default Author

الصين .. في البحث عن التوازن «3»

|


يقول دالي يانج، وهو أستاذ في العلوم السياسية في جامعة شيكاغو خلال مقابلة له "منذ عشر سنوات، لم يكن في إمكان معظم سكان الصين الحصول على تأمين صحي، واليوم فإن نحو 96 في المائة منهم يشملهم نظام التأمين بطريقة أو بأخرى. ويمكنك دائما أن تقول إن المساهمة في تكاليف العلاج ربما كانت مرتفعة للغاية أو التغطية غير كاملة، ولكنها في حقيقة الأمر كبيرة للغاية". وعلى الرغم من توسع شبكة الأمان الاجتماعية تحت حكم شي، تقول الحكومة إن نحو 30 مليون نسمة -نحو 2 في المائة من السكان- يعيشون تحت خط الفقر، ويعرفون بأنهم يكسبون ما يعادل نحو 95 سنتا في اليوم. وهذه الأرقام الرسمية تحجب نحو 500 مليون نسمة ممن يعيشون في مستوى يتجاوز خط الفقر بالكاد، أي يعيشون على أقل من 5.5 دولار يوميا، وفق تقديرات البنك الدولي.
وكان أحد الحلول هو نقل الفقراء الذين يعيشون في الريف إلى المدن، لربما وجدوا فرصا أكبر للعمل. وفي عام 2014، شرعت حكومة الرئيس شي في تنفيذ خطة غير مسبوقة لنقل نحو 250 مليون نسمة إلى المدن بحلول عام 2026. وكان القصد من ذلك هو إعادة رسم حدود البلديات لتضم المناطق الريفية المحيطة بها، ونقل سكان الريف، حتى بناء مدن جديدة تماما. وتحقق هذه الخطة أهدافا وطنية مختلفة في آن واحد، وهي زيادة نسبة سكان الحضر في الصين تماشيا مع معايير الاقتصادات المتقدمة في العالم، وتشجيع الاستهلاك المحلي لإعادة التوازن إلى النمو الاقتصادي بعيدا عن الصادرات، وتحسين مستويات تقديم الخدمات الاجتماعية. وكانت الأموال المخصصة في موازنة الحكومة المركزية للحد من الفقر خلال الفترة الأولى من حكم الرئيس شي قد ازدادت أكثر من ضعف مجموع الإنفاق في السنوات الخمس السابقة. وتُستخدم هذه الأموال بصفة أساسية للإنفاق على البنية التحتية والدعم الزراعي ومنح قروض مخصومة.
ولكن وفق الأرقام الصادرة عن وزارة المالية، تراجعت نسبة الإنفاق إلى إجمالي الناتج المحلي على برنامج كبير آخر للحد من الفقر، ويهدف إلى توفير الحد الأدنى من مستوى المعيشة ويُطلق عليه "ديباو" dibao. ونظرا لتباطؤ النشاط الاقتصادي، سيكون تحقيق هدف الرئيس شي في القضاء على الفقر في الريف بحلول عام 2020 مهمة شاقة للغاية. فقد أدى تباطؤ النشاط إلى توقف الخطط الرامية إلى ترشيد المشاريع المملوكة للدولة بصفة مؤقتة، وربما الرجوع عنها.
ويكتب فيجنبوم قائلا: إن "شي لم ينشغل قط بتمكين المصالح الخاصة و"توسيع نطاق" تكوين الحزب، وكان أعضاء فريقه يرون أن سحب بعض هذه السياسات الأولية خطوة ضرورية نحو توزيع الأدوار بشكل جديد وموات بقدر أكبر، من وجهة نظرهم، بين المجالين العام والخاص".
وتقول ماري جالاجر، وهي أستاذة العلوم السياسية في جامعة ميشيجان في مدينة آن آربر، إن جهود تعزيز شبكة الأمان الاجتماعية برزت إلى الساحة كذلك، بينما يركز المسؤولون المحليون بقدر أكبر على استعادة النمو وليس على تحقيق أهداف مثل توسيع نطاق معاشات التقاعد أو تحسين التعليم، أو تخفيف نظام «هوكو» لتسجيل الأسر، الذي يربط الأشخاص والمزايا التي يحصلون عليها بمكان محدد.
