ثقافة وفنون

طقوس الكتابة .. لحظات تجلٍّ تسودها الغرابة والطرافة

طقوس الكتابة .. لحظات تجلٍّ تسودها الغرابة والطرافة

طقوس الكتابة .. لحظات تجلٍّ تسودها الغرابة والطرافة

أين ومتى وكيف يكتبون، هذا السؤال الذي يراود القارئ حينما تأسره رواية أو ديوانا شعريا فريدا، فيجد فيه ضالته، لما تتضمنه من كنوز ثقافية ومعرفية نسجت بإتقان.
الحبكات المتقنة يقف وراءها كاتب اختار لحظات تجل وإلهام كي يكتب إبداعاته، ولا بد أنه اختار مكانا ملائما يناسبه، وربما اختار قلما معينا، أو لونا من الورق، أو طقسا ما ساهم في تدفق هذا الإبداع إلى الورق.

ليست ضربا من الخيال
من يمارس الكتابة يدرك أن هذه الطقوس حقيقة وليس ضربا من ضروب الخيال، بل إن بعض الطقوس يتضمن تناول طعام معين، أو ارتداء ملابس معينة، أو حتى شرب عدد معين من أكواب القهوة، أو سماع نمط موسيقي، وربما طلاء الغرفة بلون ما يلائم قريحته.
ومن غرائب الطقوس ما يقوم به الأديب المصري الراحل نجيب محفوظ، إذ كان يسير مسافات طويلة في الصباح الباكر استعدادا للكتابة، فيما كان الشاعر السوري الراحل نزار قباني يسرف في تأنقه، ويستخدم العطر، ثم يستلقي على الأرض وأمامه عدد كبير من الأوراق الملونة، ربما كي يحفز الجانب العاطفي عنده قبل أن يخط قصيدته.
وليس بأغرب من الروائية الإنجليزية أجاثا كريستي، وكانت لا تأتيها أفكار رواياتها إلا في الحمام، لذلك كانت تمكث فيه لساعات وهي تكتب، أما الكاتب المسرحي الجزائري ألبير كامو فكان لا يكتب إلا واقفا أمام شرفة مفتوحة.

صباح أبيض وقهوة سوداء
من الطقوس المميزة، هي طقوس الروائي الفلسطيني إبراهيم نصر الله، الذي يقول إنه يكتب دائما في الصباح، وهي عادة بدأت منذ 30 عاما، لم يحدث أن كتب في الليل سوى مرات نادرة، حيث ينهض باكرا، ثم يحلق ذقنه، ويعد قهوته، ويمضي إلى طاولته ليبدأ الكتابة في الثامنة صباحا، في هدوء مطلق، ويستمر حتى الثانية عشرة ظهرا.
وبحسب كتاب "طقوس الكتابة عن الروائيين" لمؤلفه عبدالله ناصر الداود، فإن نصر الله يتعجب: "أتراها مصادفة أن أكون بحاجة إلى سطوع الضوء وعتمة سواد لون القهوة؟"، ويضيف أن فنجانا واحدا يرافقه ويكفيه، وفي حالات كثيرة يكتشف أنه لم يشرب أكثر من نصفه عند منتصف النهار، ما يعني أنه نسيه، وكلما نسيه أدرك أنه كتب باندفاع أكبر وبحرارة أكثر.

على السرير أو في ركن فندقي
الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي، الحائزة جائزة نجيب محفوظ لعام 1998م عن روايتها "ذاكرة الجسد"، تقول عن طقوسها إنها تكتب في غرفة نومها، على السرير، في ظل إضاءة قوية، وتكتب بأقلام تلوين مدرسية سيالة، وأثناء الكتابة لا تدخن، ولا تشرب شيئا سوى كأس حليب ساخن مع نسكافيه.
أما الروائي السوداني أمير تاج السر، فهو الطبيب الذي يكتب نهارا ما بين الساعتين الثامنة صباحا والواحدة ظهرا، ويعمل في الفترة المسائية، ويكتب عادة في ركن في فندق، ركن ليس هادئا بسبب ضجيج النزلاء، ولكنه لا ينتبه إلى الضجيج. أحيانا يكتب في مكتبه الذي أعده في منزله، لكن الكتابة لا تأتيه متدفقة كما في الفندق، وحاول أن يكتب في المقاهي العامة فلم يستطع، إذ كان الأمر شاقا، وسط دخان الشيشة، وألعاب الطاولة، وصياح اللاعبين، وتطفل النادل بين لحظة وأخرى، وفي العادة يشرب الشاي والقهوة أثناء الكتابة، ولا يستمع لأي موسيقى حتى لا تشتت ذهنه.

قراءة ما قبل الكتابة
الأديب المصري جمال الغيطاني يكتب عادة في المساء، وقبل الكتابة يقرأ قليلا، ثم يكتب لمدة أربع ساعات، من الساعة العاشرة إلى الواحدة، وتتخللها فترة عشاء نصف ساعة. يكتب وهو يستمع إلى صوت موسيقى مختارة بعناية، إما موسيقى أندلسية أو عربية قديمة.
يستخدم الغيطاني في الكتابة قلم حبر كلاسيكي، ولديه مجموعة من الأقلام النادرة لذلك، ولا يستخدم الحاسوب في الكتابة، لأن الكتابة صنعة ورسم لا يوفره الحاسوب.
ويقول في كتاب الداود "حين أكتب وتواجهني مشكلة وصعوبة فإني أعيش أزمة نفسية قد تجعلني أفكر في الانتحار، لكن عندما تنحل وتفرج، فإني أحس بسعادة ما بعدها وهي من أفضل لحظات عمري".

غناء المقامات
يروى عن الشاعر محمد مهدي الجواهري أنه كان يغني المقامات العراقية القديمة قبل كتابة الشعر، أما عباس محمود العقاد فنقل عنه: "أنا أحب أن أكتب بالحبر الأحمر فقط، وألا تتعدى مساحة الورق التي أكتب عليها مساحة كف يدي، بغير زيادة أو نقصان، وإذا لم أجد حجم الورق يتغير مزاجي، وقد تتطاير الأفكار من رأسي، والأمر نفسه يحدث معي إن لم أجد الحبر الأحمر، وحتى إذا وجد البديل".

غرابة لضمان الإبداع
ولأن الكتابة أشق الأعمال في العالم كما يقول الكاتب الأمريكي الشهير إرنست هيمنجواي، فكان يكتب، الحاصل جائزة نوبل، وهو واقف، ينتعل حذاء أكبر من مقاسه، ويكتب بقلم رصاص، في حين كان الروائي الأمريكي دان براون يعلق نفسه رأسا على عقب، كي يسترخي ويركز أفكاره، ولعل ذلك هو ما جعله يكتب روايات متينة ومعقدة.
ولا أشد غرابة من الأديب الفرنسي فيكتور هوجو، صاحب رواية "البؤساء"، الذي يأمر خادمه بإخفاء ملابسه، ثم يكتب عاريا حتى لا يضطر للخروج من المنزل، كما كان يكتب كل صباح واقفا أمام مرآة.
وفي فرنسا أيضا، لا يبدأ "بلزاك" في الكتابة إلا عندما يضع بجواره سطلا كبيرا من القهوة، فيشرب من 20 إلى 30 فنجانا من القهوة.
لبعض الأدباء طقوس في اختيار الملابس قبيل الكتابة، فالأديب الروسي تولوستوي كان يرتدي لباس الفلاحين قبل الكتابة، والروائي الكولومبي جابريال جارسيا ماركيز كان لا يبدأ الكتابة إلا عندما يرتدي لباس الميكانيكي، والفرنسي جوستاف فلوبير كان يرتدى ملا‌بسه الأ‌نيقة، ويضيء كل مصابيح منزله، حتى يظن الناس أنه أقام وليمة، ليكتب نصوصا تنتصر للإبداع الثقافي.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون