FINANCIAL TIMES

مارك كارني يحذر من فخ السيولة مع نفاد ذخيرة البنوك المركزية

مارك كارني يحذر من فخ السيولة مع نفاد ذخيرة البنوك المركزية

يتجه الاقتصاد العالمي نحو "فخ سيولة"، من شأنه تقويض جهود البنوك المركزية لتجنب الركود في المستقبل، وذلك وفقا لما قاله مارك كارني، محافظ بنك إنجلترا "المركزي".
في مقابلة واسعة النطاق مع صحيفة "فاينانشيال تايمز"، حذر المحافظ المنتهية ولايته، من نفاد ذخيرة البنوك المركزية اللازمة لمكافحة الركود.
يحدث فخ السيولة في الحالات النادرة، عندما تخسر السياسة النقدية كل فعالية لإدارة التقلبات الاقتصادية، فيما لا تشجع السياسة الميسرة على أي إنفاق إضافي.
وقال: "من الصحيح بشكل عام أن هناك ذخيرة أقل بكثير لدى جميع البنوك المركزية الكبيرة مما كان لديها في السابق، وأرى أن هذا الوضع سيستمر لبعض الوقت".
إن هذا يعني أن هناك حاجة إلى البحث عن مكملات للأدوات النقدية، بما في ذلك خفض أسعار الفائدة وتسهيل كمي وإرشادات، بشأن أسعار الفائدة في المستقبل.

"بريكست" ودور السياسة المالية

"إذا كان هناك ركود أعمق، فإن ذاك يتطلب تحفيزا أكثر مما لو كان هناك ركود تقليدي، عندها من غير الواضح ما إذا كان سيكون للسياسة النقدية مساحة كافية للتحرك"، حسب قوله.
على الرغم من المخاوف بشأن احتمال حدوث ركود، كان كارني متفائلا بشأن آفاق الحي المالي في لندن بعد "بريكست"، حيث أوضح أنه لا يوجد معنى لأن تكون لندن، كمركز مالي عالمي، مطيعة لأوامر بروكسل.
وحث الحكومة البريطانية على تجنب مواءمة تنظيماتها المالية مع تلك الموجودة في الاتحاد الأوروبي، على أمل تحسين شروط التجارة بعد "بريكست".
وقال: "ليس من المستحسن على الإطلاق مواءمة مناهجنا، فذلك يعني ربط أيدينا والاستعانة بسلطة قضائية أخرى، من أجل التنظيم والإشراف الفعال على النظام المالي المعقد الرائد في العالم".
ردد كارني مخاوف محافظي البنوك المركزية الأخرى، مثل ماريو دراجي رئيس البنك المركزي الأوروبي وخليفته كريستين لاجارد، في التوصية بأن تنظر الحكومات في أدوات السياسة المالية، مثل خفض الضرائب أو زيادة الإنفاق العام عند التصدي للركود. مع ذلك، أدرك أنه "ليست مهمة محافظي البنوك المركزية القيام بالسياسة المالية".
قال المحافظ إن السياسة النقدية لم تصبح حتى الآن قوة مستهلكة دوليا، حيث أدت تخفيضات أسعار الفائدة في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو العام الماضي، إلى تشجيع الاقتراض والإنفاق. لقد بدأنا نرى تدفق ذلك التحفيز إلى الاقتصاد العالمي".

