النظام الغذائي النباتي الصرف .. نظرة إلى الجانب العلمي

النظام الغذائي النباتي الصرف .. نظرة إلى الجانب العلمي

من الواضح جدا أن النظام الغذائي النباتي الصرف (الخالي حتى من البيض ومنتجات الألبان) ليس عادة يطيب اتباعها. ومع ذلك، انطلاقا من العناوين الرئيسة الانفعالية التي يجذبها هذا النظام وأتباعه من المشاهير، يمكنك بسهولة استنتاج أن التخلص من جميع المواد الغذائية الحيوانية هو الطريق نحو تمام العافية والحصول على بشرة مشرقة (أليشيا سيلفرستون)، ومظهر مثير (جيمس كاميرون) وأداء رياضي متطور (فينوس ويليامز).
من المؤكد أن علينا التوقف عن تناول اللحوم الحمراء - خاصة اللحوم المصنعة مثل النقانق والسلامي والباتيه – لأنها تتسبب في أمراض القلب وسرطان الأمعاء. ومع ذلك، بالكاد يوجد دليل يذكر على أن النظام الغذائي النباتي الصرف صحي بحد ذاته أكثر من النظام النباتي - أو حتى من النظام الغذائي الذي يحتوي على كمية متواضعة من اللحوم الخالية من الدهون والأسماك. من الممكن أن تتبع نظاما نباتيا صرفا بشكل سيئ، من خلال تناول رقائق البطاطس بشراهة، والمقرمشات، والمشروبات الغازية ـ لكن تذكر أن أشرار النظام الغذائي؛ الدهون، والسكر، والملح غير موجودين حصريا في اللحوم.
ينعكس هذا التعقيد في الصياغة الدقيقة التي اعتمدتها "جمعية الحمية البريطانية"، وهي مصدر محترم للمشورة الغذائية. تقول الجمعية الحمية إن النظام الغذائي النباتي المدروس "يدعم الحياة الصحية في جميع الأعمار". هناك رأي مشابه من "مؤسسة التغذية البريطانية": "يمكن للأنظمة الغذائية النباتية، والنباتية الصرفة المدروسة أن تكون مغذية وصحية". وتنصح مشورة غذائية مقدمة من الحكومة، منصوص عليها في دليل "إيت ويل"، بالحد من تناول اللحوم، لكنها لا تدافع خصوصا عن النظام الغذائي النباتي، أو النباتي الصرف.
ذلك لأن اللحوم هي مصدر متاح بسهولة للبروتينات والفيتامينات والمعادن. اللحوم الحمراء غنية بالحديد، اللازم لصنع خلايا الدم الحمراء، وفيتامين بي 12، الضروري لجهاز عصبي صحي. الجانب السلبي هو أن بعض اللحوم تحتوي على نسبة عالية من الدهون المشبعة، التي ترفع نسبة الكولسترول، بالتالي تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب. النصيحة الرسمية هي عدم تناول أكثر من 70 جراما من اللحوم الحمراء أو المصنعة خلال اليوم.
المصادر النباتية الصرفة للحديد تشمل البقول، ودقيق الحبوب الكاملة، والخضراوات الورقية، وحبوب الإفطار المدعمة، والمكسرات، والفواكه المجففة، مثل التين أو البرقوق. سد فجوة فيتامين بي 12 يعد أمرا أكثر صعوبة: البحث عن الأطعمة المدعمة، مثل الحبوب، وحليب الصويا غير المُحلى، أو مستخلص الخميرة (نصيحتي هي تعلم حب خميرة "مارميت"). الأمهات النباتيات الحوامل يجب أن يحذرن بشكل خاص بشأن تناول المغذيات.
استهلاك منتجات الألبان بكمية غير كافية سيؤثر في مستويات الكالسيوم الضرورية للعظام والأسنان. ويستطيع النباتيون التعويض عن النقص من خلال البحث عن حبوب الصويا المدعمة، والأرز، ومشروبات الشوفان، والبقوليات، وبذور السمسم، والخبز بنوعيه الأبيض والبر، والفواكه المجففة. المكملات الغذائية المشتملة على فيتامين بي 12 وفيتامين د (اللازم لتنظيم الكالسيوم) قد تكون فكرة جيدة بالنسبة لبعضهم. يمكن العثور على أحماض أوميجا 3 الدهنية في زيوت بذور الكتان، وزيت بذور اللفت، وزيت الصويا، وكذلك الجوز، على الرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كانت تلك المستمدة من النباتات مفيدة كالموجودة في الأسماك الزيتية.
لا يسبب نقص البروتين قلقا كبيرا، لأن معظمنا يتناول منه أكثر من الحاجة. وينبغي أن يكون ميزان المجموعات الغذائية نحو 15 في المائة من البروتين، و50 - 55 في المائة من الكربوهيدرات، والباقي دهون. إضافة إلى ذلك، تم إثبات فوائد تناول نظام غذائي يعتمد على النبات في الغالب: تبديل النباتات الورقية باللحوم يميل إلى خفض الكولسترول وإنقاص الوزن. كلاهما يبشر بصحة جيدة على المدى الطويل، فيما يتعلق بضغط الدم، السكري من النوع 2، والسمنة. وتشير بعض الدراسات إلى أن مخاطر إصابة النباتيين بالسرطان أقل 18 في المائة مقارنة بمتناولي اللحوم. وتصنف منظمة الصحة العالمية اللحوم الحمراء على أنها "مادة مسرطنة محتملة".
ربما يكون الاختبار النهائي للتخلي عن تناول اللحوم ومنتجات الألبان هو ما إذا كان يجعلك تعيش لفترة أطول - لكن العلم ليس واضحا، خاصة أن الأبحاث ركزت تاريخيا على النظام الغذائي النباتي أكثر من النباتي الصرف. أشارت دراسة أمريكية أجريت عام 2013 إلى أن مخاطر الوفاة لدى النباتيين أقل بنسبة 12 في المائة بشكل عام، خلال فترة الدراسة، مقارنة بمتناولي اللحوم، لكن تحليلا أجري في عام 2016 يتعلق بمتناولي اللحوم ومتبعي النظام النباتي والنباتي الصرف في المملكة المتحدة لم يجد فرقا كبيرا في معدلات الوفيات.
النتائج المتناقضة ربما تعكس الأسباب المختلفة لسبب تخلي الناس عن تناول اللحوم، مع تصدر هذه العوامل الأساسية في الدراسات طويلة الأجل. مثلا، إذا تحولت إلى شخص نباتي، أو نباتي صرف، لأجل الحفاظ على صحتك، فقد تقلل أيضا من تعاطيك للدخان وتزيد معدل ممارستك للرياضة. بالتالي ستتوقع أن دراسة مليئة بالنباتيين غير المدخنين المهووسين بممارسة الرياضة أنهم سيعثرون على فوائد صحية في النظام النباتي.
النباتيون الذين يقوم نظامهم الغذائي على دوافع أخلاقية وبيئية قد لا يراقبون غذاءهم بالعناية نفسها. نظام غذائي يشتمل على الكحول، والدخان، ورقائق البطاطس لا يزال نظاما نباتيا صرفا من الناحية الفنية - لكن لن يساعدك بالضرورة على العيش لفترة أطول من نظرائك الذين يلتهمون البيرجر. بالتالي، في الوقت الذي أتفهم فيه الأسباب الأخلاقية والبيئية القوية من أجل أن أصبح نباتية صرفة، إلا أن الحجج الصحية لا تصمد أمام التمحيص.

الأكثر قراءة