وتقول جالاجر في مقابلة معها "لا أظن أن هذه الأشياء قد أدخلت بفعالية في نظام تقييم أداء المسؤولين المحليين".
وتلوح في الأفق تحديات أخرى، كاعتماد التكنولوجيا الحديثة -وهو من الأولويات الوطنية الأخرى التي حددها الرئيس شي- التي وضعت الصين في مركز تنافسي على مستوى العالم، لكنها أسفرت كذلك عن تفاقم الاحتياجات من الرعاية الاجتماعية. على سبيل المثال، فإن دفع الصين نحو الاستثمار في أجهزة الروبوت يهدد بحدوث بطالة على نطاق واسع في الأنشطة المختلفة، بدءا من الخدمات اللوجستية حتى الصناعة التحويلية، التي كانت في الماضي تتيح وظائف مدى الحياة. ومن شأن تسريح أعداد كبيرة أخرى من العمالة أن يثير السخط إذا كانت الصين ستبذل الجهود مجددا لترشيد مؤسسات الدولة، وتلقي بالعمالة في برامج الإعانات الوطنية التي غالبا ما تكون أقل سخاء من تلك التي يقدمها أصحاب العمل.
وتقول إليزابيث إيكونومي، مديرة الدراسات الآسيوية في مجلس العلاقات الخارجية ومقره نيويورك، في مقابلة أجريت معها: "في كثير من الأحيان، عندما يغلقون هذه الشركات، يقولون إنك ستظل محتفظا بوظيفة ما، لكنها قد تكون وظيفة كنَّاس في الشوارع. وهناك فرق هائل بين نوع العمل الذي يحصلون عليه ونوع المنافع التي تُمنح لهم".
وتضيف إيكونومي قائلة إن إقرار شي بأوجه القصور الاقتصادية ومخططه بشأن الحلول يجعلان حكومته تواجه مخاطر متزايدة إذا لم تتحقق النتائج المتوقعة من الأولويات المحددة.
وتقول إن "الإصلاح الاقتصادي، وتخفيف حدة الفقر، ومعالجة القضايا البيئية، -كلها مبادرات على مستوى السياسات يظن هو أنها ضرورية للحفاظ على شرعية الحزب الشيوعي والمُضي بالبلاد قُدُما لكن ربما كان أكبر اختبار يواجه حكومة شي هو الاتجاه الديموغرافي الذي لا مفر منه- أي اتساع الفجوة بين المساهمات في معاشات التقاعد ومدفوعات المعاشات مع تقدم سكان الصين في السن.
وتشير توقعات مجلس الدولة، أو مجلس الوزراء، إلى أن أعمار نحو ربع السكان ستزيد على 60 عاما بحلول 2030 وتراوح تقديرات النقص في تمويل نظام التقاعد في البلاد خلال السنوات القليلة المقبلة بين 130 مليار دولار و175 مليار دولار، وهي فجوة يجب على الحكومة أن تسدها.
وبينما تعهد شي بتحسين النظام لم تتح إدارته سوى تفاصيل قليلة. وأصدرت الحكومة العام الماضي توجيهات لعدد قليل من الشركات الكبيرة المملوكة للدولة بتحويل 10 في المائة من أرصدتها إلى صناديق معاشات التقاعد للحد من النقص في أصول الصناديق. واتخذت الحكومة خطوات للقضاء على الفروق في المنافع بين الأقاليم المختلفة. وربما تمثل أحد الخيارات المتاحة في الاستفادة من صناديق الحكومة المزدهرة، بمساهمات من الإيرادات العامة.
وهناك خيارات أخرى -وكلها خيارات صعبة- تركز على استثمار الأموال بمزيد من الفعالية لزيادة العائدات، وتخفيض المنافع، مع ما يترتب على ذلك من مخاطر إبعاد المتقاعدين، أو زيادة معدلات مساهمة الشركات والأفراد، وهي مرتفعة مقارنة بالبلدان الأخرى. ويجب على الحكومة أن تشارك في السباق للحاق بالركب، وهي بالفعل تركض وراء تحقيق التوقعات المتزايدة لعامة الشعب الصيني.

إنشرها