المسرح الوطني .. مبادرة ثقافية تعيد «أبو الفنون» إلى موقعه الطبيعي

المسرح الوطني .. مبادرة ثقافية تعيد «أبو الفنون» إلى موقعه الطبيعي
المسرح الوطني .. مبادرة ثقافية تعيد «أبو الفنون» إلى موقعه الطبيعي
المسرح الوطني .. مبادرة ثقافية تعيد «أبو الفنون» إلى موقعه الطبيعي

ازدانت العاصمة الرياض مساء الثلاثاء بتدشين مبادرة المسرح الوطني في مركز الملك فهد الثقافي، التي تضمنت عرض مسرحية "درايش النور"، أول إنتاجات المسرح، المبنية على مزيج من التراجيديا والاستعراض الغنائي، لتبشر بمستقبل مشرق لـ"أبو الفنون"، المسرح الذي غاب لأعوام عن منظومة الفن والثقافة في المملكة.
وبحسب وزارة الثقافة، فإن مبادرة المسرح الوطني أحد القطاعات الثقافية التي تدعمها الوزارة ضمن مشروعها للنهوض بالنشاط الثقافي السعودي بكل اتجاهاته الإبداعية، وتعد خطوة عملية أولى نحو تأسيس منظومة مسرحية متكاملة تدعم الإنتاج المسرحي بجودة أعلى، وتوفر للمسرحيين فرصا أكبر لممارسة النشاط المسرحي بمعايير فنية عالية، كما توفر للمهتمين بالمسرح أعمالا مسرحية نوعية تعكس ثراء الثقافة السعودية وتنوع مساراتها الجمالية.

تحديات كبرى
حظيت مسرحية "درايش النور" باهتمام ثقافي عال، التي تروي في فصولها حكاية المجتمع السعودي في أزمنة متباينة، وصولا إلى الفترة الراهنة المزدهرة بالثقافة والفنون، من تأليف الشاعر صالح زمانان وإخراج فطيّس بقنة، وبطولة إبراهيم الحساوي، الدكتور نايف خلف، عبدالعزيز المبدل، شافي الحارثي، خالد صقر، شجاع نشاط، شيماء الفضل، رند الشهيلي وغازي حمد.
ولعل هذا الاهتمام بالمسرحية التي عرضت على مدى يومين، ينهي مرحلة "التهميش" التي طالت المسرح خلال الأعوام الماضية. فبحسب مسرحيين تحدثوا لـ"الاقتصادية" خلال الحفل، فإن المبادرة التي يرأسها عبدالعزيز السماعيل الكاتب والفنان المسرحي القدير رئيس الفرقة الوطنية للمسرح السعودي، ستكون أمام تحديات كبرى في المرحلة المقبلة، منها النهوض بمسرح الطفل، وإعادة العنصر النسائي إلى خشبة المسرح، وجمع المسرحيين، وتناول همومهم ومشكلاتهم، وإعادة مهرجان للمسرح السعودي، وإطلاق الجوائز، وإيجاد بنية تحتية للمسارح في مختلف المناطق، وتدريب المواهب وصقلها في التمثيل والإخراج والتأليف والإنتاج، والاستفادة من الخبرات والمواهب التمثيلية في إكساب المواهب الشابة، بالاستفادة من التجارب العربية الرائدة، ونظيرتها العالمية.
وأمام هذه التحديات الكبيرة، طمأنت "الثقافة" المسرحيين السعوديين بأنها ستعمل على دعم إبداعاتهم، وتعزيز إمكاناتهم في الفنون الأدائية، وتطوير المخرجات المسرحية السعودية؛ باستلهام رؤية المملكة 2030 للتراث والثقافة المحلية.

