Author

المنظمات الدولية ودعم النفوذ السعودي

|
مختص في التمويل والتنظيم وأكاديمي


في كلمته الأخيرة أمام مجموعة العشرين ذكر ولي العهد أن المملكة ستتولى رئاسة مجموعة العشرين في ديسمبر من هذا العام، كما أعرب في نهاية كلمته عن ترحيب المملكة باستضافة المجموعة العام المقبل.
هذا الحراك الذي يقوده ولي العهد نحو تعزيز مكانة المملكة في المجتمع الدولي يتطلب من جميع مؤسسات الدولة أخذ خطوات مماثلة لدعم الوجود السعودي على المستوى الدولي. فمن المشاهد أن وجود بعض القطاعات الحكومية في المنظمات الدولية ضعيفا. وأذكر في هذا السياق وقبل أربع سنوات أن غاب ممثل وزارة الصحة عن تمثيل السعودية في إحدى الورش العلمية التي نظمتها منظمة الصحة العالمية حول توسيع نطاق التغطية الشاملة ليشمل القطاع غير الرسمي والفئات الضعيفة في إقليم شرق المتوسط. وكان من ضمن الحضور الوفد الإيراني الذي ضم وفدا كبيرا تحدث عن النظام الصحي الإيراني وعلى وجه الخصوص ما يسمى صندوق الخميني لدعم المرضى الفقراء. وقد حضرت الورشة كمستشار لمنظمة الصحة العالمية، وأذكر وقتها أن مما قاله الوفد الإيراني في ذلك الاجتماع إن هدف صندوق الخميني ليس دعم المرضى الفقراء داخل إيران فحسب، وإنما لدعم المرضى الفقراء في الدول الإسلامية. واستطرد الوفد الإيراني بالحديث عن الأثر الإيجابي لـ"صندوق الخميني لدعم الفقراء" في دول العالم الإسلامي، إلى آخر الهرطقة الإيرانية التي أصبحت معروفة للجميع.
ومن محاسن الصدف أن تحدث بعد الوفد الإيراني الدكتور أكيهيروا سيتا مدير مشروع الأنروا عن جهود الأنروا في دعم التعليم والصحة في مناطق وجود اللاجئين الفلسطينيين في كل من فلسطين والأردن وسورية ولبنان. وكان من ضمن شرائح العرض التي قدمها الدكتور أكيهيروا سيتا شريحة تحدثت عن الدول الداعمة لأنشطة البرنامج. الشريحة توضح عبر جدول تفصيلي أن الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والسعودية، والإمارات، والكويت، كانت من أعلى الدول دعما لجهود الأنروا. لكن شريحة العرض هذه تم استعراضها بصورة سريعة. وبعد انتهاء الدكتور أكيهيروا سيتا من عرضه ومن أجل لفت الحضور إلى الحقائق التي مرت سريعا، بادرت بسؤال الدكتور سيتا عن أبرز دول المنطقة دعما لمشروع الأنروا؟ وكم نسبة التمويل الإيراني للمشاريع الصحية خصوصا؟
فبادر بالإجابة بأن أكثرالدول دعما من دول المنطقة هي السعودية ثم ذكر الكويت والإمارات ثم بقية الدول، ولم يذكر الدعم الإيراني. فكان السؤال بمنزلة تكذيب مبطن لادعاءات الإيرانيين. جاءني - على هامش الورشة - عتب من بعض أعضاء منظمة الصحة العالمية بدعوى أنه من غير المفترض أن أشارك في التعليق على أطروحات أعضاء وفود المنظمة، وإنما يفترض أن يقتصر دوري كمحايد والمشاركة في إعداد المسودة النهائية لاستراتيجية المنظمة بعد انتهاء جلسات الأعضاء.
