«سي» .. المسلسل الأكثر إثارة للجدل والأعلى تكلفة في التاريخ

«سي» .. المسلسل الأكثر إثارة للجدل والأعلى تكلفة في التاريخ
«سي» .. المسلسل الأكثر إثارة للجدل والأعلى تكلفة في التاريخ

"تعرف من أين تؤكل الكتف"، مقولة تطلق على الأفراد والشركات على حد سواء، وأخيرا انطبقت على شركة أبل وتطبيقها الجديد المخصص للبث ‏التلفزيوني "أبل تي في بلاس"، عندما أعلنت دخولها حلبة المنافسة مع "نتفليكس" و"إتش بي أو" وأخواتهما، عبر غزوة مفاجئة ‏قامت بها من خلال مسلسل "سي" ‎ Seeالذي بدأ عرضه في الأول من نوفمبر الماضي، وبهذا المسلسل تكون قد دخلت بقوة عالم الإنتاج التلفزيوني رسميا، ‏بعد أربعة أعوام من التمهيد والتحضير لهذه الخطة.‏
تأتي هذه الخطوة بعد النجاح الباهر الذي حققه مسلسل "جيم أوف ثرونز" الذي شكل تحديا أمام أي شركة تحاول المنافسة في عالم صناعة المسلسلات الدرامية التي أثبتت في الأعوام ‏الأخيرة مكانتها وجماهيريتها بين الجيل الصاعد، وباتت منافسا قويا للأفلام السينمائية، فجاء مسلسل "أنظر" ليكرس توجهات ‏سينمائية ‏جديدة لم يسبق لها مثيل، لكن هذا المسلسل الدرامي التلفزيوني أثار جدلا واسعا بسبب الأرقام الخيالية لتكلفة إنتاج الموسم الأول التي تعدت 15 مليون دولار، ‏وتصدر محركات البحث "جوجل" و"ياهو" على الإنترنت، إضافة إلى إثارته الجدل على منصات التواصل ‏الاجتماعي ولا سيما في المنطقة العربية.. فما سر نجاح هذا المسلسل؟

الرؤية
تجري أحداث المسلسل في عالم مدمر بعد 600 عام من انتشار فيروس في القرن ‏الـ21 تسبب في قتل أغلب البشرية على ‏الأرض، باستثناء مليوني شخص تقريبا تمكنوا من النجاة، ‏لكنه ترك الناجين مصابين جميعهم بالعمى دون استثناء. ‏
يبدأ المسلسل، الذي كتب قصته ستيفن نايت‎‎، من منتصف الصراع، فيشرح ‏للمشاهد كل ما حصل، في سرد صوتي سريع، حيث يستعد بابا فاس ‏قائد القبيلة القوي -يؤدي دوره جايسون موموا- ‏للدفاع عن قبيلته ضد عدو يقترب منهم، في الوقت الذي تلد فيه زوجته مارجا -تلعب دورها هيرا هيلمان- ‏بمساعدة حكيمة ‏القرية باريس -تؤدي دورها آلفري وودارد-، ونكتشف شيئا فشيئا كيف أن ما تبقى من البشرية قد انقسم إلى قبائل ‏منفصلة، وأصبحت ‏فكرة الرؤية في حد ذاتها تعد نوعا من السحر، وهي شيء لا يمكن تخيله، حتى ‏لدرجة أنه أصبح شيئا مخيفا أو لعنة، بدلا من أن ‏يكون خلاصا في نظر أبناء القبيلة‎.‎
لكن تبدأ القصة فعليا عندما ندرك أن ولدي بابا فاس التوأمين ولدا مع قدرة على الرؤية، الأمر الذي وصل إلى ‏مسامع الملكة قبل حدوثه، ‏فترسل مساعدها تاماكتي جون زعيم صائدي الساحرات -‏‎يلعب دوره كريستيان ‏كامارجو- ‏‎سعيا إلى الإمساك بهما بأي وسيلة ممكنة.‏

ما بين مكنونات العقل البشري وطبيعته الدموية
على الرغم من التكلفة التي قد تكون مبالغا فيها لإنتاجه، إلا أن فرانسيس لورينس الذي أخرج Red Sparrow‎ برع‏ في الطريقة التي صور بها المسلسل ودخوله مكنونات العقل البشري، وتصويره الطبيعة الدموية للبشر، وميل البشر الدائم نحو الامتلاك ‏والاستعباد. ‏ويبدو أن العنف الدموي بات صفة مشتركة بين المسلسلات الدامية، وتكاد تتشابه كلها مع بعضها بعضا بدءا من "جيم أوف ثرونز" و"فايكينج" ‏وصولا إلى "أنظر"، ويكاد يتفق المخرجون على أن أسس نجاح مسلسلهم تقوم على تقديم مشاهد أكشن مليئة بالإثارة والدموية وقطع ‏الرؤوس. وقد تفرد فرانسيس لورينس في مسلسله بتغليف تلك المشاهد بموسيقى تصويرية من تأليف بير ماكريري، الذي قدم موسيقى ‏فيلم‏‎ Godzilla: King of ‎the Monsters ‎‎‎وعلى الرغم من أن موموا يمتاز بقدرات حركية مبهرة إلا أن المشاهد ‏القتالية تحافظ على ‏الواقعية، مع تصميم قتالي رائع باستخدام أسلحة بدائية قريبة المدى كالسواطير والفؤوس، ‏لكنها لا تكسبه هو أو بقية المقاتلين قوى ‏خارقة‎‏.‏

