توصيف أزمة منتصف العمر .. هواجس الخوف من الموت فجأة

توصيف أزمة منتصف العمر .. هواجس الخوف من الموت فجأة
توصيف أزمة منتصف العمر .. هواجس الخوف من الموت فجأة

خلال زيارتي الأخيرة للطبيبة، تطرقت بشكل عرضي أثناء الحديث إلى أنني أشعر كأنني تحولت إلى شخص يلازمه وسواس حول المرض. كان رد الطبيبة أن سألتني: "هل تشعرين بالقلق من الموت فجأة؟".
جاء ردي على الفور: "نعم!". لقد قلت ذلك وكأنني أصرخ بارتياح، وأنا على يقين من أن هذا لا بد أن يكون عرضًا لشيء خطير، حيث رحتُ أحدثها عن موجة الوفيات الأخيرة لأصدقاء العائلة.
نظرت في ملاحظاتي وحددت السبب الجذري للقلق. ما إن تجاوزت الأربعينيات من عمري حتى أصبحت مدركة أن حياتي، قاب قوسين أو أدنى من أن تصبح فانية.
كان هذا يبدو بشكل ملحوظ كأنه أزمة منتصف العمر، على الرغم من أن طبيبتي كانت مهذبة للغاية، بحيث إنها لم تصف الأمر على هذا النحو.
بعد كل شيء، لا أحد يريد أن يكون موضوع نكتة سيئة بأنه في الأربعينيات ويقود دراجة هارلي ديفيدسون (وهو أمر لا يناسب سنه) وأنه يقدم على علاقة غرامية قد تكلفه الانفصال.
مثل هذه الأزمات هي بالتأكيد أقصى حالات الانغماس في الملذات للأشخاص الذين ليس لديهم ما يزعجهم: الذين سلامتهم آمنة والذين لا يعرفون سوى من أين تأتي وجباتهم المقبلة، بل أيضا وجباتهم الخفيفة ومشروبات الكوكتيل.
في عصر يتزايد فيه طول العمر، عندما يحتفل ببلوغ 100 عام عدد أكبر مما كان عليه الحال في الماضي، هل باتت الأربعينيات هي منتصف العمر؟
ومع ذلك، استمعت إلى ما يكفي من الزملاء والأصدقاء في الأربعينيات من العمر، وهم يعترفون بقلق عميق، ويفكرون في تغيير مسارهم الوظيفي، ويرغبون في الحصول على معنى أكبر في وظائفهم أو يشعرون بالذعر لأنهم يجب عليهم أن يحققوا المزيد.
دغدغت بطون الجراء التي كان قد اقتناها الأصدقاء عندما دخل أصغر طفل لهم سن البلوغ في رغبة أخيرة في الشعور بأن هناك من يحتاج إليك – أو على حد تعبير نورا إيفرون – بأن هناك من يحبك.
كل واحد منهم كان يدرك بشكل متزايد أن الكليشيهات حقيقية: فالحياة ليست بروفة، ومن الأفضل أن تكون حياة جيدة.
إذا ثبت أن ما يقلقهم (أو يقلقني) صحيح، كيف يمكنهم (أو يمكنني) إيجاد طريق للخروج من هذا الضيق؟ بنوع من التعطش الشديد وضعتُ يدي على ثلاثة كتبٍ جديدة استهدفت القارئ في عمر الأربعينيات وما بعدها.
يأتي كتاب "منحنى السعادة"، من تأليف جوناثان راوخ، مع الأمل والتعاطف وكميات وافرة من الاقتصاد السلوكي. وهو أيضا أحدث كتاب بغلاف أصفر وبعنوان يعِد بالسعادة – سابقا (على سبيل المثال لا الحصر)، كتاب "ميزة السعادة" لشون آتشور، و"مشروع السعادة" لغريتشين روبن، وقبل ذلك، "السعادة الأصيلة" لسليجمان مؤسس حركة علم النفس الإيجابي، مارتن.
يستكشف الصحافي السابق، وهو الآن زميل أول في معهد بروكينغز في واشنطن، مفهوم أزمة منتصف العمر، أي التعبير الذي وضعه قبل أكثر من 50 عامًا إليوت جاك المحلل النفسي الكندي، الذي اكتشفه أثناء بحثه عن نضالات المواهب الإبداعية مثل دانتي وغوغان. في مقالته لعام 1965 بعنوان "الموت وأزمة منتصف العمر"، توصل إلى أن جيشان منتصف الحياة "لا يحدث فقط في العبقرية الخلاقة، بل يتجلى في شكل لدى الجميع".
