ثقافة وفنون

فيلم «US».. الوجه الآخر لذواتنا

فيلم «US».. الوجه 
الآخر لذواتنا

فيلم «US».. الوجه 
الآخر لذواتنا

عندما تخطو قدماك صالة السينما لتنتقي فيلما جميلا تشاهده، ويقع اختيارك على صنف الرعب، تبدأ مشاعرك بالتخبط متشوقة لما سيكون داخل هذا المكان، وما هي نسبة الأدرينالين التي تحتاج إليها للحفاظ على هدوئك، لكن هذا الأمر يختلف مع المخرج جوردان بيل الذي يمزج في أفلامه بين الرعب الذي يرفع الأدرينالين، والتشويق الذي يخطف الأنفاس، والعمق الذي يحفز العقل على التفكير والتغوغل داخل توجهات فلسفية متعددة، وهذا ما ظهر واضحا في فيلم «US - نحن».

«اكتشفوا أنفسكم»

يبدأ الفيلم في عام 1986عندما تدخل الطفلة أداليدا، تؤدي دورها لوبيتا نيونجو، أحد بيوت الرعب الموجودة في دور الملاهي والألعاب، وكتب عليها من الخارج «غابة مارلين، اكتشفوا أنفسكم»، وما إن تصبح أداليدا داخل الغرفة حتى تكتشف أنها في غرفة للمرايا وفي الداخل فتاة تشبهها، فترتعب حين تكتشف أن ما تراه ليس انعكاسا لصورتها في المرآة، بل هي نسخة أخرى منها، وكان نتيجة هذه الصدمة أن فقدت صوتها.
في هذه اللحظات يتحول زمن الفيلم للوقت الحاضر، وينقل المخرج بيل الحاصل على جوائز البافتا وجولدن جلوب والأوسكار عن فيلمه Get Out، المشاهد من الماضي إلى الحاضر بطريقة سلسة واضحة، ويجعله في ترقب للمجهول الذي ينتظرة، وإن استغرق الوقت نحو 30 دقيقة للوصول إلى هذه الحبكة إلا أنها كانت تستحق الانتظار ولم تكن مملة بتفاصيلها.

العودة إلى الماضي

في هذه المرحلة كبرت أداليدا واستعادت صوتها لكن من دون أن تذهب عنها آثار تلك الصدمة، وبعد ضغط تعرضت له من قبل زوجها غابي، يلعب دوره وينستون ديوك، وطفليها زورا تلعب دورها شاهادي رايت جوزيف وجيسون يلعب دوره إيفان آليكس، رضخت لطلبهم جميعا وهو زيارة بيت العائلة على شاطئ سانتا كروز، المكان الذي تعرضت فيه للصدمة في طفولتها.
تنتقل العائلة إلى هناك لتقضي إجازتها السنوية بسعادة، قبل أن يطرق أربعة غرباء متشابكي الأيدي بيت العائلة ليلا، وهم يرتدون بذلات حمراء ويحملون مقصات، وسرعان ما يكتشف المشاهد أن هؤلاء الغرباء هم نسخة كربونية عن أفراد العائلة، ولكن تظهر عليهم ملامح التوحش والغضب، ولا يستطيعون التكلم باستثناء السيدة بينهم التي تشبه أداليدا، والتي تخبر هذه الأخيرة أنهم يريدون قتل أفراد عائلتها وأخذ مكانهم.
تتمكن عائلة أداليدا من الإفلات من قبضة الغازين، ويلجؤون إلى عائلة أصدقائهم كيتي وجوش تايلر لنكتشف أنهم أيضا تعرضوا لغزو مشابه من قبل نسخ كربونية عنهم، ضمن على ما يبدو غزوة جماعية من قبل النسخ الكربونية ضد من يشبهونهم من سكان المدينة بالكامل.