هذه الحقيقة دفعتني لكتابة مقالين سابقين ولم أشر في أي من المقالين إلى القصة أعلاه حتى لا يفهم كلامي وقتها في غير سياقه. المقال الأول بعنوان "العمل في المنظمات الدولية .. السعوديون أين هم؟" في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2017، والثاني بعنوان "كيف تزيد السعودية الجديدة نفوذها في المنظمات الدولية؟" في مايو 2018. لا شك أن هناك تحسنا في الوجود السعودي في منظمة الصحة العالمية خصوصا بعد ترشيح أكثر من شخصية داخل تنظيمها، لكن يظل حجم طموحنا أكبر لكوننا من أكثر الدول دعما لمنظمة الصحة العالمية وغيرها من المنظمات الدولية. فمثلا ثلاث من أصل سبع جهات تبرعت لبناء مبنى منظمة الصحة العالمية لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كانوا سعوديين. لذا فنحن بحاجة إلى مزيد من الأسماء داخل المنظمة وداخل مختلف المنظمات الدولية كمنظمة الأمم المتحدة للطفولة، ومنظمة الأغذية والزراعة، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومفوضية اللاجئين، والمنظمة العربية للتنمية الإدارية التابعة لجامعة الدول العربية وغيرها كثير.
الواقع يقول إننا ما زلنا نشعر أن الوجود السعودي في المنظمات الدولية دون مستوى الطموح، فما زلنا نفتقد وجود آليات حقيقية للتأكد من قياس وفعالية الوجود السعودي في المنظمات الدولية. وفي الجانب الآخر، فإننا نحتاج إلى تحفيز السعوديين للعمل في المنظمات الدولية وفي مختلف المناصب وليس بالضرورة المناصب القيادية. فلدينا ثلاث مميزات قل أن تجتمع في أي دولة أخرى. هذه المميزات الثلاثة تكمن في القدرة المالية الكبيرة، وجودة الكفاءة البشرية، خصوصا بعد عودة المبتعثين، كما أن تصنيف الجامعات السعودية على المستوى الإقليمي من أعلى دول المنطقة، والكثافة السكانية، علاوة على موقعها الجغرافي ووجود الحرمين فيها. كما أن للسعودية ثقلها العربي والإسلامي والدولي والإنساني، لذا ربطت اسمها بمملكة الإنسانية.
لذا نأمل استثمار كل هذه المعطيات القوية والممكنات الفريدة لزيادة قوة المملكة الناعمة ونفوذها داخل المنظمات الدولية التي لا يمكن أن تتحقق بالدعم المالي فحسب، فتعزيز وجود الموارد البشرية السعودية داخل المنظمات الدولية لا يقل أهمية عن الدعم المالي. فكل مطلع لما يدور داخل المنظمات الدولية يدرك حقيقة أن الانتماءات الأيديولوجية والوطنية لبعض العاملين في المنظمات الدولية أثرت سلبا في حيادية قراراتها. فمثلا نجد أن بعض المنظمات التابعة للأمم المتحدة خصوصا العاملة في اليمن تأثرت قرارتها بسبب انتماء أو تعاطف بعض العاملين لديها مع جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، أو انتمائهم لمذهب ولاية الفقية المتطرف في إيران، أو فروعه في لبنان والعراق وغيرها من الدول. فالانتماءات الأيديولوجية والفكرية لبعض العاملين في المنظمات الدولية أثرت سلبا في مواقفها بصورة غير مباشرة. ولعل الأخبار التي تحدثت عن تهريب بعض الأسلحة للحوثيين عبر سفن ترفع علم الأمم المتحدة خير شاهد على ذلك.
الخلاصة أننا ما زلنا بحاجة إلى دعم الوجود السعودي وتعزيز كل ما من شأنه الدفاع عن السعودية في المنظمات الدولية. كما أننا بحاجة إلى متابعة نشاطات ممثلي القطاعات الحكومية المختلفة لدى المنظمات الدولية من أجل ضمان وجود الأصوات المدافعة عن السعودية في كل اللقاءات الدولية. فنحن نلمس الرغبة الحكومية نحو تعزيز وجودها الدولي لكونها أحد أهدافها الاستراتيجية لتحقيق رؤيتها الطموحة "رؤية 2030".

إنشرها