default Author

فاتورة الصحة وقضايا المالية في الاقتصادات المتقدمة «2 من 3»

|

 إن السياسات والمؤسسات الصحية يمكن أن تؤثر في السياسات والمؤسسات المعنية بالرعاية الصحية في الإنفاق من خلال آثارها في كل من العرض والطلب. ففي جانب الطلب، تحدد السياسة تغطية حزم المنافع العامة أو درجة تقاسم التكاليف مع المرضى "على سبيل المثال، المدفوعات المشتركة عن زيارات الأطباء أو الأدوية الموصوفة".

في جانب العرض، تؤثر السياسة في الإنفاق بصورة مباشرة "مثلا، بالنسبة لعيادات الصحة العامة" أو بصورة غير مباشرة من خلال المدفوعات التي تؤدى للمستشفيات الخاصة أو أطباء القطاع الخاص والممولة من نظم التأمين الصحي العام "مثل نظام ميديكير في الولايات المتحدة".
ولا يوجد دليل على أن شيخوخة السكان، أو التقدم التكنولوجي، أو أثر "بومول" قد تغير بصورة كبيرة في الأعوام الأخيرة. ولا يرجح أن تفسر هذه العوامل التباطؤ المفاجئ الذي شوهد في الإنفاق العام على الصحة منذ عام 2010. هذا التباطؤ يمكن أن يفسره بطء نمو الدخل، نتيجة الأزمة الاقتصادية الأخيرة؛ أو التغيرات في السياسات والمؤسسات المعنية بالرعاية الصحية. إلا أنه من المهم التمييز بين الإصلاحات الهيكلية التي تهدف إلى تحسين عمل وكفاءة نظام الرعاية الصحية والتدابير التي تدخل في باب الاستجابات المؤقتة "ولكن غير القابلة للاستمرار" لأوضاع الاقتصاد الكلي والمالية العامة. ويرجح أن يكون للتغيرات الهيكلية أثر دائم في نمو الإنفاق العام على الصحة، بينما يرجح أن تتضاءل آثار التدابير المؤقتة مع تحسن أوضاع الاقتصاد الكلي والمالية العامة.
إضافة إلى بطء نمو الدخل، يُعزى تراجع الإنفاق في أثناء تباطؤ النمو الأخير إلى السياسات التي تحد من مستوى الإنفاق في الأجل القصير استجابة لتشديد أوضاع الاقتصاد الكلي والمالية العامة. ومن ثم، لا يرجح أن تؤثر هذه السياسات في نمو الإنفاق على الرعاية الصحية في الأجل الطويل. وتركزت التدابير التي بدأ تطبيقها في كثير من الدول بصفة أساسية على توليد وفورات فورية بدلا من تحسين كفاءة وجودة الإنفاق على الصحة. وركزت التدابير على إجراء تخفيضات شاملة في ميزانيات الصحة الوطنية في اليونان وإيرلندا وإيطاليا والبرتغال وإسبانيا؛ وتخفيضات في أسعار المستحضرات الصيدلانية وغيرها من السلع الطبية في النمسا وبلجيكا واليونان وإيرلندا وهولندا والبرتغال وإسبانيا؛ وتخفيض المدفوعات لمقدمي الخدمات الصحية في الجمهورية التشيكية وإستونيا وإيرلندا وإسبانيا؛ وتخفيض الأجور والمرتبات في الجمهورية التشيكية والدنمارك واليونان وإيرلندا والبرتغال وسلوفينيا وإسبانيا والمملكة المتحدة، في حين يمكن أن تساعد هذه التدابير المتخذة على مستوى الاقتصاد الكلي "المسماة كذلك؛ لأنها تؤثر في الإنفاق الكلي بطريقة غير مستهدفة على خفض الإنفاق في الأجل القريب، فإنها أقل فعالية في احتواء نمو الإنفاق في الأجل الطويل ما لم تكن مصحوبة بإصلاحات؛ على سبيل المثال، الإصلاحات التي تتيح التنافس وتحسن الحوافز من أجل تقديم رعاية فعالة. وعلاوة على ذلك، يمكن أن تؤدي بعض هذه التدابير الكلية، مثل التخفيضات في مجال تحسين الصحة والوقاية من الأمراض، إلى زيادة ضغوط الإنفاق على المدى الأطول؛ لأن آثارها السلبية في الصحة يمكن أن تزيد الحاجة إلى تدخلات طبية أعلى تكلفة في المستقبل.