منذ زمن الإغريق
ناقش الإغريق والرومان مشكلات عصرهم عبر المسرح، وكان النافذة التي أطل منها المسرحيون إلى عالم الشاشة الكبيرة، ومارسوا فيه دورهم التنويري في المجتمع، لينتقل متأخرا إلى العالم العربي، قبل نحو 160 عاما، إذ يسجل التاريخ المسرحي أن أول عرض على خشبة المسرح كان للمؤلف اللبناني مارون النقاش بعنوان "البخيل"، عن مسرحية لموليير.
ويمتد عمر المسرح السعودي إلى أكثر من 88 عاما، ومر بفترات نشاط متعددة طوال مسيرته، باجتهادات شخصية من شغوفين بالفن، لكن وتيرتها لم تستمر طويلا.
وتروي تقارير أن نشأة المسرح في المملكة تعود إلى عام 1928، بعد تقديم مسرحية بعنوان "حوار بين جاهل ومتعلم" أمام المؤسس الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه، فيما تذكر تقارير أخرى أن أول تجربة مسرحية شهدتها المملكة كانت في عام التوحيد، وكانت لنص مسرحي ألفه الشاعر حسين عبدالله سراج في عام 1932، إذ كتب المسرحية الشعرية "الظالم نفسه"، ثم مسرحية "جميل بثينة" عام 1943، ومسرحية "غرام ولّادة" عام 1952، كما كتب مسرحية "الشوق إليك" عام 1974.
ومر المسرح السعودي بنقلات نوعية طوال العقود الثمانية الماضية، منها تأسيس فرقة مسرحية ومدرسة تمثيل في مكة المكرمة في عام 1960، باسم "دار قريش للتمثيل الإسلامي"، على يد أحمد السباعي، الذي أسس "مسرح قريش"، تلا ذلك بعام كتابة أول نص مسرحي نثري بعنوان "الدوامة"، وفي عام 1970 تم تأسيس جمعية الفنون الشعبية، وتوالت بعد ذلك الخطوات التأسيسية، من خلال تأسيس جمعية الثقافة والفنون، ومسرحيات التلفزيون السعودي، وإنشاء قسم الفنون المسرحية في الرئاسة العامة لرعاية الشباب "الهيئة العامة للرياضة حاليا".
أما عام 2018، فشهد طفرة في المسرحيات التي عرضت في مختلف المدن، بدعم من أمانات المناطق، في مواسم الأعياد والإجازات، لمختلف الفنون الأدائية المسرحية، مثل المسرح الغنائي، ومسرح الميلودراما، ومسرح الطفل، ومسرح الشارع والأوبرا، كما شهد العام نفسه تأسيس "مسرح السعودية"، وهي الفكرة المستنسخة من التجربة الناجحة "مسرح مصر"، لكن بنكهة محلية سعودية، ويقدمون على مسرح نادي جدة الأدبي مجموعة من العروض بإشراف الفنان أشرف عبدالباقي، بدعم من مبادرات شباب منطقة مكة والهيئة العامة للثقافة ووزارة الإعلام، وفيه تم اختيار 50 موهبة من أصل ألف متقدم، لإعداد جيل مسرحي واعد، إنما كان المحتوى المقدم لا يمثل طموحات المتلقي، ولا سيما أن نص المسرحية لقي انتقادات حادة على منصات التواصل الاجتماعي، إلا أنها مثلت قاعدة يمكن البناء عليها وتطويرها.
فيما شهد أواخر عام 2019 طفرة غير مسبوقة في العروض المسرحية السعودية والمصرية، ضمن فعاليات "موسم الرياض"، وأبرز هذه العروض مسرحية "الذيب في القليب" من بطولة الفنان ناصر القصبي ونخبة الفنانين السعوديين، ونحو عشر مسرحيات أخرى لكبار الفنانين المصريين.

مشهد جديد للمسرح
خلال حفل تدشين مبادرة المسرح الوطني الذي نظم بحضور نخبة من الفنانين والمثقفين السعوديين والعرب، قال الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان وزير الثقافة "إن رؤية 2030 تنظر إلى الثقافة بوصفها من مقومات جودة الحياة"، مبينا أن العصر الثقافي السعودي يعيش أزهى عصوره بدعم غير مسبوق من خادم الحرمين الشريفين وولي العهد.
وأضاف "التطلعات كبيرة كما هي الآمال، فمنذ اليوم الأول اعتمدنا المسرح واحدا من 16 قطاعا ستركز عليها الوزارة جهودها وأنشطتها، حيث ينطلق المسرح الوطني من أرضية صلبة، ومن ثراء وعطاء المسرحيين السعوديين وعمق التراث والثقافة، وبدورها تلتزم الوزارة بدعم الحركة المسرحية ودعم المسرحيين والمبدعين، لأداء رسالتهم وصناعة نهضة مسرحية مستندة إلى تراثنا وثقافتنا، وأيضا لصناعة مسرحية عالمية بجودة عالمية، ومن خلال المسرحيين سنحقق الأهداف ونبني بنية ثقافية ممتازة".

الأكثر قراءة