توصية بخفض الفائدة

وأصر أنه لن يترك خليفته أندرو بايلي، بدون أي أدوات يتسلح بها.
لا يزال بإمكان بنك إنجلترا خفض أسعار الفائدة من 0.75 في المائة إلى نحو الصفر، و"تزويد السياسة النقدية بالأدوات حصيفة في الاقتصاد الكلي"، من خلال تخفيف متطلبات رساميل المصارف لتمكينها من إقراض المزيد.
توقع كارني أن الحي المالي في لندن يمكن أن يستفيد من "الفرصة التجارية الضخمة"، للمساعدة في تمويل وتسريع العمل لتخفيف ظاهرة الاحتباس الحراري العالمية – على الرغم من إدراكه أن القطاع العام، ليس بديلا عن السياسات الفعالة على الصعيدين الوطني والدولي.
وتوقع أن يستفيد الحي المالي في لندن من تمويل الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون، بدلا من بعض أنشطة الاتحاد الأوروبي.
"هذه فرصة تجارية ضخمة بالنسبة إلى الحي المالي في لندن، والقطاع المالي في بريطانيا بشكل واضح" على حد قوله.
قاد بنك إنجلترا البنوك المركزية الأخرى في اتخاذ موقف أكثر حزما بشأن مكافحة المخاطر المالية، التي تهدد المصارف وشركات التأمين الناتجة عن ظاهرة الاحتباس الحراري.

الركود مصدر القلق

تم انتقاد كارني لتجاوز صلاحياته باتخاذه لهذا الموقف، لكنه رفض تلك المخاوف. وقال المحافظ: "أي شخص يقول هذا لا يعرف مدى اتساع صلاحيات بنك إنجلترا" المركزي.
مع بقاء أكثر من شهرين بقليل في منصبه، يدرك كارني أن فترة ولايته قد انتهت بشكل مختلف عما كان متوقعا، عندما تم تعيينه في منصب محافظ البنك المركزي في أواخر عام 2012، كانت قد تشكلت من خلال "بريكست" وقضية الاستقلال الإسكتلندي وتغير المناخ، أكثر مما فعلت من الانتعاش الاقتصادي.
مع ذلك، لا يشعر بالندم. حيث قال: "لدينا مسؤولية قانونية لتحديد المخاطر الرئيسة، التي تهدد الاستقرار المالي. لا يمكننا تفادي ذلك".
أضاف أن مصدر القلق الأكبر في إدارة الاقتصاد البريطاني، واقتصادات البلدان المتقدمة الأخرى، هو: كيف يمكن أن تستجيب البنوك المركزية في المستقبل لركود حاد. إذا كانت بريطانيا ستقع في حالة ركود، يوافق على أن بنك إنجلترا قد ينفد من مساحة السياسة النقدية، وكشف أن البنك المركزي كان ينظر في هذه القضية.
وقال: "نأمل ألا يبلغ الركود في الأيام الـ69 المقبلة"، مشيرا إلى الفترة القصيرة المتبقية قبل رحيله في الـ16 من آذار (مارس) المقبل".

