default Author

فاتورة الصحة وقضايا المالية في الاقتصادات المتقدمة «1من 3»

|

 إن التباطؤ الأخير في نمو الإنفاق على الصحة العامة في الاقتصادات المتقدمة لا يرجح أن يدوم، ويمثل احتواء نمو الإنفاق العام على الصحة واحدة من أهم قضايا المالية العامة التي تواجهها الاقتصادات المتقدمة.

ونما هذا الإنفاق بصورة كبيرة على مدى العقود الثلاثة الماضية، ويمثل نحو نصف الزيادة في الإنفاق الحكومي دون فوائد على مدى هذه الأعوام.
وخلال الفترة نفسها، ارتفع أيضا الإنفاق الخاص على الصحة الذي يمثل في المتوسط نحو ربع النفقات الكلية على الصحة في الاقتصادات المتقدمة. وفي حين تزامنت زيادة الإنفاق مع حدوث تحسن هائل في الصحة، فقد وضعت أيضا ضغوطا كبيرة على الميزانيات، وخصوصا في الوقت الحالي، حين بلغ مجموع الدين العام كنسبة مئوية من إجمالي الناتج المحلي مستويات غير مسبوقة في الاقتصادات المتقدمة.
ومنذ عام 2010، تباطأ نمو الإنفاق العام على الرعاية الصحية، ومن الضروري فهم ما يعنيه ذلك. وهل سيستمر هذا التباطؤ؟ وهل الإنفاق على الصحة تحت السيطرة؟ في الماضي، كانت فترات النمو البطيء تتبع في الغالب بفترات تتسارع فيها وتيرة النمو.
فهل سيكون تباطؤ النشاط الاقتصادي الحالي مختلفا؟ تنطوي الإجابات عن هذه الأسئلة على انعكاسات مهمة على الآفاق الاقتصادية طويلة الأجل للاقتصادات المتقدمة. فتزايد الإنفاق على الرعاية الصحية في تلك الاقتصادات يمكن أن يرغم الحكومات إما على خفض الإنفاق في المجالات الأخرى ذات الأولوية "كالتعليم والبنية التحتية" وإما إبطاء تقدمها في خفض الدين العام.. ويمكن أن يكون لكلا الخيارين أثر في آفاق النمو في هذه الاقتصادات.
حدث تباطؤ النمو في الإنفاق العام على الصحة، الذي بدأ عام 2010، في جميع الاقتصادات المتقدمة تقريبا. ويشمل الإنفاق العام على الصحة مصروفات الخدمات المقدمة في المستشفيات الخاصة والمرافق الصحية الحكومية، ومصروفات التأمين العام على الصحة الذي يسدد فاتورة العلاج في المستشفيات الخاصة وللأطباء والممرضات والممرضين من القطاع الخاص. وفي المتوسط، انخفض الإنفاق على الصحة العامة في هذه الاقتصادات من 7.4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في عام 2009، إلى 7.0 في المائة من إجمالي الناتج المحلي عام 2011. وفي عام 2012، وهو آخر عام تتوافر فيه بيانات قابلة للمقارنة بين الدول، ارتفع متوسط الإنفاق العام على الصحة بصورة طفيفة؛ كحصة في إجمالي الناتج المحلي. والشيء نفسه حدث بالنسبة لنمو الإنفاق العام على الصحة، المعدل لمراعاة التضخم، حيث انخفض من 4.5 في المائة عام 2009، إلى نحو صفر عام 2010. وفي حين شهد نمو الإنفاق الحقيقي ارتدادة إيجابية عامي 2011 و2012، فقد ظل دون متوسطه التاريخي بكثير.
وكان تباطؤ الإنفاق أكبر في الدول التي تضررت بشدة من الأزمة المالية العالمية وشهدت تراجعا حادا في الناتج: اليونان وآيسلندا وإيرلندا والبرتغال وإسبانيا. أما في الدول التي تضررت بدرجة أقل من الأزمة، مثل: ألمانيا وإسرائيل واليابان، فقد تباطأ النمو قليلا أو لم يتباطأ على الإطلاق. ومسّ هذا التباطؤ جميع فئات الإنفاق على الرعاية الصحية تقريبا: مرضى العيادات الداخلية والخارجية والصناعات الدوائية والطب الوقائي والصحة العامة.
ويشير تباطؤ النمو في جميع أنواع الإنفاق في جميع الاقتصادات المتقدمة تقريبا ــ وفي الوقت نفسه تقريبا ــ إلى أنه يُعزى إلى عامل مشترك. ويبدو أن هذا العنصر المشترك هو الأزمة المالية العالمية، التي أثرت في النشاط الاقتصادي وفي قدرة الحكومات على تمويل النمو المستمر في الإنفاق على الرعاية الصحية.
وسواء كان هذا التباطؤ سيستمر أم لا، فتلك مسألة تعتمد على كيفية تغير العوامل الأساسية الدافعة للإنفاق في المستقبل. وهناك خمسة عوامل دفع:
شيخوخة السكان: تتزايد احتياجات الأشخاص من الرعاية الصحية غالبا مع تقدم العمر. ويتوقع أن يرتفع متوسط عمر السكان في الاقتصادات المتقدمة على مدى الـ20 عاما المقبلة نتيجة للزيادات المستمرة في متوسط العمر المتوقع ويرجح أن يسهم ذلك في استمرار الزيادات في الإنفاق على الرعاية الصحية.
نمو الدخل: يرتبط نمو الدخل غالبا بتزايد الطلب على خدمات صحية أكثر وأفضل. إلا أن القيمة الدقيقة لمرونة الدخل "أي تغير الطلب على الخدمات الصحية استجابة لتغير الدخل" موضوع نقاش ساخن ويتسم بعدم اليقين.
التقدم التكنولوجي: تمثل التحسينات في التكنولوجيات الطبية أهم العوامل المحددة للإنفاق على الرعاية الصحية. فقد أدى التطوير المستمر للإجراءات والأدوية الجديدة، إلى زيادة هائلة في الوقاية من مشكلات صحية وفي علاجها، ولكنه نظرا لارتفاع تكلفة التكنولوجيا أسهم أيضا في سرعة نمو الإنفاق.
أثر بومول: يشير هذا الأثر، المسمى باسم منشئه، الاقتصادي ويليام ج. بومول؛ إلى الزيادة الكبيرة نسبيا في تكاليف وحدة العمل في القطاعات التي يصعب فيها تحقيق مكاسب في الإنتاجية، بما في ذلك في الخدمات المقدمة من الحكومة. وفي قطاع الصناعات التحويلية، يمكن تحسين الإنتاجية بتنفيذ عمليات جديدة تخفض عدد العمالة اللازمة لإنتاج مستوى معين من الناتج. ولكن في الرعاية الصحية، يصعب تحسين الإنتاجية، بسبب محدودية إمكانية خفض عدد الأطباء والممرضات والممرضين دون المساس بمستوى الخدمات. وترتفع المرتبات في مجال الرعاية الصحية تمشيا مع المتوسطات السائدة في الاقتصاد إلا أن الإنتاجية لا ترتفع، ومن ثم تزيد تكاليف وحدة العمل بصورة أكثر حدة في قطاع الصحة... يتبع.

إنشرها