديق الثروة السيادية التي ينظر إليها على أنها مصارف ادخار أو صناديق استثمار مشتركة، إلى نهج أقرب إلى الأسهم الخاصة.
ويرى أساسا منطقيا سليما وراء هذا النهج. وأضاف: "في بعض الأحيان تحصل الخصخصة على سمعة سيئة، لذلك أصبحت فكرة من الصعب فعلها، لكن الأشخاص المسؤولين يعرفون أن وجود وزارة تدير مشروعا تجاريا ليست فكرة جيدة".
"جميع الدول تمتلك محافظ أصول في الشركات وعادة لا تتم إدارتها بشكل جيد. جنوب إفريقيا مثال جيد على ذلك" حسبما قال آش.
ووصف صناديق الثروة السيادية ذات النمط الجديد بأنها شبيهة بالشركات القابضة التي يمكن أن تولد التآزر بين مختلف المؤسسات من خلال تعلم أفضل الممارسات، أو من خلال تحديد الإدارة السيئة في بعض العمليات. يمكنها أيضا رفع الهيكل من خلال العمل كشريك للاستثمار الأجنبي المباشر.
مثلا، إذا أراد بلد بناء محطة غاز طبيعي مسال، فيمكن للصندوق السيادي أن يوفر الأرض فيما يتكفل الكيان الأجنبي بالمال، ويشكلان بذلك مشروعا مشتركا.
الأمر ليس سهلا للغاية دائما. كان لصندوق الثروة التركي بداية خاطئة لأنه كان يواجه مشكلات داخلية بين الفصائل.
أردوغان أنهى المشكلات الداخلية في 2018 بإقالة المجلس بأكمله، وتعيين نفسه رئيسا له.
آش الذي قال إن العام الأول للصندوق كان "كارثيا للغاية"، و"استقبل بالضحك"، يعتقد الآن أن الصندوق لديه إدارة "ذات مصداقية" في ظل ظافر سونميز، الرئيس التنفيذي الجديد الذي كان يرأس مكتب تركيا لدى صندوق الثروة السيادي الماليزي.
ماليزيا نفسها تشير إلى أحد العيوب المحتملة لنهج صندوق الثروة السيادية، في ظل مزاعم اختلاس 4.5 مليار دولار من "ماليزيا 1 بيرهاد للتنمية"، وهو صندوق تنمية حكومي آخر، في الفترة حتى عام 2015.
قال آش: رغم ذلك التهديد الأكبر قد يكون التأثير السياسي مع احتمال اضطرار صناديق الثروة السيادية "إلى المشاركة في مشاريع لا معنى لها".
صندوق جنوب إفريقيا المقترح أثار الدهشة بمعنى آخر. قال تيتو مبويني وزير المالية: سيتم تمويله من خلال حقوق الملكية من النفط والغاز والمعادن، وبيع مخطط من سلسة واسعة النطاق في وقت لاحق من هذا العام، وكذلك بيع الأصول غير الأساسية.
وبالنظر إلى تضخم عجز الموازنة في البلاد، فمن الصعب رؤية كيف يمكن للحكومة أن تقاوم استخدام مثل هذه التدفقات النقدية للمساعدة على موازنة سجلاتها.
روبرتسون يرى منطقا في ذلك ويجادل بأن "إيسكوم" احتكار الدولة المتداعي "حساس سياسيا للغاية" إزاء البيع، أو الإصلاح من داخل الحكومة، لذا فإن وضعها ضمن الحل الوسط لصندوق الدولة قد يكون أفضل حل.
ويود آش أن يرى نموذج صندوق تنمية الدولة منتشرا على نطاق أوسع مع وجود أوكرانيا على رأس قائمته. وقال: "أوكرانيا لا يزال لديها مخزون كبير إلى حد ما من الشركات المدارة بشكل سيئ، وعشرة ملايين هكتار من الأراضي الزراعية المملوكة للدولة".
"بالنظر إلى أن عمليات الخصخصة قد خيبت الآمال بشكل عام، وافتراض أن الدولة ستبقى مساهما رئيسا في الاقتصاد لفترة مقبلة، يجب على أوكرانيا التفكير في الأمر".

الأكثر قراءة