ويشير التحليل الاقتصادي الكلي إلى أن المؤشرات الاقتصادية الكلية والمالية العامة، مثل النمو الاقتصادي والبطالة وإجمالي الدين الحكومي، عوامل مهمة لتحديد نمو الإنفاق العام على الرعاية الصحية بسبب أثرها المباشر أو غير المباشر في بعض العوامل الرئيسة الدافعة لذلك الإنفاق، التي سبق بيانها. وبين التحليل، الذي يستند إلى نموذج يستخدم بيانات سنوية لجميع الاقتصادات المتقدمة خلال الفترة 1980 - 2012، أن حدوث تباطؤ في النمو الاقتصادي وتزايد معدل البطالة يؤديان إلى خفض نمو الإنفاق على الرعاية الصحية.
ويؤدي أيضا ارتفاع الدين الحكومي إلى خفض الإنفاق؛ لأن الحكومات التي تواجه مديونيات كبيرة لا يسعها أن تزيد الإنفاق كثيرا. ويمكن أن تفسر هذه العوامل تقريبا كل التراجع في نمو الإنفاق العام على الصحة بين عامي 2008 و2010. وبالنسبة لهذه الفترة، يكون النمو المشاهد في الإنفاق على الرعاية الصحية والقيمة التي يتنبأ بها نموذجنا متقاربين للغاية. وعلاوة على ذلك، يتنبأ النموذج أيضا بشكل صائب بالزيادات اللاحقة في نمو الإنفاق على الصحة العامة في عامي 2011 و2012. ولو لم تكن الأزمة الاقتصادية قد حدثت، لظل نمو الإنفاق على الصحة، كما يتنبأ النموذج، دون تغيير إلى حد كبير عن مساره قبل الأزمة. وفي حين تفتقر هذه النتائج إلى الحسم، فإنها تشير إلى أن تباطؤ النمو الأخير مؤقت في معظمه.
تشير البيانات المتاحة عن الإنفاق على الرعاية الصحية من سبع دول "فنلندا وألمانيا وآيسلندا وإيطاليا وكوريا وهولندا والنرويج"، إلى حدوث زيادة أخرى مقدارها 0.1 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في عام 2013، وهو ما يتسق مع تنبؤات النموذج. وفي الولايات المتحدة، تشير البيانات المأخوذة من مكتب التحليل الاقتصادي إلى حدوث نمو أسرع في الإنفاق الاستهلاكي للمستشفيات ودور التمريض وزيارات الأطباء وغيرها من خدمات الرعاية الصحية خلال الربع الأول من عام 2014، وإن كان بعضها قد يُعزى إلى برنامج توسيع المظلة التأمينية وفقا لقانون حماية المرضى والرعاية بتكلفة مقبولة المسمى "أوباماكير". وتشير الدراسات الأحدث عن الولايات المتحدة أيضا، إلى أن التباطؤ كان يُعزى في معظمه إلى الأوضاع الاقتصادية، وليس إلى تغير هيكلي في قطاع الرعاية الصحية.
وفي حين يرجح أن يكون التباطؤ مؤقتا في معظمه، فإنه يظل من الممكن أن يحدث تأثيرا دائما في الإنفاق على الرعاية الصحية في بعض الاقتصادات المتقدمة لسببين:
أولا: عندما يستأنف معدل النمو التاريخي للإنفاق العام على الصحة، سيستمد ذلك النمو من قاعدة إنفاق أضيق كنسبة مئوية من إجمالي الناتج المحلي مقارنة بالوضع لو لم تكن هناك أزمة.
ثانيا: لا يتوقع أن يعود بعض العوامل الاقتصادية الكلية وعوامل المالية العامة التي تحد من نمو الإنفاق "مثل ارتفاع نسب الدين العام"، إلى مستويات ما قبل الأزمة في المستقبل القريب... يتبع.

إنشرها