فلسفة عميقة

الفيلم ليس عبارة عن مشاهد رعب محض بل تضم حواراته كثيرا من العبارات العميقة التي عهدناها من المخرج بيل؛ فالعبارة التي كتبت على البيت الخشبي والتي تقول "غابة مارلين.. اكتشفوا أنفسكم" هي ليست عبثية، بل تحث على اكتشاف الذات فكأن هؤلاء الأشخاص هم الشر الموجود داخل كل فرد منا، إنه صراع بين الخير والشر، هذا هو الكائن البشري الذي يتصارع مع نفسه دائما وأبدا.
أما الفكرة الفلسفية العميقة الأخرى التي اعتمدها المخرج أيضا هي لقطة 11:11، التي ظهرت أكثر من مرة، ومن المتعارف عليه أن هذا الرقم أثار جدلا عميقا، حيث إن البعض يعتبر أنه يحوي دلالة معينة على حياة الإنسان في الماضي أو المستقبل، ويذهب بعض العلماء إلى أنه في حالة تكرار رقم 1 أكثر من مرة، فهي دعوة واضحة من الكون لليقظة، أو بمعنى أصح جرس إنذار يخبرك أنك في حاجة إلى إعادة النظر في كثير من الأمور في حياتك، لذلك عندما يتكرر هذا الرقم فهو يعد نداء قادما لك من العوالم الباطنية الغامضة، التي لا نعلم كثيرا عنها حتى الآن.

الحقيقة مأسورة

وبعد وقت ليس بطويل يعود بيل ليخبرنا أن الطفلة أداليدا تم أسرها في غرفة المرايا، ومن عاد إلى العائلة هو شبيهتها النقيضة، وهذه الأخيرة هي من نشأت في كنفهم وكبرت وتزوجت غابي وأنجبت زورا وجيسون، وهذا ما يفسر أن من بين الغازين الحمر لا يوجد أحد يتكلم سوى شبيهة أداليدا التي هي في الواقع نفسها لا الشبيهة، فكيف سينتهي هذا الصراع بين الشخصيات الوهمية والشخصيات الحقيقية، ومن سينتصر على من؟!

الأداء التمثيلي والموسيقى

لقد كان الأداء التمثيلي للأبطال الأربعة رائعا بكل المقاييس، فأداء الأم كان مذهلا، واستخدمت طبقة صوت صعبة جدا، ولقد قدمت نفسها كممثلة كبيرة، أما زوجها غابي فلقد تميز بخفة دمه، فهو كان مصدر النكات التي انطلقت في الفيلم، أما الطفلان فلقد قدما أداء رائعا أيضا.
أما الموسيقى التصويرية فأضفت على الفيلم رونقا جميلا أيضا، حيث تم استخدام مزيجا من الأغاني المميزة مثل the Police لفرقة NWA خلال اللحظات الكوميدية، أما في مشاهد الرعب فإن الموسيقى التصويرية الأصلية للملحن مايكل آيبلز (Get Out) كانت رائعة، كما أن النسخة المعزوفة بالآلات الموسيقية من أغنية Got 5 on It لفرقة Luniz التي تصدح في اللحظات الأكثر درامية مميزة للغاية. ولقد كان المصور مايك جيولاكيس الذي اشتهر بتصوير فيلم It Follows على انسجام تام مع المخرج، ففي إحدى لقطات الفلاشباك، هناك لقطة رائعة ومخيفة لأداليدا وهي يافعة تسير على الشاطئ مع اقتراب عاصفة نحوها من بعيد، فيتناغم البرق وإيقاع الصواعق مع الفوضى التي على وشك أن تحدث.

الفرق في أفلام الرعب

إن أفلام الرعب لا تتشابه مع بعضها بعضا، وتختلف باختلاف القصة والأداء والمؤثرات، وكان المؤلف ستيفن كينج قد تحدث في كتابه Danse Macabre عن ثلاثة أنواع من الرعب، الرعب المبني على القرف، الرعب المبني على الخوف، والأسوأ هو الرعب المبني على الفزع، ويقول كينج إن الرعب المبني على الفزع، هو عندما تعود للمنزل، وتلاحظ أن كل شيء قد أخذ بعيدا وتم استبداله ببديل مطابق، إنه عندما تنطفئ الأضواء وتشعر أن هناك شيئا خلفك، أنت تسمعه وتشعر به يتنفس خلف أذنك، لكن عندما تلتفت لا يكون هناك شيء. إن هذا الإحساس العميق بالفزع الذي يوضحه المؤلف الشهير هو وصف مناسب للأجواء والشعور الكلي الذي يحققه بيل هنا، حيث يقدم نموذجا مختلفا عن غيره، فهو لا يؤثر في قلوب المشاهدين أو أعصابهم وسيعيش في ذاكرتهم وقلوبهم.
تجدر الإشارة الى أن فيلم "US- نحن" حقق إيرادات وصلت إلى 175 مليون دولار، في الوقت الذي قدرت ميزانية الفيلم بـ20 مليون دولار فقط.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون