دافوس 2019 .. لا شيء يستحق الذكر

دافوس 2019 .. لا شيء يستحق الذكر

الجميع بحاجة إلى أبطال، حتى الطبقة الثرية المتحكمة في دافوس. لكن "النخبة العالمية" لا تملك الحماس والأفكار الآن.
في ممرات المنتدى الاقتصادي العالمي الذي عقد الأسبوع الماضي، لخص كينيث روجوف، الاقتصادي في جامعة هارفارد، الأمر قائلا "هذا هو "دافوس" الأكثر سطحية الذي أتذكره. عادة، يكون هناك بلد متألق أو صناعة متألقة يتحدث عنها الجميع. لكن هذا العام لا يوجد شيء".
هذا النقص في الحماس له آثار تتجاوز إلى حد كبير عالم منتدى دافوس الذي تمت محاكاته بسهولة. طوال الـ 30 عاما الماضية، كان "دافوس" أفضل مكان لرصد الأفكار والخطط الجنونية التي كانت مثيرة وغنية. وهو المكان الذي تم فيه تشكيل وتعزيز إجماع رأي النخبة.
في العام الماضي، تم تحديد نجمي دافوس بسهولة. كانت التكنولوجيا العصرية هي قواعد البيانات المتسلسلة وكان السياسي العصري هو رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون. لكن منذ ذلك الحين، انخفضت معدلات شعبية ماكرون بسرعة تقارب سرعة انخفاض سعر "بيتكوين". وبقي الرئيس الفرنسي في بلاده هذا العام للتعامل مع حالة من الاستياء المحلي.
ماكرون و"بيتكوين" يمكن أن ينضما الآن إلى نادي محبوبي دافوس المهملين، الآخذين في الازدياد. وهؤلاء هم السياسيون، أو البلدان، أو الصناعات التي كان ينظر إليها في يوم من الأيام على أنها تمثل المستقبل، التي هوت سمعتها إلى الحضيض منذ ذلك الحين.
غالبا ما كانت البلدان المتألقة في المنتديات السابقة عبارة عن اقتصادات ناشئة سريعة النمو، كان يفضل أيضا أن تكون ديمقراطية، أو على الأقل "تتحرك في الاتجاه الصحيح". اعتادت البرازيل على تغطية جميع هذه الجوانب. في عام 2010 منح منتدى الاقتصاد العالمي "جائزة الحنكة السياسية العالمية" لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الرئيس البرازيلي آنذاك، الذي تحدث في عديد من المنتديات السابقة. كان لولا يهدف تقريبا إلى إبهار "دافوس". كان راديكاليا سابقا، اعتنق الرأسمالية والعولمة، مع احتفاظه بمؤهلاته مصلحا اجتماعيا. وكان اقتصاد بلاده ينمو بسرعة.
لكن البرازيل في عام 2019 مرت بفترة ركود عميقة وفضيحة فساد ولولا في السجن. يمثل البرازيل الآن جاير بولسونارو، وهو رئيس مشهور بإهانة المثليين ومدح المعذبين. وبصفته نصيرا للإصلاحات الاقتصادية الليبرالية، كان لدى بولسونارو فرصة لإعادة تقديم نفسه أمام جمهور "دافوس". لكن ظهوره في منتدى هذا العام كان قصيرا ورسميا جدا.
محبوبو "دافوس" السابقون الآخرون اتبعوا مسارا مماثلا. كانت تركيا ذات يوم البلد المتألق. تم الترحيب برئيسها، رجب طيب أردوغان، باعتباره أنموذجا لزعيم إسلامي معتدل يرأس بلدا ديمقراطيا ورأسماليا في آن معا. لكن أردوغان خرج غاضبا من "دافوس" في عام 2009 بعد خلاف على خشبة المسرح حول إسرائيل - ولم يعد أبدا. وفي هذه الأيام، أصبح أردوغان مستبدا على نحو متزايد وبلده يترنح على حافة أزمة ديون.
التحول الظاهر للنخبة الروسية من مسؤولين محترفين في الحزب الشيوعي، مجهولي الهوية، إلى رأسماليين صاخبين ذوي طباع قاسية، كان أحد عجائب المنتدى الاقتصادي العالمي. لكن منذ غزو شبه جزيرة القرم في عام 2014، باتت روسيا في جانب المنبوذين في "دافوس".
خيبت بريطانيا أمل "دافوس" بالتصويت لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي، وأربكت المندوبين ببساطة في مؤتمر هذا العام من خلال رفع لافتات كبيرة على فندق بلفيدير مكتوب عليها "التجارة الحرة رائعة". ومن الواضح أن دونالد ترمب "رجل الرسوم الجمركية" ليس شخصا يؤيد هذا الشعار الصديق للمنتدى. ابتعد الرئيس الأمريكي عن المنتدى هذا العام للتعامل مع إغلاق الحكومة.
ادعاء الصين أنها "البلد المتألق" لا يخلو من التشوهات. تباطؤ النمو، وتزايد العداء مع الولايات المتحدة، والسياسات المتسلطة على نحو متزايد في الداخل تجعل حكومة شي جينبينج في موقف أكثر صعوبة في "دافوس". وهذا يترك الهند، أو "الهند الرائعة" كما وصفت نفسها في حرب علاقات عامة في "دافوس" 2006. ناريندرا مودي، رئيس الوزراء الهندي، ظهر بشكل لامع في المنتدى الاقتصادي العالمي العام الماضي. لكن منذ ذلك الحين، وصلت الأخبار إلى "دافوس" بأن الإصلاحات الاقتصادية تباطأت في الهند وأن استقلالية البنك المركزي أصبحت تحت التهديد. لذا حتى الهند تبدو حالها أقل روعة هذا العام.
نتيجة لذلك، وصل البحث هذا العام عن البلدان والسياسيين المتألقين في "دافوس" إلى الدرجة الثانية - حظيت كل من النمسا وإثيوبيا باهتمام إيجابي. سيباستيان كورتز، المستشار النمساوي البالغ من العمر 32 عاما، هو ممثل سلس يسعى إلى إصلاحات اقتصادية ليبرالية. قال أحد المختصين الألمان بحماس "أود أن يكون مستشارا لألمانيا، لكننا واجهنا تجارب مؤسفة مع النمساويين في الماضي".
وجاء أبي أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبي، مثل أحد أبطال "دافوس" في أوائل التسعينيات بحديثه عن إطلاق سراح السجناء السياسيين ومعاهدات السلام مع البلدان المجاورة والتكامل الاقتصادي الإقليمي "وبالطبع" الإصلاح الاقتصادي الليبرالي. لكن التغيير الإيجابي في إثيوبيا لا يكفي لتغيير المزاج العالمي.
في الماضي، عندما بدا السياسيون يائسين بشكل خاص، التفت المشاركون في "دافوس" إلى الصناعة من أجل الإلهام. لكن مجموعات التكنولوجيا غارقة في خلافات ونزاعات طويلة والمستقبل الذي تمثله يبدو بائسا بشكل متزايد.
دافوس هو المكان الذي تعيد فيه الصناعات القديمة تصنيف نفسها على أنها مستقبلية. تتحدث شركات النفط عن مصادر الطاقة المتجددة وشركات السيارات تعرض مركباتها الكهربائية. لكن في هذا العام شركات النفط تعاني حملات سحب المساهمين استثماراتهم ولا تزال شركات السيارات الألمانية تعاني آثار فضائح الديزل. لذلك لم يكن هناك أي شيء ممتع.
يبدو الأمر كأن العالم خيب آمال "دافوس". لكن، مرة أخرى، ربما يكون "دافوس" هو الذي خيب آمال العالم.

الأكثر قراءة