وكما كتب راوخ: "اغتنمت الثقافة الشعبية المفهوم الأساسي لجاك، أو على أية حال عبارته البليغة التي أصابت الهدف، وهربت بها، وسرعان ما حولتها إلى كليشيه".
في تشابك للقصص الشخصية مع البحوث التي أجراها الاقتصاديون السلوكيون (والقصص الشخصية حول علماء الاقتصاد السلوكي)، يجد راوخ أشخاصا مستائين في الأربعينيات، من الذين كان من الممكن أن يكون جاك قد حددهم على أنهم يعانون أزمة منتصف العمر، ويشعرون بالحرج من الاعتراف بمشاعرهم.
لنأخذ مثالا كارل، وهو أب لثلاثة أطفال صغار، وهو في سن الأربعين وليس لديه أي وقت لأزمة منتصف العمر. "إنه شخص نابض بالحياة، يعمل بكامل طاقته، والذي بطرق عديدة، يعيش حلمه. لا، لا يشعر بالاكتئاب: بل غير راض. وهو غير راض عن كونه غير راض. أو كما يقول: خائف" من ماذا؟ عدم المقدرة على تحديد السبب أو غيابه، هو مصدر الخوف.
راوخ مؤلف متعاطف: هو يعرف كيف يشعر الإنسان حين يقض مضجعه الشعور بعدم الارتياح. عندما وصل إلى الأربعينيات من عمره، ابتلي بشعور بأنه يضيع حياته.
هذا على الرغم من أنه حقق كل الأشياء التي كان يحلم بها في العشرينيات من عمره. كان قد نشر الكتب، وفاز بجوائز، وألقى الخطب.
وكان يتمتع بصحة جيدة ووضع مالي متين. وفوق هذا كله، كان على علاقة غرامية مع التي ستصبح فيما بعد زوجته. باختصار، يجب أن يكون "مفعمًا بالإنجاز".
وبدلاً من ذلك، كان هناك "دبور طفيلي" يحوم حول دماغه، ويطرح عليه أسئلة من قبيل "كيف حدث أني لست في البرنامج الحواري يوم الأحد؟" "ما السبب في أني لست مسؤولا عن شيء ما، مثل شركة؟" هذا على الرغم من أنه لم تكن لديه أي رغبة في القيام بهذه الأشياء في الماضي.
وبدلا من القيام بأي شيء متسرع، أخلد إلى الراحة، دون أن يحقق أي تقدم حين أصبح في سن الأربعين، ثم 45، ثم 46 وهكذا، إلى أن ابتهج راوخ، بشكل غير متوقع "لا يمكن تفسيره".
وكتب يقول: "التوقيت كان غريبا، على أقل تقدير". لاحظ أن والدته توفيت عندما كان في أواخر الأربعينيات. وتوفي والده أيضا، بعد فترة وجيزة. وفي الخمسين، تم الاستغناء عن خدماته.
ربما يكون آخرون قد رأوا هذا التغيير المنحرف في المزاج كدليل على أن راوخ اكتسب منظورا. بالنسبة للمؤلف، فهو يقوده إلى استكشاف العمل على منحنى السعادة على شكل حرف الدوران U في منتصف العمر بواسطة الاقتصاديين السلوكيين، مثل أندرو أوزوالد وداني بلانشفلاور، وهانس شفاندت، والحائز على جائزة نوبل أنجوس ديتون.
هذا يفترض أن "الرضا عن الحياة يغلب عليه الانحدار تدريجيا بعد سن البلوغ المبكر، ثم يصل إلى الحضيض في منتصف العمر (أو الأربعينيات)، ثم ينتعش تدريجيا بعد ذلك".
الكتاب تجميع واضح لأحدث الأفكار حول الرفاهية والاقتصاد السلوكي، التي بُثت فيها الروح بمهارة مع دراسات الحالة – على الرغم من أنه بالنسبة للقارئ المطلع على هذه الأبحاث، فإن كثيرا من هذه المواد لن تكون جديدة بالنسبة له.
تفسير راوخ للدراسات أكثر حداثة، فهو يعتبر أن هذا "تكيف اجتماعي، وإعادة تشغيل بطيئة الحركة لبرمجياتنا العاطفية من أجل إعادة تجهيزنا" نحو الحكمة، أو "المعرفة المحققة"، وهو شيء وصفه الفيلسوف أشعيا برلين بأنه معرفة "ما يمكن عمله في ظروف معينة وما لا يمكن فعله، ما الوسائل التي ستنجح وفي أي المواقف وإلى أي مدى".