قضية الإعاقة البصرية
في الواقع إن مناقشة حالة الإعاقة البصرية أو ما تعرف بالعمى كحالة عامة ليست حديثة العهد، بل هناك عديد من الأعمال الأدبية التي تناولتها، لكن لأول مرة يتم إخراج ‏هذه القضية من بين صفحات الروايات إلى شاشة التلفزيون، وبالتالي فإن الخطوط العريضة في قصة مسلسل "أنظر" و‏الفرضية التي ‏يتبناها ليست جديدة كليا، فهناك عديد من الأعمال الأدبية السابقة التي تحدثت عن هذه القضية مثل رواية "العمى" لجوزيه ‏ساراماجو، ومسرحية "العميان" لموريس ميترلنك، وقصة ‏‏"بلد العميان" لهربرت جورج ويلز، التي قد تبدو هي الأقرب، التي استوحى ‏كاتب المسلسل ‏منها أحداث قصته، مع وجود كثير من الاختلافات، إذ إن العمى ليس ‏حالة طارئة، كما هي الحال في رواية ساراماجو، ‏كما أنه ليس حالة تعبر عن العجز، كما في مسرحية ‏ميترلنك، بل هو حالة عامة، استكان لها البشر وألفوها، وباتوا متأقلمين معها ‏وتمكنوا من الاستغناء عن حاسة ‏البصر.‏
‎على الرغم من الجماهيرية الجارفة التي حظي بها مسلسل "أنظر" ولا سيما في منطقتنا العربية، إلا أنه كان عرضة لعديد من ‏الانتقادات اللاذعة، فنقلت مجلة "هوليوود ريبورتر" عن دانيال فينبرج قوله "إن مسلسل‎ "أنظر" ‎هو أشبه بأفعوانية قطار الموت ‏بالنسبة إلى باقي ‏المسلسلات إن صح التعبير، فهو مليء بالارتفاعات والقيعان". وانتقد ‏فينبرج عدم وجود شخصيات أو تفسيرات جديدة لهذا العالم ‏الجديد، إضافة إلى انتقاده اللاذع الأداء، بما في ذلك دور ‏موموا وداردز‎.‎
كما وصف آخرون المسلسل بأنه مزيج ‏من مسلسلي بيرد بوكس ولعبة العروش، وهو مسلسل حول مجتمع من المكفوفين الذين ‏ما ‏زالوا يلبسون قبعات مأخوذة من العصر الحجري، كما أن المسلسل مليء بالأحداث العنيفة.‏
من جانبها استعرضت جودي بيرمان الكاتبة الناقدة من مجلة "تايم" المسلسل أيضا قائلة "هذا المسلسل هو واحد من أسوأ المسلسلات ‏‏التلفزيونية التي رأيتها منذ أعوام، ولا يمكن وصفه سوى بأنه كارثة لا حدود لها، وهو يفوق قدرتك على ‏التحمل عندما تظهر كيف ‏أن العمى قد أنتج وأخرج أسوأ الصفات في البشرية". ‏
وفي السياق نفسه، عد بين ترافيرز من موقع ‏إندي واير الهندي للتصنيفات، بعض مشاهد القتال واللقطات المعقدة تشعره ‏بالسخافة وغير منطقية على الإطلاق.‏

بتكلفة إنتاجية تتجاوز 150 مليون دولار للجزء الأول
عود على بدء، ومهما كانت المواقف والآراء من هذا المسلسل، إلا أن ما لا شك فيه أن شركة أبل قد وفقت في منافستها شركة "إتش بي أو"، فعمدت بذكاء مطلق إلى بث الحلقات الثلاث ‏الأولى، ثم بدأث في طرح الحلقات التالية تباعا ‏بشكل أسبوعي، لتقدم إلى الجمهور نموذجا متكاملا عن مسلسلاتها الدرامية، وتوجهت ‏أنظار الجمهور سريعا نحو مسلسل "‏See"، ‏بسبب التصريحات الإعلامية المسبقة التي صنفت ‏المسلسل، الذي يتألف موسمه الأول من عشر حلقات، بأنه الأعلى تكلفة إنتاجية في ‏التاريخ، برصيد 150 مليون دولار للجزء الأول، ‏أي ما يعادل 15 مليون دولار للحلقة الواحدة؛ وهي بذلك تعادل تكلفة حلقات الجزء ‏الأخير من "صراع ‏العروش" الذي لم يتضمن سوى ست حلقات.‏
يذكر أن معظم مشاهد المسلسل صورت في كولومبيا البريطانية ‏وفي كندا، حيث تظهر الجبال الرائعة المغطاة بالأشجار ‏والشلالات الهادرة والغابات ذات الأشجار الطويلة ‏التي تتخللها أشعة الشمس والينابيع الهادئة، في إشارة مبطنة إلى أن الأرض ‏استعادت نضرتها ‏وازدهارها مع زوال البشر القادرين على الرؤية، الذين عاثوا فها دمارا وفسادا يوما ما في حقبة تاريخية سابقة.‏

الأكثر قراءة