default Author

تغيرات الموازين التجارية «1من 2»

|

توصل أحد البحوث الصادرة عن صندوق النقد الدولي إلى أن معظم التغيرات في الموازين التجارية بين أي دولتين تنتج عن العوامل الاقتصادية الكلية وليس عن التعريفات الجمركية.
أصبحت الموازين التجارية الثنائية، -أي الفرق في قيمة الصادرات والواردات بين دولتين- موضع تركيز أخيرا. فبعض صناع السياسات متخوفون من أن تكون الموازين التجارية الكبيرة والمتنامية نتاجا لإجراءات غير متوازنة تؤدي إلى تشويه التجارة الدولية. لكن هل يصح التركيز على الموازين التجارية الثنائية؟
الإجابة باختصار هي لا. إذ يشير البحث الذي أجريناه إلى أن التغيرات الناتجة عن التعريفات الجمركية في الميزان التجاري بين دولتين عادة ما توازنها تغيرات في الموازين الثنائية مع شركاء آخرين نتيجة تحول مسار التجارة، فلا يكون لها تأثير يذكر أو تكون منعدمة التأثير في الميزان التجاري الكلي -حاصل جمع كل الموازين التجارية الثنائية.
بالتالي، فإن المحرك الحقيقي للتجارة هو العوامل الاقتصادية الكلية. فقد توصلنا إلى أن معظم التغيرات في الموازين التجارية الثنائية خلال العقدين الماضيين كانت نتيجة الأثر المجمع للعوامل الاقتصادية الكلية التي تشمل سياسة المالية العامة، والدورات الائتمانية، وفي بعض الحالات سياسات سعر الصرف واتساع نطاق الدعم المقدم للقطاعات التجارية. في المقابل كان أثر التغيرات في التعريفات الجمركية أقل من ذلك بكثير.
غير أن ذلك لا يعني أن التعريفات الجمركية لا تؤثر سلبا في الدول. ففي ظل الاقتصاد العالمي الذي يعتمد على سلاسل القيمة العالمية حيث تشترك دول عديدة في عملية الإنتاج، فإن الزيادات الحادة في التعريفات الجمركية يمكن أن تؤدي إلى تكاليف اقتصادية كبيرة وتداعيات متوالية ملحوظة على المدى الطويل، ما يؤدي إلى تردي أوضاع الاقتصاد العالمي.
يهدف بحثنا الذي يستند إلى دراسة شملت 34 قطاعا في 63 دولة على مدار 20 عاما إلى فهم وقياس الأسباب وراء تغيرات الموازين التجارية الثنائية، وذلك من خلال التمييز بين تأثير كل من العوامل الاقتصادية الكلية والتعريفات الجمركية والتنظيم الدولي لعمليات الإنتاج الذي ينعكس جزئيا في التكوين القطاعي للإنتاج والطلب في الدول، مثل الصناعة التحويلية أو الخدمات أو الزراعة.
وتوصلنا إلى أن تغيرات الموازين الثنائية على مدار العقدين الماضيين كانت إلى حد بعيد نتاجا لقوى الاقتصاد الكلي التي تعرف بدورها في تحديد حجم الموازين التجارية الكلية. ومن هذه العوامل سياسة المالية العامة، والأوضاع الديموغرافية، وضعف الطلب المحلي، لكنها قد تتضمن أيضا سياسات سعر الصرف وسياسات العرض المحلية، مثل تقديم الدعم إلى الشركات المملوكة للدولة أو قطاعات التصدير.
في المقابل، كانت التغيرات في التعريفات الجمركية الثنائية أقل تأثيرا، وهو ما يعكس تدني مستوياتها بالفعل في دول عديدة وحقيقة أن التخفيضات التبادلية في التعريفات الجمركية كان لها تأثير متوازن في الموازين التجارية الثنائية. فعلى سبيل المثال، تفسر العوامل الاقتصادية الكلية نحو 20 في المائة من التغير في الميزان التجاري بين الولايات المتحدة وألمانيا خلال الفترة 1995 - 2015 وما يزيد على 95 في المائة من التغير في الميزان التجاري بين الولايات المتحدة والصين.
على الرغم من أن تحليلنا يشير إلى أن التأثير المباشر للتعريفات الجمركية في تغير الموازين التجارية الثنائية كان محدودا نسبيا مقارنة بالعوامل الاقتصادية الكلية، لا يعني ذلك عدم أهمية تأثير التعريفات الجمركية. فالتغيرات الكبيرة والمستمرة في التعريفات الجمركية على المدى الأطول يمكنها التأثير في تشكيل التنظيم الدولي لعمليات الإنتاج في ظل قيام الشركات بتعديل هياكل الاستثمار والإنتاج المحلية والدولية، كأن تنظم أنفسها في سلاسل قيمة عالمية -عمليات مختلفة في أجزاء مختلفة من العالم تضيف كل منها قيمة إلى السلع والخدمات المنتجة ... يتبع.

إنشرها