مهمة تاريخية

يظهر مكتب كارني، الذي يجلس خلف طاولة من القرن الـ18، ما يدعوه التحدي الإداري المتمثل في الانتقال إلى بنك إنجلترا من كندا، لإدخاله إلى القرن الـ21، و"إصلاح البنك المركزي وإصلاح النظام المالي وتأمين الانتعاش".
لا يمكن تفويت كيف يعيش التاريخ والحداثة بالقرب من بعضهما البعض داخل هذا الجزء من البنك. الطاولة تتناقض مع الشخصيات المالية في هذه الأيام الموجودة على شاشتين ضخمتين على مكتب عمله؛ لوحة مدينة لندن تقليدية قديمة لكاناليتو معلقة بشكل غريب على الحائط، بجوار صورة رقمية لمدينة البندقية، محاطة بإطار ذهبي عتيق. هدوء ساحة بنك إنجلترا خارج غرفته، بعيدا عن صخب الحي المالي في لندن خارج الأسوار الرئيسة.
عندما تم تعيين كارني، كانت بريطانيا تشعر بالارتباك من الحجج حول ما إذا كانت تتجه نحو ركود ثلاثي، لكن سرعان ما أصبحت هذه الأسئلة حول ما إذا كان الطلب والإنفاق كافيين، لا تهيمن على السياسة النقدية كما كان متوقعا.
عاد الطلب في عام 2013، تماما في الوقت الذي تولى فيه المنصب. بعد ذلك، باتت المخاوف الرئيسة تحركات غير متوقعة في العرض: كم عدد الأشخاص الذين يمكن توظيفهم من دون تضخم؟ وكم سينتجون في كل ساعة عمل؟
قال "كان هناك عدم اليقين الكبير هذا بشأن العرض – تاريخيا كان العرض متوقعا نسبيا"، ما أدى إلى انتعاش مختلف في كثير من النواحي أكثر مما توقعه هو وآخرون.
وقال إن "قوة سوق العمل تبرز"، حيث عاد معدل التوظيف القياسي، و"نمو الأجور إلى المعدلات التاريخية".
كما اضطرت لجنة السياسة المالية أيضا إلى مواجهة الصعوبات الهيكلية مثل شبه الركود في الإنتاجية، التي تقاس حسب الإنتاج في الساعة مقارنة بمتوسط معدلات النمو السنوي ما قبل الأزمة بنحو 2 في المائة.
وقال: "من الآمن القول إن الإنتاجية كانت ضعيفة لفترة طويلة وبمنزلة خيبة أمل مستمرة".
وسط هذه الشكوك الاقتصادية، كانت المهمة الرئيسة لبنك إنجلترا، وفقا للمحافظ، تتمثل في إنهاء الإصلاحات الأساسية للنظام المالي العالمي، والاستجابة بشكل مناسب للاضطرابات السياسية من الاستفتاء الإسكتلندي واستفتاء "بريكست" وتحديات تغير المناخ.
يصر كارني أنه بدلا من أن يكون سياسيا جدا، كما اقترح سلفه ميرفين كينج، كان على بنك إنجلترا المشاركة لأن لديه الآن واجب الحفاظ على الاستقرار المالي.
"إنه أمر مختلف عندما يؤثر شيء ما بشكل مباشر في النظام المالي أو النظام النقدي، كما هو الحال في اختيار العملة في الاستفتاء الإسكتلندي أو أشكال معينة من بريكست، التي كان سيكون لها تأثير جوهري في القطاع المالي".

سياسة المناخ

مشيرا إلى العمل التحضيري الذي فرضه بنك إنجلترا على النظام المالي، قال إن البنك "اضطر إلى القيام بأكثر من مجرد الدعاء إلى الله، من أن تتم معالجة هذه القضية".
وأضاف أن جزءا من سبب موافقته على البقاء كان لمواجهة عواقب "بريكست دون صفقة، بدلا من القول: "لا تقلقوا، سيكون الأمر على ما يرام، سأعود إلى كندا، حظا سعيدا".
إلا أنه كان واضحا أن القطاع المالي لا يستطيع تخفيف ظاهرة الاحتباس الحراري العالمية وحده، ودون اتفاقيات أوسع للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري والعمل على تنفيذ الأهداف.
وقال: "لا أعتقد أن القطاع المالي ينبغي أن يكون أو سيكون بديلا لسياسة المناخ"، مضيفا أن هذا يمكن أن يؤدي إلى تضخيم إجراءات السياسة البيئية الأوسع فحسب.
قال: "لا أعتقد أنه ينبغي إدارة سياسة المناخ بطريقة سرية من خلال نسب رأس المال أو استخدام آخر للسياسة الاحترازية لتحويل الحوافز".
سيعود المحافظ إلى كندا في الصيف، وفي الوقت نفسه سيتولى دورا في الأمم المتحدة كمبعوث خاص لإجراءات وتمويل المناخ، حتى قمة المناخ في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، في جلاسجو.
عندما يعود، قال إنه سيذهب إلى وطنه بذكريات رائعة عن "بلد مذهل".
"يوجد تنوع الأنشطة الثقافية هنا، والتاريخ والفكاهة. هذا مكان رائع. كان من دواعي سروري العيش في بريطانيا، خلال القرن الـ21".
إحباطات الحياة البريطانية في تقاطع النقاش السياسي المستقطب، ستطارده أيضا في البحث عن وظيفة جديدة.
قال كارني: "هذا الدور أكثر علانية بكثير من الدور نفسه في كندا".
"عندما تكون دائما أمام أنظار الجمهور، لا تكون دائما تعمل. من الجيد أن تعمل بخصوصية" حسبما أردف.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES