عقيدة يابانية: نم 4 ساعات تنجح .. نم 5 ساعات تفشل
عقيدة يابانية: نم 4 ساعات تنجح .. نم 5 ساعات تفشل
وفقا للتقاليد، يتم تشجيع طلاب المدارس اليابانيين الذين يستعدون لامتحانات الانتقال من مرحلة دراسية إلى أخرى، على العيش وفقا لعقيدة يونتوجوراكو yontougoraku المنهكة: “نم أربع ساعات، تنجح. نم خمس ساعات، تفشل”.
بعبارة أخرى، في مرحلة مبكرة من حياة الناس، ينقل المجتمع الياباني رسالة مفادها أن النوم له قيمة أقل جوهريا من اليقظة، وهو سلعة يمكن، بل لا بد، أن تتم مقايضتها مقابل شيء أكثر قيمة.
أصبحت “ديون النوم” محور نقاش وطني، لكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كان المديرون يرون ذلك على أنه شيء أكثر شرا من مجرد تكلفة الأعمال.
لكن شركة صغيرة في طوكيو تسمى “كريزي” Crazy، وهي متجر فاخر لترتيب حفلات الزفاف، اتخذت موقفا جريئا بشكل غير متوقع وقررت مكافأة النوم. ستدفع لموظفيها مكافأة إذا أثبتوا أنهم ينامون وقتا أطول كل ليلة. إذا تمكنوا من الحفاظ على وتيرة ثابتة للنوم الطويل المتواصل، وتمكنوا من الحصول على ما لا يقل عن ست ساعات في جميع ليالي الأسبوع، يمكن للعاملين جمع ما يعادل 64 ألف ين “562 دولارا” في السنة.
إنها تجربة مختلفة جذريا في مجال الحوافز والإنتاجية. كازوهيكو مورياما، المهندس المعماري والمدير التنفيذي لشركة كريزي، يأمل أن تصبح شركته أنموذجا للشركات في جميع أنحاء البلاد. ويشدد على أن اليابان ستصبح أضعف بالتأكيد، وهو يخبط بقبضته على الطاولة، إذا تم استغلال حق العامل في النوم بشكل دائم.
يقول مورياما “إن طبيعة أعماله ليست ذات صلة. نريد أن نظهر أن الشركات بجميع أنواعها بحاجة إلى أن تكون أفضل”. ويضيف “نحن صناعة إبداعية تعمل على وضع معيار أعمال جديد”.
واعترف بأن التكنولوجيا الناشئة، المتوافرة بسعر معقول، لعبت دورا رئيسيا في فكرة مكافأة النوم وغيرها من الابتكارات المعززة للصحة التي أدخلتها شركة كريزي. كان المدير في السابق يستنتج دلالات التعب من خلال الهالات السوداء تحت عيون الموظفين، أما الآن فيمكنه استنتاجها بدقة من مخرجات هواتفهم الذكية. ستتم مراقبة عادات النوم لدى فريق شركة كريزي “اختياريا” من خلال تطبيق يستخرج البيانات من أجهزة الاستشعار المدمجة في مراتب أسرتهم.
“كريزي” ليست الشركة الوحيدة التي اكتشفت ذلك. منتجو الأجهزة الطبية في اليابان بدأوا التعامل مع “ديون النوم” في البلد بصفتها فرصة تجارية. عديد من الشركات، مثل شركة تيجين Teijin، أنتجت أجهزة مراقبة للنوم قادرة على تحميل البيانات إلى الشركات، ومن الناحية النظرية، إعطاء المديرين المعلومات التي يحتاجون إليها لإرسال الموظفين الذين يعملون فوق طاقتهم إلى المنزل.
شركة هيتاشي تعمل منذ نيسان (أبريل) على خدمة تدفع بموجبها الشركات الكبرى مقابل إدارة نظام يتتبع النشاط البدني للموظفين ونومهم.
في أيلول (سبتمبر) أصدر مصرف الاستثمار “مورجان ستانلي” تقريرا من الوزن الثقيل حول مستقبل الاقتصاد الياباني، عدد فيه أكثر من 100 شركة ناشئة غير مدرجة لكنها واعدة في مجال التكنولوجيا. ويركز عديد من النماذج التجارية على أطروحة مفادها أن الشركات اليابانية ستتعرض لضغوط أكثر من أي وقت مضى من أجل الاستثمار في صحة موظفيها. هذا الضغط، كما أشار التقرير، سيزداد بشكل كبير لأن التركيبة السكانية تدفع القوى العاملة اليابانية إلى الانكماش، فيما تحارب الشركات من أجل استقطاب المواهب والاحتفاظ بها.
“أو: إنك” O: inc، هي واحدة من الشركات التي تم تحديدها من قبل “مورجان ستانلي”، بدأت على يد رجل أعمال كان قد رأى زملاءه يأخذون إجازة مرضية طويلة، أو يقدمون على الاستقالة بسبب الحرمان من النوم. يقول جونيا تانيموتو، مؤسس الشركة، إن هناك عديدا من الحالات المشابهة في الشركات اليابانية، لكن لا توجد خدمات لمعالجة المشكلة على نحو جدي. ويلاحظ أن أنماط نوم الموظفين، بعد أن أصبح من الممكن رصدها بدقة أكبر، أصبحت مؤشرا حاسما على المشكلات الأوسع نطاقا داخل الشركة.
من الناحية الاجتماعية، كما يقول مختصون، لم يكن من الممكن أن تأتي معادلة المال مقابل النوم البسيطة في قلب مخطط مورياما في وقت أكثر حساسية مما هو الآن.
إلى الحد الذي أدى الآن إلى إثارة قلق وزارة الصحة والعمل والرفاهية بشكل رسمي، ظلت مسألة “النوم يمكن الاستغناء عنه” الأساس الذي استندت إليه عقود من التطور في مواقع العمل في اليابان – على الأخص في الثقافة التي تُجبر القوة العاملة على العمل بجد أبعد بكثير من واجباتها التعاقدية من خلال عمل إضافي غير مدفوع وغير مُعلن عنه.
في عام 2014، فيما كان يُعتبر خطوة متأخرة وبيان لما هو أمر بديهي، نشرت وزارة الصحة وثيقة ضخمة تقدم لعالم الشركات “دليلا” حول أهمية النوم.
الإحصائيات التي استند إليها تقرير الحكومة، التي كانت في بعض الحالات من دراسات استقصائية أجريت منذ أكثر من عشر سنوات، أظهرت عددا من السمات المثيرة للقلق في أنماط النوم اليابانية، بما في ذلك اكتشاف أن أكثر من 30 في المائة من البالغين يتعاطون الكحول من أجل النوم. وأظهرت إحصاءات أحدث أن أكثر من 71 في المائة من الرجال البالغين اليابانيين ينامون أقل من سبع ساعات في الليلة. وبحسب جون كوهياما، وهو طبيب أعصاب في الجمعية اليابانية لأبحاث النوم، أن مثل هذه النتائج كان يجب أن تدق ناقوس الخطر. وقال “لدى الشعب الياباني عقلية تعمل بجد، ومع أن التضحية بساعات النوم أمر جيد، إلا أنه دون ساعات نوم كافية لا يستطيع دماغك أن يعمل بشكل جيد. أشعر بقلق عميق لأن اليابانيين في الوقت الحاضر أقل قدرة على إصدار حكم منطقي بسبب نقص النوم”.
محاولة أجراها محللون في “جولدمان ساكس” في أوائل عام 2017 لتحديد حجم مشكلة الإفراط في العمل والحرمان من النوم قدّرت أن العامل الياباني العادي يؤدي نحو 200 ساعة سنويا من العمل الإضافي غير المدفوع. وخلص التقرير إلى أن الخبر السار هو أن هذا الوضع أعطى اليابان مكانة قوية تستفيد منها – من حيث إنتاجية العمل الهامشية – من أي سياسات تُقلل ساعات العمل وتزيد، مثلا، ساعات النوم.
عناوين وسائل الإعلام تبرز أكثر الآثار تطرفا في هذه الثقافة - عشرات الوفيات الناجمة عن “كاروشي” الموت بسبب الإرهاق - كل عام منسوبة إلى العمل الزائد. تشير دراسة أجرتها مؤسسة راند في عام 2009 لتحديد تكلفة النوم غير الكافي، إلى أن اليابان تخسر ما يقدر بـ 138 مليار دولار سنويا بسبب ارتفاع مخاطر الوفيات وخسائر الإنتاجية المرتبطة بنقص النوم. لم تكن اليابان بأي حال من الأحوال الدولة الوحيدة التي عانت ضربة اقتصادية - تكلفة نقص النوم على الاقتصاد الأمريكي تقدر بـ 411 مليار دولار سنويا – لكن الأذى الذي لحق باليابان بسبب نقص النوم هو الأكبر، وبهامش لا بأس به، كونه يمثل نسبة من الناتج المحلي الإجمالي تبلغ 2.92 في المائة.