Author

6 أسباب كي تتجنب الادخار

|


تخيل أن هناك من يدعو إلى تجنب الادخار. بل هناك من يروج لأفكار تقول إن السعادة في صرف النقود بلا حسبان، وإن الادخار مجرد انعكاس للبخل والتقتير، وجمعك للنقود حتى آخر العمر لا فائدة منه. صحيح أن بعض هذه الأفكار مبني على مبادئ قويمة، ولكنها تعرضت للتشويه وإساءة الاستخدام. ولست هنا بصدد تفنيد هذه المزاعم، التي بالطبع لا ترتبط اليوم بأي قيم حياتية ولا اعتبارات معيشية ولا حتى أسس وقواعد استغلال الإنسان لطاقته وشبابه وحياته. ولكن، دعونا نلبس قبعة هؤلاء الفوضويين الذين يؤمنون بمبدأ "عش حياتك" ويتجهون إلى واقع "ورط نفسه"، وربما يخف عليهم الأثر في النهاية بعد التعاطف مع حالاتهم الإنسانية، إذا وجدوا من يتعاطف معهم. نقول إن هناك أسبابا تدعو بعض الناس إلى ترك أو تجنب الادخار، بعضها مبرر ومعظمها غير مبرر، وسأذكرها باختصار.
السبب المنطقي المقبول لترك الادخار – وهو لا يدخل في قائمة المبررات الستة لتفادي الادخار - هو انتهاء الغرض منه، أي وصول الفرد لمرحلة يملك فيها صندوق طوارئ ممتاز وكاف، ولديه برنامج تقاعدي يعمل بشكل تلقائي ولا يتأثر بمستوى الادخار، ولديه دخل ثابت كاف يغطي كل احتياجاته. وبالطبع في مثل هذه الحالات ينصح دائما بتحقيق الأحلام قبل فوات الأوان وترتيب وتزامن ما يود الإنسان فعله. فترك الادخار أو التخفيف منه مقابل العمل على تحقيق بعض المساعي والأهداف مسألة شخصية بامتياز، ويسهل التعامل معها كل ما طالت فترة الاستعداد السابقة ادخارا وتخطيطا.
الأسباب الأخرى التي يستخدمها البعض لترك الادخار أسباب غير مقبولة، مجرد مبررات لتفادي الشعور بالذنب أو تجاهل الاهتمام بالمستقبل. أول هذه المبررات إقناع الذات بتدني الدخل: "لا أملك ما يكفي من النقود حتى ادخر ما يكفي". القاعدة السليمة هنا أنه لا يوجد مبلغ لا يستحق الادخار؛ مع تنامي المبالغ - أيا كان حجمها - بالاستثمار وتراكمها الإيجابي بالجمع والاستقطاع يمكن دائما جعل المستقبل أفضل، مهما قل الراتب. ولا ننسى أن الراتب القليل هو راتب اليوم، ولكن راتب الغد سينمو متى أولينا المستقبل اهتماما أكبر، واستثمرنا في مهاراتنا وقدراتنا.
السبب الثاني الذي يستخدم بكثرة، هو: "لا يبقى شيء يذكر من الدخل، كل ما أتسلمه ينتهي آخر الشهر". وهذا صحيح ويحدث كثيرا ولكنا لسنا مجبرين على القبول بهذا الواقع. إدارة جيدة للميزانية الشخصية ومراجعة جدية للمصروفات وطبيعتها ستسمح بتغيير الخطة والالتزام بها. السر يكمن في قبول تغيير أسلوب الحياة الذي نلزم به أنفسنا ولم يلزمنا به أحد. المعادلة بسيطة، عش حياتك كما يريد الآخرون اليوم وتورط غدا، أو عش حياتك كما تريد اليوم وعش غدك كما تريد أيضا. القرار دائما بأيدينا.
السبب الثالث يقول فيه صاحبنا: "والله ودي ادخر واستثمر بس ما أعرف كيف". بالطبع من لم يتخصص في هذا المجال سيجد بعض الصعوبة، خصوصا إذا علمنا أنه حتى بعض المتخصصين الماليين لا يستثمر لنفسه بشكل جيد. ولكن هناك اليوم كثيرا من الخيارات التي تضمن لك الحصول على التعلم الملائم وعلى الخيار الاستثماري الأفضل. مع التوسع الحاصل بسبب التقنية، ومع النمو المحلي والعالمي في الأسواق المالية أصبحت الخيارات أسهل مما تظهر عليه. في كل الأحوال، بذل بعض الوقت والاهتمام في البداية مطلب ضروري.
السبب الرابع، وهو مرحلة متقدمة من السبب الأول والثاني ومع الأسف موجود على نطاق واسع. نسمعه يقول: "كيف ادخر وعندي ديون؟" وهذا سبب يظهر وكأنه منطقي عند الوهلة الأولى، فكيف يدخر وهو لم يسدد ديونه؟ قاعدتان بسيطتان، الأولى: إذا لم تتمكن من سداد الدين في لحظة واحدة فهو مجرد فاتورة متكررة لا تستحق أن توقف حياتك بسببها. والثانية، الادخار فاتورة متكررة أخرى ضرورية وأهم من الأولى، بينما الدين تسديد لاستحقاق سابق، فالادخار تحصل به على استحقاق مستقبلي. والمعادلة الأفضل، أن تقوم بإعادة جدولة الدين بأفضل طريقة ممكنة تقلل من أثره وتحسن فرصك للادخار.
السبب الخامس: "سوق الأسهم خطيرة جدا، ستضيع نقودي". بالطبع يتعلم كثيرون من مخاطر الأسهم بعد الأزمات التي تعصف بها. والحقيقة، أن الأسهم إدارة استثمارية رائعة ولكن لها مخاطرها الخاصة بها، وكل إدارة استثمارية لها مخاطرها التي ترتفع مع ارتفاع فرصة الربح وتقل مع انخفاض فرصة الربح. لهذا لا يعد هذا السبب منطقيا لتفادي الادخار. في العادة لا ينصح المخططون الماليون بالاستثمار في الأسهم فقط أو برفع مستوى المخاطرة للمحافظ الادخارية. من يريد الادخار عليه بالاستشارة والتعلم، وسيجد أن هناك أدوات مناسبة محسوبة المخاطرة توافق أهداف المحفظة التي يجب أن يؤسسها لمدخراته.
السبب السادس يرتبط بمنظورنا حول العمل والدور والمهام التي نقوم بها حسب العمر، إذ نجد عبارات مثل: "بعد ما شاب ودوه الكتاب" وهناك من ينفي فائدة الادخار لما بعد التقاعد فالعمر قد مضى، أو يأتي من هو في الاتجاه المعاكس ويقول إن الوقت مبكر جدا للادخار. وجميعهم مخطئون، معدل الأعمار في ازدياد وحتى معدل عدد السنوات التي تبدأ بعد التقاعد في ازدياد كذلك، والبناء المبكر للمحافظ الادخارية يجعلها أقوى وأكثر جاهزية. في النهاية، سيجد من يريد عشرات الأسباب ليتفادى الادخار، ولكنه سيكتشف بنفسه في وقت لاحق أنها كانت مجرد أوهام باعها لنفسه بخسارة.

إنشرها