بدلا من النظر إلى الظاهرة على أنها أزمة، وهو ما يعني ضمنا أنها مرحلة قصيرة من الصدمة، يطالب راوخ بأن نراها كشعور بضيق طال أمده.
ويكتب أن الأربعينيات هي مرحلة انتقالية تشبه إلى حد كبير سن البلوغ، وهو يقدم حجة متحمسة لكي نرى ذلك على أنه فترة حياة محددة – فقبل 150 عامًا، لم نكن نستخدم مصطلح "المراهقين".
ينصح راوخ قراءه بعدم اتخاذ قرارات متسرعة ويحث الناس على أخذ استيائهم على محمل الجد، ومناقشته مع الآخرين الذين يشعرون بألمهم.
أحد هؤلاء الأشخاص هو باميلا دراكرمان، الكاتبة الأمريكية في باريس التي حققت نجاحًا كبيرًا في عام 2012 من خلال كتاب "الأطفال الفرنسيين لا يرمون الطعام".
في أعقابه جاءت حرب الأمومة، عبر كتب مثل: "أرجو الانتباه.. أم أمريكية حول الفن الألماني في تربية الأطفال الذين يعتمدون على الذات والطريقة الدنماركية للأبوة.. ما يعرفه أكثر الناس سعادة في العالم عن تربية أطفال واثقين".
كتاب دراكرمان الأخير: "لا يوجد هناك راشدون"، هو نقطة البداية في قبولها البطيء لمرحلة البلوغ، لذلك عندما تفكر "يجب على شخص ما أن يفعل شيئا حيال ذلك"، فهي تدرك بجزع أنها هي هذا "الشخص". ومع ذلك، فإن هناك شعورا ينق عليها بأنها تمت ترقيتها خارج نطاق اختصاصها.
يروي الكتاب تطور دراكرمان خلال الأربعينيات من عمرها، وهي تتعامل مع الأطفال، والعمل، والسرطان، والصداقات، ونشاطات يقوم بها ثلاثة أشخاص معا.
في القيام بذلك، تتعلم القبول الذاتي وأن البالغين الآخرين يرتجلون مثلها أيضا. العقد يرى انتقالها من التفكير بأن "الجميع يكرهني" إلى "أنهم في الواقع لا يكترثون بي".
في حين أن الرجال الذين يواجهون أزمات منتصف العمر قد يتعرضون للسخرية بسبب اهتمامهم بالسيارات الرياضية ومواقفهم من العلاقات الغرامية، فهم على الأقل يمكن رؤيتهم.
على أن تجارب النساء تتعرض للتجاهل في كثير من الأحيان – إنها شكوى متكررة بأنهن يشعرن بأنهن غير مرئيات في الوقت الذي تتجعد فيه وجوههن مع التقدم في العمر.
يتناول الكتاب موضوعات حياة أشخاص بالأربعينيات من العمر: الأطفال، العمل، الصداقات، الآباء، الملابس، الصحة الجسدية والنفسية. وهي صادقة بشكل منعش. عندما تكتشف المؤلفة أنها مصابة بسرطان الدم، لا تواجه الفكرة بأنها سوف تموت يوما ما فحسب، بل بالتركيز على نوعية صداقاتها.
"الإصابة بالمرض هي دورة مكثفة في العقول الأخرى. تعلمت أن هناك أشخاصا يحبون الأخبار السيئة سرا، وأن بعض النساء سيشعرن بالغيرة من مدى نحفك، بغض النظر عن سببه.
يحثني عدد مذهل من الناس على عمل رعاية للقدم وتقليم الأظافر. المرأة التي كنت عليها حين ارتديت ثوبًا أبيض في حفل زفافي تختلف تماما عن المرأة التي أنا عليها اليوم" بلا شك.
المتشائمون الذين يخبرون دراكرمان عن الأصدقاء الذين ماتوا من المرض نفسه هم مروعون ويمكن التعرف عليهم، لكن هناك أيضا الذين ينظرون إليها "عاليا فوق اليأس"، ويبدون كأنهم رفاق من زمن الحرب".
عندما تشفى من المرض، تدرك أنها بعد أن عاشت حياة تخيلت فيها أسوأ السيناريوهات، إلا أنها لم تتحلل أو تقضي على حياتها. في الواقع، استمر الأمر على النحو المعتاد، حيث كتبت بعبارة مخففة: "سرت إلى المنزل من علاجي وأعددت طعام العشاء لأطفالي".
حياة دراكرمان تقليدية لأنها تضم أطفالا وزوجا. كتاب جلينيس ماكنيكول "لا أحد يخبرك بهذا: مذكرات" يستكشف ما عليه امرأة عزباء في الأربعينيات من العمر ليس لديها أطفال، تفكر في حياة بدون أطفال بعد عقد من الزمان، حيث يتعين على النساء مواجهة خصوبتهن المتراجعة.
هذه الصحافية الكندية لديها طريقة واضحة في التعامل مع العواطف: وجها لوجه. وتصف كونها مشغولة بعيد ميلادها الأربعين بما إذا كانت تستطيع مقابلة والد محتمل لكي تحمل منه طفلها. أو ما إذا كان عليها أن تستفيد من علاجات الخصوبة أو أن تكتفي بأن يكون لديها طفل بمفردها، بالتبني.
في الوقت نفسه احترقت ماكنيكول باعتبارها مراسلة إعلامية في نيويورك تحاول أن تكون ودودة وناجحة. وتقول: "كانت تسيطر علي إلى حد كبير فكرة الإفلات من الوقع الذي كنت عليه من أن الوقت ينفد مني. لا أقصد السفر بحد ذاته. بل القدرة على المغادرة".
ظل ذلك الشعور يساورها حتى أصبح ذلك الصوت الداخلي أكثر ضجيجًا وصخبًا، وعندما لم يعد بإمكانها تجاهل ذلك أنهت حياتها الصحافية، ومكثت في شقتها لمشاهدة فيلم فتيات ذهبيات Golden Girls وأخذت تستنزف مدخراتها.
وحيث إنه لم تكن لديها أية أمور يقينية، من أن لديها إمكانات لا حصر لها، التي تتمثل في التحرر والشلل. وكما تكتب: "هذا هو السبب في أن الناس ينجبون الأطفال، لأنه من المرهق عدم معرفة ما يفترض القيام به بعد ذلك. الطفل هو في الأساس خريطة غير قابلة للتفاوض للسير خلال العقدين المقبلين".
يبدو أن اتخاذ قرار بأن تصبح أما على اعتبار أن هذا "بوليصة تأمين ضد بعض الندم المستقبلي الذي لم أستطع تخيله حتى الآن" خاطئا أيضا الآن. المؤلفة مدركة للغاية حول أساطير الأمومة والصدوع التي يمكن أن تفتح بين الذين لديهم أطفال والذين ليس لديهم أطفال.
وفي الوقت الذي تدرس فيه فكرة أن تكون أما، تجد نفسها تريد أن تعرف لماذا قررت أمها التخلي عن العمل بمهنة.
مع تدهور صحة أمها، تعترك مع حقيقة أن أسئلتها لن تتم الإجابة عنها. تكتب ماكنيكول بثقة حول الإحباطات. "كنت مصممة جدًا على عدم عيش حياة أمي، والآن بعد أن أصبحت بعيدة عن تلك الحياة بقدر ما يمكنني أن أكون، وأواجه جميع التعقيدات التي نشأت عن قراراتي، وجدت في نفسي فضولا لأعرف لماذا اختارت والدتي ما اختارت، وما إذا أرادت ذلك أم أنها ببساطة لم تدرك أبدا أن هناك خيارات أخرى؟".
هناك بعض العبارات الجميلة حول الموت. وتقول إنه تبين أن "الوقوف على باب الموت، بصرف النظر عن المدة التي تقضيها هناك مع شخص ما، وبصرف النظر عن مدى الراحة التي تظن أنك تشعر بها في حضور ظل الموت، يختلف تماما عن أن ترى الشخص يمر عبر ذلك الباب".
الإحساس بأن الحياة فانية هو موضوع لا مفر منه في الكتب الثلاثة جميعا، مثلما هو في الحياة. من خلال الحديث صراحة عن الموضوع كما فعل المؤلفون، نحاول لعلنا نستطيع أن نعثر عن نوع من القبول والحكمة الأكبر. وعلى حد تعبير ماكنيكول: "لا أحد يعلم ما الذي يفوته في النهاية. أنت تستطيع أن تحيا حياتك لا أكثر، وأن تفعل أفضل ما في وسعك الحصول عليه حين ترمي قطعة النرد" لا أكثر ولا أقل، أما النتيجة النهائية فليس بوسعك تحديدها، غالبا ناهيك عن دائما.

الأكثر قراءة